يحظى باحترام الجميع، له مكانة خاصة في نفوس كل المتعاملين معه بسبب أدبه الجم وروحه المتوقدة الوثابة، وإرادته التي لم يأخذ عامل الزمن منها شيئًا مع بلوغه الثالثة والخمسين من عمره، يطمع الجميع في التقرب منه والتحدث إليه، يرى المقربون منه أن المواصفات السالف ذكرها ربما تكون سر التغييب المستمر والاعتقالات المتكررة له، فجهاز الأمن لا يقبل بعده وينشد على الدوام قربه!!.. إنه الدكتور مصطفى الغنيمي أمين عام نقابة الأطباء بالغربية والمعتقل حاليًا بوحدة العناية المركزة بمركز القلب بالمحلة الكبرى تحت حراسة أمنية مشددة بتهمة التضامن مع غزة، رغم صدور قرار سابق بتبرئته من محكمة الجنايات.

 

(إخوان أون لاين) التقى أسرة الدكتور الغنيمي للوقوف على تفاصيل عملية الاعتقال الأخيرة فإلى تفاصيل الحوار:

* بداية، كم مرةً تعرض فيها الدكتور مصطفى الغنيمي للاعتقال؟

** حوالي 10 مرات منذ عام 1989م، وحتى الآن، منها ثلاث سنوات دفعة واحدة (بحكم من محكمة عسكرية) عام 1996م، لكن في الأعوام الأخيرة تعرض الدكتور للاعتقال بشكل مستمر فقضى إجمالاً حوالي سنتين ونصف قيد الاعتقال من 2004 إلى 2008 بدأت بـ6 أشهر، ثم 6 أشهر ثم شهرين، ثم 8 أشهر ونصف، ثم 45 يومًا، ثم الاعتقال الأخير بعد أسبوعين من خروجه بعفو صحي، بمعنى أنه أصبح يقضي في السجن أوقاتًا أكثر مما يقضيها معنا في البيت!.

 

* لماذا الدكتور الغنيمي تحديدًا؟

** لا يوجد أي سبب ظاهر وواضح سوى أن الدكتور معرض للاعتقال دائمًا ضمن أي عمليات اعتقال تجري ولو بشكل روتيني. فهو اعتقل مع المجموعة المطالبة بالإصلاح، واعتقل على ذمة تغيير المادة 76، واعتقل مع المحالين للمحاكمات العسكرية وإن لم تتم إحالته معهم ثم اعتقل مع قيادات الإخوان، وأخيرًا جاء اعتقاله على خلفية مساعدة غزة!!!.

 

* هل كان الاعتقال مفاجئًا لكم هذه المرة؟

** هذه المرة خصوصًا لا يوجد ما يبرر عملية الاعتقال. فقد تم بعد الإفراج عنه بعفو صحي طبقًا لتقارير من قصر العيني عن إصابته بقصور في الدورة الدموية بسبب قصور في الشرايين التاجية، وذبحة صدرية غير مستقرة، وتعرض منذ الإفراج عنه لعلاج طبي مكثف ومتابعة دقيقة، ولزم البيت بشكل شبه مستمر ولم يذهب إلى عيادته سوى ثلاث مرات.

 

وحتى الآن نحن غير قادرين على استيعاب ما حدث، لماذا أفرجوا عنه، ولم يعطوه استمرار 15 يومًا ثم لماذا اعتقلوه قبل مرور الـ15 يومًا وهو في هذه الحالة الحرجة؟!

 

ليلة الاعتقال

 الصورة غير متاحة

الحالة الصحية الخطيرة للدكتور مصطفى الغنيمي لم تشفع له!!

* وما هي تفاصيل ليلة عملية الاعتقال الأخيرة؟

** في الواحدة صباحًا أبلغنا ابننا خالد أن أمن الدولة خارج الشقة، وأنهم يضعون أيديهم على العين السحرية، فقمنا على الفور على أصوات طرق الباب بشدة بالأيدي والأرجل على الباب وجرس متواصل، وذهب الدكتور ليفتح الباب وطلب من الضابط اصطحابه إلى غرفة مكتبه للتناقش معه بهدوء، في هذه الأثناء استيقظ ابننا محمد الذي رفض ما يحدث، وقال إن والدي مريض وأنكم تهددون حياته فحدثت حالة من الهياج الشديد للضابط الذي أمر بدخول عساكر الأمن المركزي إلى المنزل، وقام بسبنا بألفاظ يعف اللسان عن ذكرها، واحتجز الدكتور في غرفة مكتبه واحتجزني أنا ومحمد في غرفة أخرى، وانفعل الدكتور بسبب قلة أدب الضابط وهو شخص صغير السن يدعى (عبد اللطيف المراسي) عندها تعرض الدكتور للإغماء والسقوط على الأرض فاحتجزوه مع مخبر من المحلة يسمى (كمال) لمدة ساعة ولم يقدموا له الإسعافات اللازمة وامتنع المخبر عن وضع الغطاء عليه رغم برودة الطقس، وتركه ملقى على الأرض حتى أزرق جسده وأوشك على الموت في هذه الأثناء كنا نصرخ ونطلب رؤيته والاتصال بالإسعاف فكانوا يرفضون، واعتدى الضابط علينا بالضرب والسباب الفاحش كما قام ضابط مباحث قسم أول ويدعى (هيثم الشامي) بالاعتداء على ابني محمد بالأيدي والأرجل وهددونا بالاعتقال مع الدكتور، في هذه الأثناء ساد نوع من الارتباك على ضابط أمن الدولة وكان يجري اتصالات من على السلم ثم يدخل الشقة يسبنا ثم ينزل سريعًا ليجري اتصالاً آخر، ويعود وهكذا.

 

وبعد فترة من الوقت حضر زوج ابنتي ثم اتصل بالإسعاف، ورفض الضابط أن يقوم ابني بإنزال أبيه مع زوج أخته، وهدده بالاعتقال وكان هناك خمسة عساكر في حالة ذهول حوله، ولم يساعدونا في إنزاله وهددونا مرارًا وحملتهم المسئولية كاملة عن أي ضرر يصيب حياته.

 

* وماذا حدث بعد ذلك؟

** علمنا أنهم نقلوا الدكتور الغنيمي إلى مركز القلب بالمحلة، وهناك حدث هرج ومرج فأصيب الأطباء بالهلع وحاولوا إخراج الضباط ظنًّا أنهم أهل الدكتور فأخبروهم أنهم ضباط من أمن الدولة وأن الدكتور رهن الاعتقال وطلبوا منهم عمل إسعافات عاجلة له حتى يتمكنوا من اصطحابه مباشرة أو في الصباح على أقصى تقدير لكن الطبيب رفض وقال إن حالته حرجة وأنه يحتاج إلى متابعة، وفي الصباح تم وضعه في العناية المركزة وإعطاؤه علاجًا مكثفًا ووضع على جهاز التنفس الصناعي والموينتور، وما زال هناك ولم تستقر صحته بعد!.

 

افتراء

* هل علمتم بأسباب ودواعي عملية المداهمة والاعتقال؟

 ** لا، في اليوم التالي جاء رئيس النيابة من القاهرة للتحقيق مع الدكتور، وشاهد وضعه الصحي على الطبيعة، وعرف ما حدث معنا من تجاوزات وإهانات وبعد أن غادر بساعة واحدة وقبل وصوله للقاهرة طردنا ضباط أمن الدولة من المستشفى وقالوا إن النيابة قررت حبس الدكتور 15 يومًا فاتصلنا بالأستاذ عبد المنعم عبد المقصود المحامي فقال إن رئيس النيابة لم يصل القاهرة بعد ولم يصدر أي قرار!!

 

فلا ندري كيف خرج القرار، وما هو مصدره؟، وهل هو من القرارات المسبقة؟، ومن هو المسئول؟ وما هي مصلحته؟!

 

* هل تم السماح لكم بزيارة الدكتور في مركز القلب؟

** تم طردنا من المستشفى وحتى الآن يرفضون استلام الطعام منا ويرفضون حتى دخولنا من باب المستشفى رغم أن ضابط الشرطة نفسه طلب مني الحصول على إذن من الطبيب بمرافقة زوجي وسمح بدخول الطعام والأغراض لكن مخبر أمن الدولة والذي يدعى (كمال) رفع صوته على الضابط الذي قام على الفور بنهره فأخذ جانبًا وأجرى اتصالاً جاء بعده مباشرة ضباط من أمن الدولة وعربات أمن مركزي وقاموا بطردنا وهذا المخبر يراقب الدكتور على مدار اليوم حتى أنه يرافق الأطباء عند متابعتهم لحالة الدكتور، بل الأكثر من ذلك يقوم بمنع دخول الأدوية وأية أغراض إليه.

 

* معنى ذلك أنه ليس لديكم أي معلومات عن الوضع الصحي للدكتور؟

** هم يرفضون أي اتصال بيننا وبينه ويرفضون إخبارنا بحالته ووضعه، حتى المستشفى أصدرت قرارًا بمنع دخولنا وهددونا بنقله إلى قصر العيني إذا حاولنا الاتصال به والأطباء ما زالوا في حالة رعب وخوف من أمن الدولة! حتى أمن المستشفى يقومون بالاعتداء على أهلنا بالتنسيق مع أمن الدولة، رغم أن الدكتور هو أمين عام نقابة الأطباء بالغربية، ولم يضعوا طعامه بالثلاجة حتى فسد.

 

تهمة غزة

 الصورة غير متاحة

مشهد يعكس الأسلوب الممنهج للأمن في اقتحامه لمنازل الإخوان

* هل عرفتم تهمة الدكتور وهل تم تحريز أي أوراق أو ما شابه من شقتكم؟

** ما علمناه أن التهمة الجديدة هذه المرة هي دعم أهل غزة بالإضافة إلى التهم الروتينية القميئة، وهم فتشوا الشقة وعبثوا بكل شيء ولم يعثروا سوى على بعض قصاصات الصحف وعدد من المقالات المنشورة، لكن الدكتور أخبر رئيس النيابة أنه تم دس بعض الأوراق عليه وهو لا يعرف عنها شيئًا.

 

* تعرضتم لمثل هذه الظروف في أحوال كثيرة هل من اختلاف هذه المرة في التعامل معكم؟

** نعم منذ 25 عامًا هوجم بيتي من 70 إلى 80 مرة، لكن هذه المرة زوجي كان قد تم الإفراج عنه منذ أسبوعين بعفو صحي وحالته الصحية حرجة، الضابط كان على قدر كبير من الوقاحة التي لم أشاهدها في حياتي، قبل ذلك كان الضباط يبدون قدرًا من الاحترام، هذه المرة كانت المعاملة سيئة والسب يفوق ما يتلفظ به أولاد الشوارع- الذين لا أريد أن أظلمهم- فقد اعتدى علينا بالسب والضرب، وهددنا بالاعتقال ومنعنا من تقديم أي عون للدكتور حتى كاد يموت، ولم يرق لنا ونحن جميعًا نصرخ ونبكي لقد كانت ساعات عصيبة من الرعب والفزع غير المسبوق.

 

والعجيب أيضًا ضابط المباحث والذي يفترض أنه لا علاقة له بالأمر- حيث إن المسألة تخص جهاز أمن الدولة- قام بضرب ابني محمد واعتدى عليه أكثر من مرة ركلاً وصفعًا.

 

المخبر الكذاب

* كيف تعرفتم على هوية هؤلاء الضباط؟

** تعرفنا عليهم عند العرض على النيابة بينما المخبر (كمال) نعرفه جيدًا وهو شخص مكروه سيئ السمعة، وسبب للوقيعة بما يكتبه من تقارير كاذبة وملفقة.

 

* ما هي الإجراءات القانونية التي اتخذتوها ضد هذا التعسف وتلك التجاوزات؟

** اتصلنا بمأمور قسم أول الذي كانت مقابلته معنا جيدة، ولكنه قال إنه لا يستطيع فعل أي شيء، إلا أنه قام بعد ذلك بالعديد من الاتصالات لكي نرى الدكتور في يوم المولد النبوي كما هو حقنا تحت مسمى الزيارة الاستثنائية.. هذه الاتصالات أسفرت عن السماح بدخولي أنا فقط ولمدة نصف ساعة للتحدث إلى زوجي والاطمئنان عليه، ففوجئت أنه لم يأكل لمدة ثلاثة أيام سوى بعض قطع من البقسماط والجبن، ونقُص وزنه بشكل لافت، وما زال في حالة حرجة وغير مستقرة، وللآن يرفضون دخول الأكل مع علمهم بأنه لا يأكل من طعام المستشفي وأنا أحملهم مسئولية تدهور حالته ومسئولية حدوث أي شيء له، وللإنصاف مقابلة ضابط أمن الدولة لي هذه المرة كانت جيدة، وكانت هناك بعض الوعود بشكل غير مباشر وللآن ما زلنا ننتظر تنفيذها، رغم ذلك مخبر أمن دولة يسمى حسن يعبث بالطعام المقدم للدكتور ويفتشه بيده ويمنع إغلاق باب غرفة الدكتور عليه، ويدخل ليأكل من أكله، والدكتور للآن لا يتناول سوى خبز جاف وقليل من الجبن!

 

كما أن لي ملاحظة وهي أن الأطباء وإدارة المستشفى يعيشون حالة من الرعب والفزع أنا أرفضها، وأعتبرها غير مقبولة، وغير مبررة، وهذا الكلام موجه لنقابة الأطباء في المقام الأول والتي من المفترض أن يكون لها دور وموقف دعمًا للدكتور، ونحن من جانبنا قمنا بإرسال شكوى لنقابة الأطباء وللنائب العام ضد الضابطين عن طريق النقابة أيضًا وسوف نقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقنا.

 

* هل هناك تأثيرات سلبية تعود عليكم جراء هذه الظروف الاستبدادية؟

** لا شك أن هناك تأثيرات سلبية كثيرة جدًّا ولكننا والحمد لله راضون بقدر الله، ونحتسب كل ذلك في سبيله وهو سبحانه المتكفل بحفظ أبنائي ورعايتهم.

 

رسائل عاجلة

* هل من رسائل تودين توجيهها إلى أحد؟

** نعم: أقول للدكتور مصطفى اصبر واحتسب كل ما يحدث عند الله فقد تعلمنا على يديك معنى الصبر على الأذى في سبيل الحق واذكره بالآية الكريمة: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت).

 

وهنا يضيف ابنه خالد وأنا أذكره أيضاً بالآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾ (القصص).

 

وأقول لأسر المعتقلين ولمن ذاق مرارة هذا الظلم في مختلف أنحاء الجمهورية: الحبس والاعتقال في سبيل الله نحتسبه عند الله ليكون كفارةً للذنب ورفعًا للدرجات، واعلموا أن الله يهيئ درجة في الجنة تكون ضريبة للابتلاء وندعو الله أن نحظى بها جميعًا ويجمعنا بهم في الجنة إن شاء الله.

 

أما من يتسببون في معاناتنا فأقول لهم: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ويوم القيامة سأقاضيهم أمام الله عن كل مرة هوجم فيها بيتي وروّع فيها أبنائي وكل دقيقة مرت على زوجي خلف القضبان، وأنا على يقين أننا إذا لم نحصل على حقنا في الدنيا حتمًا سنحصل عليه في الآخرة أمام الله الحكم العدل، حينها لا خوف ولا فزع ولا تخويف ولا ترهيب ولا أمن دولة ولا مخبر مأجور ولا تقارير كاذبة ملفقة ولا قاضٍ مرتشٍ ولا سلطان قاهر!! الله حكم فصل يملك موازين العدل المطلقة وسنأخذ حقنا وستتبدل الأوضاع، أمن وطمأنينة لنا مقابل خوف وفزع ووجل لكل من نسي ضميره في الدنيا وخالف أمر الله وظلم الناس بغير حق.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.