قضت الحكمة الإلهية، أن تكون أشد فترات الليل ظلمة هي تلك الفترة التي تسبق بزوغ الفجر مباشرةً.
حين يشتد الظلام، ويحلك ويزداد سواد ليله، فقد اقترب بزوغ الفجر، مشرقًا معلنًا عن نهار جديد.. تلك هي الحكمة الإلهية وسنة الله عزَّ وجلَّ في كونه؛ لذا قابلت حادثة اعتقال أبي وإخوانه الأربعة من شرفاء وأطهار الوطن من جماعة الإخوان المسلمين بابتسامة عريضة، ابتسامة سخرية من ذلك النظام المفلس، ابتسامة عزة وفخر، بأبي وإخوانه، ابتسامة ثقة في دعوتنا ورسالتنا.
لأنني تيقَّنت حينها أنه كلما زاد هذا النظام المفلس ظلمًا وعدوانًا على الأبرياء من شرفاء هذا الوطن، وكلما عتى وزاد بطشه وطغيانه وجبروته؛ اقترب بزوغ فجر مشرق لأمتنا.
إن اعتقال أبناء وشرفاء مصر المخلصين من جماعة الإخوان المسلمين أمثال أبي أ. عبد الحميد بنداري، ود. سيد منصور، وم. هشام علي، وأ. أحمد صلاح.. ومن قبلهم، م. خيرت الشاطر وإخوانه، وغيرهم من شرفاء مصر وخيرة رجالها؛ لهو خير دليل على إفلاس وفشل هذا النظام، الذي لا هم له سوى ملاحقة الشرفاء!.
إن هؤلاء الرجال لم ينهبوا خير البلاد، ولم يظلموا العباد، ولم يسرقوا أموال بلادهم، فارين بها إلى الخارج..
إنهم لم يتسبَّبوا في إغراق عبارات ولا إحراق قطارات، ولا في حال البلد التي يسوء يومًا بعد يوم، وبطالة الشباب، ولم يتاجروا في المخدرات، ولا إفساد الشباب..
لم ينافقوا النظام ويزوِّروا الانتخابات، ولم يصدِّروا الغاز إلى الصهاينة، ولم يسرطنوا الأغذية والأدوية، ولم يتسببوا أيضًا في حصار وتجويع إخواننا في غزة، ولم.. ولم.. ولم..
لكل هذا كان مصيرهم الاعتقال خلف القضبان..! والملاحقة الدائمة والمستمرة لهم، والتضييق عليهم في أرزاقهم وأقواتهم، ويحضرني في هذا قول الشهيد "سيد قطب: "لا بد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض، ولا بد للمخاض من آلام".
فأبشروا.. إنها آلاء المخاض يا إخواني..!!.
إن كل ما يلاقيه الإخوان المسلمون، من ظلم وطغيان وتضييق وملاحقة، ما هي إلا آلام المخاض، التي تسبق الميلاد، ميلاد فجر جديد بإذن الله عزَّ وجلَّ..!.
فالنور كيف ظهوره إن لم يكن دمنا الوقود
والعز كيف نعيـده إن لم نكن نحن الجنود
نعم سنكون نحن الجنود، بإذن الله عزَّ وجلَّ، جنود الله المخلصين، الثابتين، السائرين على درب محمد صلى الله عليه وسلم..
والله الذي لا إله إلا هو، إن تلك الهجمة الشرسة الباغية، وكل هذه الاعتقالات لن تهزنا قيد أنملة؛ والله لن تزيدنا إلاَّ صبرًا وثباتًا وثقةً في دعوتنا..
تلك الدعوة المباركة.. دعوة الإخوان المسلمين..!.
أعجبتني مقولة إحدى زوجات الإخوان حين داهموا منزلها بالأمس أثناء غياب زوجها، وكان لها ثلاثة أطفال صغار وقفوا في ذهول، فقالت لضباط أمن الدولة، في ثقة وثبات الأبطال: "والله مهما فعلتم بنا، فلن نحيد عن طريقنا"، انظر إلى هؤلاء الإخوان الصغار، إنهم أشبال الإخوان المسلمين، وغدًا يصيرون رجالها وأُسودها، "سنظل نربِّي أبناءنا وأحفادنا في دعوة الإخوان، لن نستكين أبدًا مهما بطشتم بنا أو ظلمتمونا، أو طغيتم علينا، والله سنظل على الدرب سائرين بإذن الله.."!.
هؤلاء هم النساء المحتسبات الصابرات المجاهدات، السائرات على درب فاطمة وخديجة وأسماء وعائشة وأم نضال.
ما هذا النظام الحاكم الظالم المفلس؟ فنقول له: "إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك..!"
ولا تحسبوا أنه بهيِّنٌ على الله أن تنتهكوا حرمات بيوتنا وتسرقوا وتستولوا على ما شئتم منها، وتفزعوا أطفالنا وتحرموا أبناءً من آبائهم، وزوجات من أزواجهم..!.
أما نحن فقد علَّمنا قدوتنا ومعلمنا بأن الدنيا هي سجن المؤمن، وجنة الكافر..
واعلموا جيدًا أن دعوتنا ورسالتنا لن تتوقف عند حدود سجنكم هذا، ولا خلف قضبانه، وأسواره العالية، ولا وراء أسلاكه الشائكة، بل ستتعداه- بإذن الله- وستتحدَّى سجونكم وساجنيكم، فسجونكم إلى زوال، ونحن على ثقة، ويقين بأن ساعة الفرج قريبة..
كما تعلَّمنا بأنها موتة واحدة، فلنجعلها في سبيل الله..!.
واعلموا أيها الظالمون، بأننا لا نخاف منكم ولا نرهبكم، فكل ما تفعلوه، لا يزيدنا إلا ثباتًا وتصديقًا بأننا في الطريق الصحيح، ولكننا نشفق عليكم من حساب الله، من يوم سنقف فيه جميعًا أمام رب السموات..!.
أما أبي الغالي الحبيب وإخوانه الأطهار فأقول لكم: "اصبروا وصابروا ورابطوا، واحتسبوا الأجر عند رب السموات"..
أبي الحبيب كنت فخورة بك وأنت تغادر وتمشي وسط جحافل الضباط والعساكر في ثبات الأبطال وهمة الأسود، رافعًا همتك عاليًا، ولسان حالك يقول: "ولست بمبدٍ للعدو تخشعًا.. ولا جزعًا أني إلى الله مرجعي، ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا.. على أي جنب كان في الله مصرعي".
وأختم بقول عمر المختار قبل إعدامه.. حين قال: "نحن لن نستسلم.. ننتصر أو نموت، لا تظن أن هذه هي النهاية..! سيتعين عليك محاربة جيلي والجيل الذي يليه والذي يليه، وسأعيش أطول من شانقي".
------------
* ابنة عبد الحميد بنداري أحد الإخوان المقبوض عليهم الجمعة الماضية.