![]() |
م. أحمد شوشة |
في بداية العام الثالث على اعتقالنا (*) أوجِّه ثلاث رسائل: الرسالة الأولى إلى مَن ظلمنا وما زال يظلمنا، وكلُّ مَن اشترك في اعتقالنا واستمرار اعتقالنا فقد ظلمنا، والرسالة الثانية إلى إخواننا أحبابنا حبات قلوبنا، والرسالة الثالثة لازمةٌ إلى أساتذتنا وقادتنا؛ أمدَّ الله في أعمارهم، ووفَّقهم لما فيه خير البلاد والعباد.
الرسالة الأولى: إلى مَن ظلمنا وما زال يظلمنا:
إن القضية التي بيننا وبينك واضحةٌ لا لبس فيها ولا غموض؛ فنحن ندعو إلى الله عز وجل.. ندعو إلى التوحيد الخالص، وإلى عبوديته سبحانه واتباع منهجه.. ندعو إلى الخُلق القويم بين الناس وإقامة العدل والشورى في الحكم وتوحيد الأمة على الإيمان بالله عز وجل، فهل هذه جريمة؟! وهل يُنكِر علينا هذا إلا جاحدٌ أو ظالمٌ؟!
إنك تعلم أن تربية الأمة على هذه المعاني فيه نجاتها في الدنيا والآخرة؛ في الآخرة بالجزاء الحسن من ربٍّ كريمٍ، ونجاتها في الدنيا من تحالف أعداء الإسلام، وعلى رأسهم الصهيونية العالمية الحاقدة؛ هذا التحالف الذي حكم العالم على مدى قرنين من الزمان فذاق المسلمون- بل والعالم كله- مرارة الظلم والصراعات والتخلف وترك ملايين المُشرَّدين والمُعاقين والثكالى والأرامل واليتامى بلا شفقةٍ ولا رحمة.
هذه هي القضية التي بيننا وبينك، فهل تكون مع الله سبحانه فتحكم بالعدل فيكون لك عز الدنيا والآخرة؟! أم تكون مع هؤلاء الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة فتحكم بالظلم فتذوق خزي الدنيا والآخرة؟!
لذلك وجب عليَّ أن أذكِّرك- والذكرى تنفع من اهتدى- أن الله لا يُنازَع في ملكه ولا حكمه؛ فإنك إن أقمت ملكك على الظلم فقد عرَّضت نفسك إلى حربٍ من الله القوي الجبار القاهر، فهل لك طاقة على محاربة الله عز وجل؟!
﴿فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (العنكبوت: 40)، ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾ (الحج: 38).
أما إذا نصرت الله سبحانه وأقمت العدل فهو ناصرك ومثبت ملكك؛ فإنك إن أقمت ملك الدنيا على العدل امتد بك إلى ملك أبدي لا يُبلى في الآخرة؛ لا يحجزه عنك موت ولا برزخ، فأي مجدٍ وعزٍّ وملكٍ سؤددٍ أعظم من هذا؟! ملك يتجاوز الأرض إلى السماء ويمتد من أعمارنا إلى خلود أبدي.
﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (النساء: 58)، ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90)، ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ (ص: 26)، ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).
نحن وأنت
يا صاحب الدنيا المحب لها أنت الذي لا ينقضي تعبُه
أعلم يقينًا أنك متُعب، وستظل مُتعَبًا، ولن ينجيك من تعبك إلا أن تعلم قدر الله عز وجل وقدر كل مَن دونَه، وتعلم عندئذٍ حقيقة الألوهية والربوبية، وتتذوَّق لذة العبودية له سبحانه، وتعلم كذلك حقيقة الحياة والموت، فتعلم حقيقة الآخرة ونعيمها وعذابها؛ فإذا علمت هذا وتيقَّنت بها تواضعت الدنيا في نفسك، وصار اللهُ عز وجل غايتَك، ورضاه سبحانه هدفَك، والجنةُ رجاءَك، وعندئذٍ يصير العدلُ ميزانَك، وإذا صار العدل ميزانك يذهب تعبك ويمتد ملكك وتأمن في سربك، وتنام في بيتك قرير العين، مرتاحًا، منشرح الصدر، سعيد النفس.
﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (الزمر: 67).
هذا حالك وشأنك؛ إما العدل والسعادة والمجد، أو الظلم والشقاء والفناء.
هذا حالك.. أما نحن
أما نحن- بعد عامين من القيد والأغلال والسجن والسجان- ففي آمان الإيمان وظل الرحمن؛ ترفرف أرواحنا بين جنبات الدنيا حرةً طليقةً، تردد مع الكون مزامير التوحيد والتسبيح والتهليل، راضيةً بأمان الله وجواره سبحانه.. إنه السلام المطلق والسعادة الأبدية.
لقد قيدت أجسادنا، ولكنك لم تملك قيد أروحنا.. لقد قيَّدت حرية اللقاء بالأمهات والآباء والزوجات والأولاد والأحباب، ولكن نطمع أن نلقاهم في حياة أبدية ونعيم مقيم.. لقد قيَّدت أيديَنا عن أموالنا، ولكن ما قيمة أموال الدنيا إلى ملكٍ لا يبلى وعزٍّ لا يفنى؟! لقد منعتنا من الحركة والدعوة إلى الله عز وجل، ولكن يكفينا أن نكون شهداء على الظالمين وعلى الأمة وعلى العالمين، فأنعم بها منزلةً!، ونسأله تمام الشهادة.. اللهم آمين.. ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج 78).
الرسالة الثانية: إلى إخواننا أحبابنا حبات قلوبنا:
أنتم أحب إلينا من أنفسنا، وأنفسنا لكم فداء، فادعوا لنا بالثبات، وإن كنا نحن في سكون خلف أسوار السجون فأنتم القلب النابض بالحركة والعطاء، فإلى الهمة وجنة عرضها السماوات والأرض؛ فهذا شرفكم وشرفنا، وشرف الأمة أن يعود الإسلام ليحكم الوجود.. إن بين النصر والهزيمة صبر ساعة، فلنصبرها بفضل الله عز وجل، ولا يغرَّنَّكم تقلب الذين ظلموا في البلاد.
إذا هَوُلٌ دَعَاكَ فلا تَهَبْهُ فَلَمْ يْبقَ الذين أبَوْا وَهَابُوا
الرسالة الثالثة: إلى أساتذتنا وقادتنا؛ أمدَّ الله في أعمارهم، ووفَّقهم لما فيه خير البلاد والعباد:
إن الله معكم، ولن يتركم أعمالكم، وفَّقكم الله وسدَّد خطاكم؛ فأنتم علَّمتمونا وربَّيتمونا وقدَّتمونا إلى خيري الدنيا والآخرة، نسأل الله عز وجل أن نلقى الله على ما بايعنا عليه، غير مُبدِّلين ولا مُغيِّرين، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وجمعنا وإياكم في الدنيا على دعوته وطاعته، وفي الآخرة في جنته ورضوانه.. هو نِعْم المولى ونِعْم النصير.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح: 10)، ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)﴾ (الفتح).
وختامًا..
فهل لمَن ظلمنا أن يعتبر؟! ولإخواننا: الهمة.. الهمة، ولأساتذتنا وقادتنا: جزاكم الله خيرًا، ولنا وللجميع: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).
------------
(*) بداية الاعتقال في 14/12/2006م، وكاتب المقال من الإخوة المحكوم عليهم في المحاكمة العسكرية رقم 2 لسنة 2007م.