هو علي محمد علي رزة أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين، وُلد في 11 من شهر فبراير سنة 1919م، ينتمي إلى عائلة بدوية استقرّت بالإسماعيلية؛ حيث وُلد بقرية نفيشة، وكان جدُّه أحد الذين شاركوا في حفر قناة السويس، تعلَّم في كتَّاب القرية، ثم التحق بالمدرسة الأولية في نفس القرية، ثم المدرسة الابتدائية بمدينة الإسماعيلية (التي تسمى طه حسين حاليًّا)، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة النجاح بالزقازيق عام 1938م، وبعد تخرجه عمل في الشركة الاقتصادية للقوات المسلحة البريطانية، ثم عمل صرَّافًا، واستمر في الشركة من عام 1939م حتى عام 1948م حتى وصل إلى مدير مخازن، واستفاد كثيرًا من صناعة الأدوية وطرق تجهيزها، وبعد تركه العمل في الشركة اشترى صيدلية، وقام بإدارتها بالاشتراك مع الدكتور خميس حميدة عام 1951م، وكانت تقع في شارع الثلاثيني.

 

تزوَّج من ابنة خالته عام 1944م ورزقهما الله قدرية عام 1945م، ومحمود عام 1949م، ونادية عام 1950م، وحسن عام 1952م، وفاطمة الزهراء عام 1956م، وعائشة عام 1958م، وصفاء عام 1962م، وتعرض للاعتقال سنوات طويلة أولها لمدة ما يقرب من سنة عام 1949م ثم سنتين من 54: 1956م ثم خمس سنوات من 65: 1970م.

 

معرفته بالإخوان

ظهرت بوادر الحرب العالمية الثانية سنة 1938م فدعت الدولة الشباب للتطوع في فرق الوقاية من الغارات الجوية، والتحق الحاج علي بفرق الإسعافات الأولية، وتدرَّب فيها ثم التحق بجمعية الإسعاف الأهلية وتوثقت صلته ببعض زملائه المتطوعين منهم الأستاذ سالم القاضي، والحاج محمد سليمان، والحاج عبد الفتاح إبراهيم، والحاج المقصود عطية، وكانوا يلتقون بمقر جمعية الإسعاف وذات يوم دعاه محمد سليمان إلى منزله لتناول الشاي وحضر الأستاذ يوسف طلعت (رحمه الله) الذي كان يسكن بجوار الحاج علي بالمحطة الجديدة، وتحدثوا في ذلك اليوم عن أحوال البلد، وظهر في كلام رزة إعجابه بألمانيا النازية في ذلك الوقت، وتدخل يوسف طلعت في الحديث وقال: لا بأسَ من أن نُعجب بألمانيا وقائدها هتلر ونرجو أن تنتصر في الحرب، ولكن كيف يكون وضع بلدنا هل نستبدل مستعمرًا بمستعمر؟ أين دورنا كمسلمين؟ لقد احتلت بلادنا ونهبت ثرواتنا وقتل منَّا الكثير واستبيحت أعراضنا.

 

يجب أن يكون لنا دورٌ نعمل على إبرازه، علينا تجنيد الشباب وإعداده ليقوم بالدور الذي يفرضه علينا إسلامنا لتحرير البلاد من الاستعمار عمومًا والعودة إلى عصور الحرية والكرامة، وكان هذا الحديث جديدًا بالنسبة للحاج علي فطلب من يوسف طلعت المزيد، وسأله عن كيفية العمل ووسائله، وهنا بدأ الشهيد يوسف طلعت يحدثه عن دعوة الإخوان وأهدافها ووسائلها ومنذ ذلك الوقت صار الحاج علي من الإخوان المسلمين، وبايع البيعة الخاصة عام 1946م وصار عضوًا بالنظام الخاص وأحد أعضاء الحرس الخاص للإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله).

 

جهاده في مدن القناة

في عام 1946م بدأ الحاج علي وإخوانه الإعداد المادي والمعنوي لمعركة رأوا أنها لا محالة واقعة بين العرب واليهود في فلسطين، وشرعوا في جمع السلاح وإنشاء ورش العمل لذلك، فتم جمع السلاح عن طريق الإخوان الذين يعملون في مخازن الأسلحة بالمعسكرات البريطانية، وكان يساعدهم في ذلك جنود من أيرلندا واسكتلندا لكرههم لليهود وللحصول على المقابل المادي، فكان أحدهم يأتي إلى دار الإخوان بالإسماعيلية حاملاً بندقية أو مدفعًا ويأخذ خمسة جنيهات، وتم تجهيز ورشة خراطة لتصنيع السلاح ولإصلاح ما كانوا يحصلون عليه من أسلحة مستعملة في مركزٍ لتجميع السلاح بالقرب من القنطرة قبل نقل هذه الأسلحة إلى غزة ومنها إلى المجاهدين، وكانت منطقة القناة والإسماعيلية مسرحًا لخطف وقتل الجنود الإنجليز والحصول على أسلحتهم، ذكر الحاج علي موقف (محمود كينج)- ماسح أحذية- كان صغير الحجم ممزق الثياب حافي القدمين كان يمسح أحذية الجندي الإنجليزي ويلهيه بالحديث ويربط قدميه ببعضهما ثم يخطف سلاحه ويجري ويحاول الجندي اللحاق به فيفاجأ بأنه مقيد.

 

وشارك رحمه الله في تكوين لجان لجمع التبرعات العينية والمادية، وكذلك الأسلحة لمحاربة اليهود، وتجاوبت معه معظم طوائف الشعب، وشارك في إنشاء معسكرات لتدريب الشباب المصري خلال عامي 1946 و1947م حتى قرار تقسيم فلسطين الذي زاد بعده الإقبال على معسكرات التدريب في مصر، وعندما أنشأ معسكرًا للتدريب في سوريا لمهاجمة الصهاينة من الشمال مع القوات الفدائية العراقية عام 1948م تم تجهيز مجموعة من شباب الإخوان بمصر للسفر إلى سوريا عندها كُلّف الحاج علي ليكون في صحبة الإمام الشهيد فقابله في قطار الساعة الثانية والنصف ظهرًا المتجه من الإسماعيلية إلى بورسعيد، وعندما وصلوا مدينة بورسعيد وجدوها في أبهى صورة لاستقبالهم، ونزلوا من القطار وتشكلوا في طابور يتقدمه حامل علم الإخوان وخلفه الإمام الشهيد، وكان رزة وأحد الإخوة بجوار الإمام وخلفهم بقية الإخوان.

 

واعتقل الحاج علي بعد قرار حلِّ الإخوان في أواخر عام 48م وقضى في المعتقل سنة كاملة وبعد خروجه عاد إلى عمله.

 

ورجع رحمه الله إلى عمله بمعسكر الطيران التابع للشركة البريطانية بالإسماعيلية وكُلف برسم خريطة تفصيلية للمخازن خصوصًا مخازن الأسلحة، وقام بالمهمة على خير وجه؛ حيث كان يتجول في المعسكر نهارًا بحجة تقديم خدمات لمختلف المكاتب والمساكن الخاصة بالضباط، وسهَّل مهمته إجادته للغة الإنجليزية.

 

وفي عام 1953م حضر إلى الإسماعيلية أحد ضباط المخابرات المصرية التابعين لعبد الناصر (الذي وصل هو ورجاله إلى السلطة في يوليو عام 1952م بفضل جماعة الإخوان وجهد رجالها)، وحضر هذا الضابط لمقابلة الحاج علي للتنسيق معه للعمل ضد القوات البريطانية في منطقة القناة، وطلب منه الاتصال بالشيخ محمد فرغلي والشيخ يوسف طلعت

 

مؤامرة ضد الإخوان

عندما بدأت الحكومة المصرية تعتقل الإخوان على إثر استجابة النقراشي باشا لتوصية سفراء الدول المعادية للإسلام (إنجلترا- فرنسا- أمريكا) الذين اجتمعوا في فايد وطالبوا بإيقاف نشاط الإخوان، فاعتقل الحاج علي في 25/11/1948 ورحل إلى معتقل الهايكستب بصحراء العباسية ثم معتقل الطور ( 11 شهرًا) وخرج في أواخر ديسمبر 1949م.

 

وبعد أن دبَّرت الحكومة حادث المنشية بالإسكندرية واتهمت الإخوان بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر واعتدت على ممتلكات الإخوان بالمحافظات، وقام ضباط الحرس الوطني بتحطيم الصيدلية والمستوصف الخاصين بالحاج علي وعندما عاد إلى منزله فوجئ بضابط البوليس السياسي في انتظاره وطلب منه مرافقته إلى مكتبه لمدة خمس دقائق، وهناك ألقاه في الحجز حتى المساء؛ حيث تم ترحيله في حراسة مشدَّدة إلى مجلس قيادة الثورة، وكانت الساعة 12 ليلاً وقادوه إلى داخل المبنى، وفي الطرقات وجد الكثير من الجثث العارية الملوثة بالدماء وصوت أنينها يكاد لا يُسمع، وكانت يده مقيدة بيد الضابط رئيس الحرس الذي جاء به من الإسماعيلية، وأدخله في حجرة مفروشة بالسجاد الفاخر وبها كرسي واحد جلس عليه الضابط الحارس وجلس هو على الأرض، وحاول الضابط تسليمه إلا أنهم رفضوا وتركوهما حتى قبيل الفجر ثم ساقوه إلى سجن القلعة، وهناك كانت الأيام المفزعة.

 

أيام مفزعة

 

الحاج علي رزة في شبابه

استلم منه الضابط النوباتجي وأخذ كلَّ ما معه من نقود وكذلك المصحف والحزام والكرفاته ورباط الحذاء، ولما رجاه أن يترك له المصحف قال له برفق: هل جاء بكم إلى هنا إلا هذا المصحف؟!

 

وأدخله في زنزانة فيها مياه نتنة بارتفاع 30 سم تقريبًا والزنزانة قذرة ومظلمة، فوقف طويلاً حتى أُصيب بالتعب الشديد فجلس في الركن، وكان يرتدي "بدلةً" ومعطفًا في الصباح أُلقي له رغيف واحد من فتحة الزنزانة، وحاول أن يمضغ كسرة منه فلم يستطع، وطرق الباب وطلب من الحارس شربة ماء فقال له: ليس يُصرف له غير الرغيف، وفي المساء أُقيم احتفال غنَّت فيه (أم كلثوم) يا ظالمني، وكان ضبَّاط مجلس قيادة الثورة يردِّدون معها ويتمايلون والجثث ملقاة أمامهم دون مبالاة.

 

وفي ظهر يوم 2 نوفمبر سنة 1954م أخذته قوة الحراسة إلى مجلس قيادة الثورة وملابسه مبللة بالماء القذر ورائحتها النتنة وأدخلوه غرفة نظيفة مفروشة بالسجاد الملكي وكان مقيدًا بالحديد مع الحارس، فطلب منه دخول دورة المياه، فسأل أحد عساكر البوليس الحربي عن ذلك فوافق ودخل دورة مياه رائعة فانتهز الفرصة وقضى حاجته وشرب حتى ارتوى وغسل وجهه ورأسه ولم يكن معه ملابس أخرى فبقي في ملابسه القذرة، وخرج وقيَّده الحارس في يده وجلس بجواره على السجادة وطال الانتظار فغلبه النوم فنام واضعًا رأسه أسفل الكرسي واستيقظ على ركلة قدم عنيفة وقال له ذلك الشخص (علي صبري): إنت نايم يإبن... وسأله هل تعرف الهضيبي فقال له على الفور: أنا من الأرياف ولا أعرف الهضيبي، ولم أره في حياتي فشتمه وتوعده وذكَّره بالجثث الملقاة في الطرقات وقال: هذا مصيرك وتركه وانصرف، وفي حوالي الثالثة صباحًا أُخذ في سيارة شرطة دون مقاعد إلى سجن القلعة، وفي زنزانة مليئة بالقاذورات والمياه والمخلفات البشرية.

 

وفي اليوم التالي استُدعي للتحقيق، وكان قد وصل إلى حالة من التعب والإجهاد، ورغم ذلك لم ييأس أبدًا من رحمة الله، وبعد ما يقرب من شهر حضر ثلاثة أفراد عرفهم فيما بعد علي صبري، صلاح الدسوقي، محمد نصير، وصرفوا الحراسة وأجلسوه في ركن الغرفة وفوق رأسه لمبة كهرباء قوية جدًّا وأحضروا جريدة (الأهرام)، وفي الصفحة الأولى منها صورة الشهيد يوسف طلعت، وطلبوا منه قراءة الخبر المنشور عن رصد جائزة قيمتها 2000 جنيه لمن يُرشد عن مكانه فقال لهم: إنني أقيم بالإسماعيلية ولم أرَ يوسف طلعت منذ أكثر من ستة أشهر يوم أن هرب من يد ضابط البوليس السياسي حسن طلعت، وأعتقد أنه لا يمكن أن يختفي في بلد صغير مثل الإسماعيلية أو غيرها، ولكن فرصته في الاختفاء تكون أكبر في القاهرة، ثم سألوه عن أفراد التنظيم السري فقال لهم: إنني عضو مجلس إدارة الجماعة وأمين الصندوق وبحكم عملي في التجارة ليس لدي وقت في أي عمل سري، وبالتالي ليس عندي علم بالتنظيم السري، ثم سألوه أين توجد الأسلحة لديكم؟ فتذكرت في الحال أنه في اليوم السابق مباشرةً وعندما أُخذت إلى مجلس قيادة الثورة رجوت الحارس أن يدخلني دورة المياه ورأيت أحد الإخوان يتوضأ لصلاة الفجر وسمعته يقول بصوت خافت (طرطور اعترف) وكررها ثلاث مرات، وكان يعرف أن طرطور رحمه الله كان مسئولاً عن الأسلحة التي كانوا يجمعونها أثناء حرب فلسطين لذلك عندما سُئل عن الأسلحة نفى علمه بها، وربما كان اعتراف طرطور قد صرفهم عن تأكيد هذا السؤال معه، ولعل علي صبري اقتنع بكلامه؛ لأنه قابله بمكتب ضابط المخابرات عبد الفتاح أبو الفضل عام 1953م أثناء تعاونهما في قتال الإنجليز بمنطقة القناة، وبقي في زنزانته عشرة أيام حتى تم ترحيله إلى السجن الحربي لتبدأ المأساة.

 

المأساة بالسجن الحربي

المكان رهيب والإيذاء البدني والنفسي على مدار اليوم (ليلاً ونهارًا) لا حرمة لمريض أو شيخ كبير، الجري لساعات طويلة تحت لهيب الكرابيج السودانية المستوردة خصيصًا لذلك.

 

وجد الحاج علي بالسجن الحربي الكثير من الإخوان الذين سبقوه منذ شهرين قبل حادث المنشية المزعوم وهناك كان الحرَّاس يخرجونهم في صفوف وأمامهم المرشد العام المستشار حسن الهضيبي بحيث يراه كل الإخوان ثم يفتحون ميكرفون السجن على أغنية أم كلثوم: يا جمال يا مثال الوطنية يا أجمل أعيادنا الوطنية... بنجاتك يوم المنشية. ويؤمر الجميع بترديد الأغنية، وكان الجنود يسيرون بين الصفوف ليسمعوا ترديد مقطع الأغنية والويل لمن يُضبط صامتًا والأستاذ المرشد يقف كالمايسترو يرفع يديه وكأنه يضبط الإيقاع، ولكنهم كانوا يردِّدون: يا جمال يا مثال الخسية.... أتعس أعيادنا الوطنية بنجاتك يوم المنشية. والحرَّاس لا يدركون معنى الكلمات، وكان يشاهد الإمام المرشد يبتسم وهو في أعلى درجات العزة والشموخ، وكان ذلك من دواعي تشجيع الإخوان؛ حيث إن قائدهم يتقدمهم ويجري عليه ما يجري عليهم رغم شيخوخته وضعف صحته.

 

وتعرَّض الحاج علي في السجن الحربي لأشد أنواع التعذيب، وكان الضبَّاط يحرضون الجنود ليعاملوه بكل قسوة، وكان الحراس يشرِّحون جسده بالعصا والكرابيج ويسوقونه بالضرب المبرح إلى حوش السجن الكبير لينظف الأرض ويسويها بيده ثم يرش المياه، وكان طابور الصباح فرصةً لتشديد الإيذاء والضرب به وبإخوانه، وكان الطعام لا يسمن ولا يغني من جوع، وبعض صغار الضباط حديثي التخرج في قمة الزهو والغرور والسعادة عندما يسمعون عويل الإخوان عند التعذيب والضرب، ومنهم من يتندر ويقول للأخ المضروب (خليك راجل).

 

وكان التعيين ثلاثة أرغفة في اليوم وبرتقالة واحدة لكل ثلاث أفراد وبيضة أيضًا لكل ثلاثة أسبوعيًّا، وكانوا يأكلون قشر البيض وبعض أحجار الجير لتعويض نقص الكالسيوم الذي يسبب لين العظام وتلف الأسنان، وخرج من المعتقل في أوائل مايو 1956م بعد عام ونصف من السجن ما بين السجن الحربي وسجن القلعة وفي العودة عندما وصل إلى الإسماعيلية قابل ضابط الشرطة الذي تركه منتظرًا من العصر حتى منتصف الليل ثم طلب منه الانصراف على أن يحضر أسبوعيًّا يوم الثلاثاء في الثامنة صباحًا حتى 12 ظهرًا، رغم أنه كان في أمسِّ الحاجة للوقت لممارسة عمله في التجارة، ولكنه احتسب ذلك عند الله وشغل وقته هناك في حفظ القرآن وترتيله، وكان تحت الرقابة الدائمة فالمخبر- رمضان- كان لا يفارقه إلا ساعات النوم، واستمال المخبرين عن طريق المعاملة الحسنة ومناداتهم بلقب كابتن، وإعطائهم ما يشاءون من أقراص الأسبرين وخلافه، واستمرت المراقبة فترةً طويلةً رغم أنه لم يثبت عليه أي عمل ضد الدولة أو مخالفة للقوانين.

 

علاقته بالمسيحيين

كانت علاقة الحاج علي بالمسيحيين على أعلى مستوى من التعاون وحسن الخلق؛ لذلك عندما خرج من المعتقل عام 1970م وكانت أسرته مهجرة في الجيزة (ساقية مكي) أراد أن يغير مسكنه واختار مصر الجديدة، فأجَّر له المحاسب صادق رزق (مسيحي) بعد أن سأل عنه قريبه الخواجة جندي نصير الذي كان يقيم بالإسماعيلية وأثنى عليه، وقال له: أتمنى مساعدتك، وكانت هناك علاقة صداقة بين الحاج علي والدكتور الصيدلي ماهر فوزي ديمتري الذي تعامل معه منذ عام 1958م حتى عام 1994م ولم يحدث بينهما خلاف مطلقًا ووقف بجانبه في محنته، وتحمل المسئولية أثناء غيابه، فكان نعم الصديق الذي حافظ على استمرار العمل، ولم يطمع في شيء، وكان يفخر بأنه يعمل مع أحد الإخوان، وكان الحاج وقف بجانبه لاسترداد أطيانه الزراعية من بعض الفلاحين الذين أخذوها بغير وجه حق.

 

إنشاء الجمعية التربوية

في أواخر عام 1979م اتصل الأخ محمد نصر الدين السيد- من قدامى الإخوان العاملين في مجال التربية والتعليم بالتل الكبير بالإسماعيلية- بالحاج علي وعرض عليه مشروعًا متكاملاً لإنشاء مدرسة بمدينة الإسماعيلية تستوعب الأطفال من سنِّ الحضانة حتى نهاية المرحلة الثانوية، تجمع بين التعليم الديني والمدني، وتكونت فعلاً الجمعية التعاونية الإسلامية للخدمات التربوية بالإسماعيلية، وتم إشهارها بإدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، وبعد إنهاء الإجراءات القانونية للجمعية بدأ الحاج علي بصفته مسئولاً عن الإخوان بالإسماعيلية يبحث عن قطعة أرض فضاء من أملاك المحافظة سواء بالتخصيص أو بالسعر التعاوني، ولكن واجهته معوقات لأسباب واهية، ووضح الهدف وهو إبعاد الإخوان عن مجال العمل في تربية النشء خوفًا من صبغهم بالصبغة الإسلامية التي باتت تؤرق القائمين على أمر هذا البلد، وحيل بينهم وبين الحصول على قطعة أرض، فاستأجر الإخوان مكانًا بـ(عرايشية) مصر من فوزي السروجي (رحمه الله) ليكون مقرًّا للجمعية وبجواره مسجد تُلقى فيه الأحاديث الأسبوعية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ودروس التقوية للطلبة أثناء الدراسة، وأصبح المكان بفضل الله ثم بجهد الشباب المخلص عامرًا بالمتردِّدين يوميًّا يطلبون العلم والمعرفة ويقضون حوائج الناس، وهذا النشاط الخيري والعلني لم يرضِِ جهاز أمن الدولة، وحاولوا إلغاء ترخيص الجمعية أكثر من مرة، ولكنهم كانوا يلجئون للقضاء، وكانت النتيجة دائمًا في صالحهم، واستمرت الجمعية تؤدي واجبها رغم المضايقات حتى أوائل التسعينيات، وظل الحاج علي رحمه الله ثابتًا على طريق الدعوة حتى بعد مرضه الذي استمر معه عدة سنوات حتى وافته المنية في ليلة الجمعة 14 من ربيع الآخر سنة 1417 من الهجرة الموافق 11/5/2006م، نسأل الله أن يتغمَّده بواسع فضله، وأن يلحقنا به في الصالحين.