الزهراء أمير بسام

لحظات نسرقها من الزمن.. نحاول فيها طمأنة أنفسنا ومَن نلقاهم؛ أن الأمور ما زالت بخير.. تجري على ما يرام.

 

نفعل ذلك بابتساماتنا.. بكلماتنا.. أو حتى بصماتنا.. وربما يكون بدمعاتنا؛ فالدموع هنا خير دليل على أنه بإمكاننا الاستمرار.. ما دام بإمكاننا ترجمة شعور الظلم بالدموع!!.

 

نبحث هنا وهناك عن معاني الأمل، في عيون الأطفال.. في "زرعة" استطاعت أن تنمو تحت ظل الظلم؛ فقط لأنها رُويت بماء الإرادة..

 

نراه في عناق أحبة افترقوا قهرًا.. في ضحكة طفل داعبه عمه، وهو ليس بعمِّه نسبًا، وإنما جَمَعَ الأبَ والعمَّ الجديد تهمةٌ واحدةُ.. تهمة أن يكونوا أصحاب رسالة!.

 

ربما نرى الأمل أيضًا على الجدران، نعم.. هي صماء، لكنها في كثير من الأحيان أبلغ من المتكلمين، فالجميع يأتون ويرحلون، وتبقى هي وحدها ثابتةً لا تتحرك.. تراقب بصمت، لتُحدِّث التاريخ بوجَلٍ عن أناس كانوا هنا؛ لأنهم أرادوا أن يصنعوا فصلاً في كتاب التاريخ بشرف وكرامة.

 

وهناك.. سيعاود الطفل السؤال الأزلي ببراءة لا تحتمل خبثًا: لماذا أبي هنا؟! ستجيبه الأم، وهي تخفي السؤال نفسه: لأننا بوجودنا هنا يا بني نثبت حقيقةً نبويةً؛ هي أن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

 

لكنَّ الإجابة لم تكن مفهومةً لطفل اعتاد أن يستيقظ في الصباح الباكر ليستعد لرحلة ليست متعبةً بقدر ما هي مرهقة لعقله الصغير؛ فهو لا يفهم معنى السلطان الجائر، ولم يستوعب تبعات كلمة الحق، كل ما يدركه هو أن هذا (الطفطف) لم يعد مشوقًا بعد ثلاث سنوات، أو بمعنى آخر لم يعد مبرِّرًا لمجيئي إلى هنا.

 

سيلجأ الطفل لأبيه ليُجيب عن السؤال؛ فهو يثق تمامًا بإجابة والده؛ الذي طالما عوَّده الصدق في الإجابة، كما أنه يعرف جيِّدًا كل شيء في الدنيا، وإلا فلماذا أخبر أمي أن تخرج حقيبة ملابس، عندما رنَّ جرس بيتنا ليلاً؟! أرأيتم كيف عرف أنهم هم، وأنه سيأتي إلى هنا؟؟!!

 

لكن.. وقبل أن يجيب الأب.. والطفل في وضعية الاستعداد لسماع الإجابة التي حيَّرته زمنًا.. جاء العسكري ليقول: انتهت الزيارة يا حضرات!!.

 

وكانت شقيقته الكبرى قد حاولت قبل ذلك أن تجيبه عن السؤال، وهي أيضًا بالمناسبة ليست أخته نسبًا، وإنما تشارَكَا ألمَ السؤال وإجابته..

ستحاول الإجابة.. لكنها لا تملكها!.. ستحاول لكي تريح فضوله، أو ربما فضولها.. المحاولة أخفقت.. أصبحت الأخت واثقةً الآن بأن فاقد الشيء لا يعطيه، وذلك بعد أن فشلت في أن تنتزع الإجابة من جدران السجن العالية.

 

لكنها اليوم، وهي في طريق عودتها من "طرة" لاحظت شيئًا جديدًا.. لاحظت أن ذلك الحجر الذي في منتصف جدار السجن ناحية اليمين قليلاً لم يعُد في مكانه!!..

لقد سقط..

سقط.. ليثبت سنَّة ربانية.. أن الظلم لا يدوم طويلاً.. أسقطته ضحكة الطفل عالية، ملأت الأركان، تحدَّى بها كل تنابلة السلطان..

ووجه ملائكيٌّ لأم تقول في حنان لهم جميعًا: في سبيل الله..

وربطةُ يد من أخ تشدُّ عليهم أن النصر سيأتي من هنا.. من عندكم.

أسقطته الزهراء وخديجة وبسمة ونيّرة وجهاد ومهجة..

وسيُسقط الآخرَ يوسفُ وسلمانُ وعائشةُ وصفيّة..

سيُسقط الجدارَ ذلك الطيفُ الآتي من عنبر 4..

 

صدقوني..

سيسقط الجدار..

فقط لكي يجيب الإجابة الأخيرة عن سؤال الطفل: لماذا نحن هنا؟!