إلى إخواننا وأساتذتنا وعلمائنا ومربينا خلف سجون الظلم والبغي والطغيان، إلى الشرفاء الأحرار الذين يقضون سنين السجن ضريبة الشرف، ضريبة الذَّبِّ عن عرض هذه الأمة، والوقوف في وجه أعدائها دون تخاذل أو خنوع، إلى الآباء الشاطر ومالك وأبو زيد وحشيش وغيرهم.. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام لكم وسلام عليكم من أخٍ مشتاقٍ لكم، يعتز بحبكم, ويتقرب إلى الله بحبه لكم.

 

يا أيها الإخوة الأحباب.. والله طال غيابكم، وزاد الشوق إلى لقائكم، واشتاقت إليكم بيوتكم ومساجدكم وأماكنكم في دعوتكم، واشتاق لعلمكم طلاب جامعاتكم التي تئنُّ لغيابكم؛ الذين حُرموا ظلمًا فيض علمكم ونبل أخلاقكم، وهفت إلى لقائكم نفوس إخوانكم، الذين يحبونكم حبًّا  قارب تشبيهه قول القائل:

 

حبي لكم يا إخوتي لما يعد        سرّا وكيف وكل عين تنطقُ

بمحبة الله العلي أحبكم          حبّا على جنبات قلبي يشرقُ

فلكل فرد في الفؤاد مكانُهُ          ما ضاق عنه القلبُ وهو الضيقُ

أيها الإخوة الأحباب..

إنا لنعيش معكم صباح مساء بلقاء القلوب والأرواح، حينما تلتقي وتتعانق فتسبح في رياض الجنان محلقةً هائمةً في حبكم، هذا الشوق والحب هو البديل لكم، وأنتم في غياهيب السجون، وإن دعاء إخوانكم لكم بظهر الغيب لهو كافٍ بإذن الله أن يربط الله على قلوبكم ويزيد ثباتكم، ويخفف عنكم عناء السجن والظلام، نعم.. غابت عنا أجسادكم، ولكن التقت القلوب والأرواح على كتاب الله، مرددةً قوله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 63).

 

أيها الأوفياء..

ما أجمل أن يُبْتَلى المرء في سبيل دينه وآخرته بلاءً يرتضيه ولا يتمناه.. بلاءً يرفع قدره عند بارئه، ويحط عنه ذنوبه، فيستشعر العبد أنه على عين الله يُصنع، وأنه على الدرب ماضٍ، وأنها سنة الله في خلقه أن يبتلي عباده الصادقين ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ﴾ (الأنفال: من الآية 37)، ونحسبكم والله حسيبكم أنكم جميعًا طيبون، وأن الصف كله طيب بإذن الله تعالى، وأحب الناس إلى الله أنبياؤه، وهم أكثر الناس بلاءً، وعلى دربهم نمضي، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية.

 

أيها الأحرار..

ومع هذا البلاء نقول: وما ألذ الصبر عليه وما أسمى العذاب في سبيل الله!، وما أجمل الرضا بقضاء الله وقدره!، وما أجمل من أن يقتدي بكم اللاحقون من شباب الدعوة!، فيروا التضحيات والبذل ممن هم أعلى قدرًا وأرفع ذكرًا وأشرف مكانةً وخلقًا، فيتزود اللاحق بالسابق، ويمضي قدمًا على الطريق لا يخاف ولا يهاب ممن يريدون به الأذى بل ممن يخافونه في الأصل!.

 

آبائي وإخواني الأعزاء..

في الحقيقة إن ما يحدث لكم في السجون من ظلم وتضييقات، حتى لأبسط حقوق السجناء من التداوي وزيارات الأهل والأقارب؛ لهو بلاء عظيم، ولكن عندما نعود بالذاكرة، نجد أن ما حدث للجيل الأول كان أشد وأعنف وأقسى، ابتُلي بلال رضي الله عنه وهو يئنِّ تحت وطأة صخرة عظيمة في رمضاء مكة، وتحت سياط التعذيب، وهو يتغنَّى بأعذب نشيد عرفته البشرية: أحدٌ أحدٌ .. أحدٌ أحدٌ، يقول: لو وجدت أغيظ منها لكم لقلتها، وثبت فكانت العاقبة أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم دبيب نعليه في الجنة، وكان قدوةً لمن لحقه.

 

وثبت إخوانُنا في فتنة ناصر، وكانت فتنة أذهلت عقول من قرأ عنها، فكيف بمن عاشها وشهدها؟! ذلك الجيل الفريد من الرعيل الأول في دعوتنا، لا تجد إلا أن تقول فيه هو جيل اختاره الله لهذه الفترة، حتى إذا ما قدِمتم أنتم اقتديتم بهم وصبرتم على محنتكم، ثم يأتي الجيل القادم فيرى هذا الثبات، فيصبر ويقتدي، وتستمر الدعوة، ويستمر العطاء، وتنمو الجماعة، وتزداد الأعداد، وتترسخ المفاهيم والثوابت والقيم، وتستمر العملية التربوية في إفراز أجيال أرسخ فهمًا وأكثر عطاءً وأشد ثباتًا وأعلى همةً، مفزعة لقلوب المتربصين والحاقدين، ويتحقق على أيديها وعد ربها حين تستكمل نضجها وإخلاصها.

 

وأخيرًا.. أيها الأحرار القدوة..

ما هذه الكلمات القليلة إلا تعبير عمَّا يملأ القلب من حب ووفاء واعتراف بالجميل، فلا أجد ما أقول إلا ثبَّتكم الله وأيَّدكم بصبر جميل يطمئن قلوبكم، وإنَّا يا إخواننا لعلى الدرب ماضون، نحب دعوتنا كما علمتمونا، ونعمل لها، فلا تقلقوا على دعوتكم، وإن الشباب من الجيل القادم؛ ليُقسم لكم إن العمل الدءوب مستمر، وإن أرباب المساجد قادمون، وإن أصحاب أنّات السحر مقبلون، وإن العلماء الربانيين في الطريق إلى موعود الله، وإن نصر الله قريب.

 

اللهم فك أسر إخواننا، وفرّج كربهم، ونفّس همّهم، وأنزِل السكينة على قلوبهم، واجعل سجنهم في ميزان حسناتهم، وارزقهم الصبر الجميل والرضا بالقليل، وقنِّعهم بما ابتليتهم به، وارزق أهلهم وذويهم الصبر والرضا، وأنزل على قلوبهم السكينة والطمأنينة، اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم نصرك الذي وعدت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.