- زوجته: جميع الجيران يشهدون له بالصدق والنزاهة

- لا نمتلك سوى مرتبه، و"غسيل الأموال" تهمة مضحكة!

- دعوتنا غالية تهون دونها كل العقبات ونثق في الله

 

حوار- إيمان إسماعيل:

اعتادت هذه العائلة على مشهد انتشار المصفحات، وجنود الأمن المركزي في الشارع والطرقات الهمجية على باب المنزل، واقتحام الأجهزة الأمنية له في ساعات الصباح الأولى، والعبث بمحتوياته، وانتهاء باعتقال عائلها الوحيد.

 

ولذلك لم يكن اعتقال المهندس علي عبد الفتاح- أحد إخوان مجموعة الـ13 المعتقلين مؤخرًا- أمرًا مستغربًا على عائلته، فهذه هي المرة الـ15 لاعتقاله بلا تهمة واحدة أو دليل إدانة واضح.

 

ودَّع المعتقل عائلته بصلاة ركعتين ووصية بالصبر والثبات، وقابلوه بإصرار على تنفيذ وصيته ما دام غاب عنهم بجسده خلف قضبان الظلم والاستبداد، ولكن روحه ستظل باقية بينهم.

 

(إخوان أون لاين) التقى أسرته، والبداية كانت مع ابنته الكبرى سارة التي رُزقت بمولود، بعد اعتقال أبيها بيومين، وفي حديثٍ مقتضبٍ حاولت فيه أن تمسك بدموعها قبل أن تنهمر، قالت: أقول لكل أسرة تمَّ اعتقال عائلها أو أحد من أهلها؛ تذكروا الآيات القرآنية ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ (التوبة: من الآية 15) ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ (آل عمران: من الآية 200)، فكل ما يحدث لهم ليس إلا سنن الأنبياء والصالحين.

 

* سألناها: ما الرسالة التي تحبين توجيهها إلى أبيك خلف القضبان؟

** قالت: وحشتني جدًّا يا بابا، وكنت أتمنى أن تكون بجواري وأنا أقاسي آلام مخاض الوضع، وأعدك رغم الآلام أننا على الطريق مواصلون، وعلى الدرب سائرون، وأمام الأذى ثابتون وصامدون.

 

وفي الحوار التالي تروي لنا زوجة المهندس علي عبد الفتاح تفاصيل ليلة اعتقاله ومشاهد أخرى في كواليس حياته..

 

الكلام لا يكفي

* بداية مَن المهندس علي كزوج وأب؟

** المهندس علي أبٌّ حنون وزوج متعاون ومتفانٍ في حبه لأسرته وجميع من حوله، وهو معروف بأخلاقه الحسنه، وحسن معاملته مع الآخرين، فهو لي بمثابة الأخ والأب والزوج، ونجده بجوارنا بمجرد احتياجنا له في أي وقت.

 

وبعد تنهيدة طويلة استعادت فيها الكثير من الذكريات والمواقف التي لا تُنسى، قالت: "الكلمات لن تسع أن أصف من هو المهندس علي، ولن أستطيع أن أضيف أكثر من ذلك".

 

جيش جرار!!

 الصورة غير متاحة

الجيران يشهدون له بالصدق والنزاهة

* كيف تمَّ الاعتقال الأخير؟

** في سابقة؛ كثيرًا ما ترددت أفزعتنا وأيقظتنا من النوم أصوات طرق الباب في الثانية صباحًا، وقبل أن يذهب ابني إلى الباب جرى إلى والده قائلاً: "يا بابا دي خبطة أمن الدولة، أمن الدولة على الباب يا بابا!!".

 

وملأ ضباط وأفراد أمن الدولة الشارع بمصفحاتهم، واكتظت بهم الشقة وسلالم المنزل، و"كل ده علشان شخص واحد!!"، ولم يستغرقوا وقتًا طويلاً؛ فظلوا فقط لمدة ربع ساعة؛ وذلك لأننا لا نمتلك أي شيء يستطيعون أن يأخذوه أو يستولوا عليه؛ حتى إنهم استولوا على هاتفه المحمول، وبعض أوراقه.

 

* كيف تصرَّف الأولاد؟

** كلهم استيقظوا ما عدا الصغرى نور- في الصف الثالث الابتدائي- وعندما استيقظت في الصباح، ولم تجد أباها ظنت أنه ذهب إلى العمل مبكرًا، ولكنها من طريقة كلامنا علمت ما حدث، وانهمرت في البكاء- نظرًا لصغر سنها-، وذهبت إلى الامتحان وهي باكية.

 

* ماذا فعل المهندس علي لحظات الاعتقال؟

** بمجرد علمه أنهم على الباب توضأ وصلى ركعتين، ثم ارتدى ملابسه، وقبَّل الأولاد، وانصرف معهم في سلام، مخففًا علينا حدة الموقف، وحضنا على الصبر والثبات، ومذكِّرًا أبناءه بالتفوق الذي وعدوه به، خاصةً أنهم كانوا مقبلين على امتحانات في اليوم التالي.

 

* كيف ردَّ عليه الأولاد، وكيف كان ردُّ فعلهم؟

** ولله الحمد؛ ألهمهم الله الثبات، وقالوا لأبيهم: "متقلقش علينا يا بابا.. إحنا هننجح إن شاء الله، وهنرفع رأسك".

 

جيراننا عارفين!

* ماذا عن رد فعل جيرانكم، وخاصةً أنهم كانوا نائمين في الغالب؟

** كما اعتدنا اعتادوا هم كذلك، فمن يأتي في هذا الوقت المتأخر من الليل لا يكون إلا لصًا أو شخصًا غير سوي أو شخصًا يعلم أنه ليس على حق ويرتكب جرمًا فاحشًا، وبمجرد حدوث ذلك توافد علينا جميع الجيران للتضامن معنا ومواساتنا؛ حتى إن أحدَ جيراننا- وهو مسيحي- يأتي يوميًّا إلينا، ويسأل علينا ويقول: من المستحيل أن أُصدق أي كلامٍ يُذكر على المهندس وهو بمثل هذه الأخلاق من الكرم والسماحة والصدق.

 

تهمة مضحكة!

 
* المهندس علي جرى اعتقاله 14 مرة قبل ذلك.. متى كان آخرها؟ وهل من جديد في هذه المرة عما سبق؟

** كانت قريبة جدًّا، في أحداث التضامن مع غزة شهر فبراير الماضي؛ لذلك لم يكن في الحسبان أمر اعتقاله، ولم يكن متوقعًا أبدًا هذه المرة أن يأتوا إلينا؛ لأنه لا يوجد سبب ظاهري للمجيء، والجديد في هذه الهجمة عما سبق هي تهمة غسيل الأموال!!.

 

* وماذا عن ردِّ فعلكم تجاه هذه التهمه (غسيل أموال) وغيرها من التهم؟

** قطعت السؤال بصوتها الذي سرعان ما تبدَّل من حزن إلى ضحكات خافتة، وقالت: تهمة غسيل الأموال هذه مضحكة للغاية؛ فنحن اعتدنا على اتهامات معينة وشريط متكرر جاهز في كل مرة تم اعتقاله فيها، ولكن من الواضح أن الشريطَ تم تجديده؛ فنحن لا نمتلك سوى مرتبنا فمن أين لنا بأموالٍ نقوم بغسلها؟!.

 

دعوتنا غالية

* ما تعليقكم كل هذا الإيذاء؟

** دعوتنا غالية، وهدفنا أسمى بكثيرٍ من تلك العقبات؛ وحب الله عزَّ وجلَّ هو "المحرك" الذي يدفعنا للثبات، مع مرور الوقت، ومع كل مرة تقوى شوكتنا أكثر وأكثر؛ فهم لا يدرون أنهم بذلك يزيدوننا قوةً بعد قوة وصمودًا فوق الصمود.

 

ثم إن هدفنا هو إصلاح المجتمع وتنقيته من الشوائب وسوء الأخلاق؛ فنحن صامدون إلى أن ينصلح هذا المجتمع، ويرتقي بأخلاقه ويعلو ويسمو فوق الصغائر، أو يقبضنا الله على ما نحن عليه، وستتوارث أجيالنا جيلاً بعد جيل هذه الراية، وهذه الأمانة.