لا بد للإخوان المسلمين أن ينتقموا من الظلمة الذين حكموا بسجن إخوانهم هذه السنوات الطويلة بلا ذنب ولا جريرة، ولكن كيف ينتقمون؟! كيف يثأرون من ضابط أمن الدولة الذي قضى الأيام والشهور في تلفيق الاتهامات وحبك الأكاذيب ليوقع بالشرفاء الأتقياء؟ وكيف ينالون من القاضي العسكري الذي باع شرف العسكرية بثمن بخس في سوق النخاسة السياسية؟ وكيف يكشف الإخوان المسلمون مظالم الحاكم وطغيانه ومحاربته لأولياء الله وصده عن سبيله؟ وكيف يفضح الإخوان المسلمون المؤامرة الكبرى والتي تقف من ورائها مكايد الصهيونية الماكرة والصليبية الأمريكية الحاقدة؟!

 

الانتقام الحقيقي هو مزيدٌ من الصبر والثبات والعمل الدءوب لكسب رجال ونساء جدد لدعوة الله المباركة.

 

إن كل شاب يبكِّر لصلاة الفجر ويثبت قدمه في الصف الأول يشكِّل صفعةً ساخنةً جدًّا على قفا ضابط أمن الدولة العريض، والذي ظنَّ أنه بخدمته لسيده في سَجْن هؤلاء الكرام البررة والحيلولة بينهم وبين دعوتهم لصلاح البلاد والعباد يحوز رضا سادته وينال ترقيةً أو علاوة.

 

تخيَّل أخي الحبيب نفسك وأنت ترفع يدك بتكبيرة الإحرام فإنما تهوي بها على وجه قاضي الظلمة الأسود فتضيء بليل.

 

انتقام الإخوان المسلمين بأن يقبلوا على دستورهم الخالد؛ كتاب ربهم، يعكفون على تلاوته ويدرسون معانيَه ويحفظون آياته ويعاهدون الله على جعلها واقعًا يحياه الناس ويعيشونه، وعندما يترنَّم صغارنا بآيات الله في الطرقات سوف ينزوي أسامة سرايا في أهرامه، وينسحق عبد الله كمال في روزاه، ولن يطالعنا الدقَّاق بأكاذيبه، وسوف تنقَّى شاشة التلفزيون من ثرثرة "حالة السعار".

 

وعندما ندعو الناس للخير ويملئون بيوتنا وحارتنا وشوارعنا هاتفين الله أكبر ولله الحمد؛ سوف نضيِّق الخناق على من سلب مصر خيرها وجوَّع شعبها وأهان رجالها ونساءها، وسوف يدرك عسكري الأمن المركزي على من يرفع العصا ومن يحاصر ومن يضرب.

 

عندما نحفِّظ أولادنا وجيراننا سورةَ الشورى لن يجرؤ حاكم أن يجعل مصر إرثًا وتراثًا لأولاده، أو يحوِّل شعبها سائمةً في مزرعته.

 

وعندما نسجد لله خاشعين سوف ندرك لمَن الملك ومَن بيده الأجل والرزق؛ فلا القنابل الدخانية تعمي أبصارنا، ولا الهراوات الغليظة تفتُّ في عزائمنا.

 

وعندما نعرِّف رابطة العقيدة والإيمان ونعلِّمها مَن حولنا سندرك حقَّ إخواننا المحاصَرين في غزة علينا، ولن نكون سيفًا أمريكيًّا ولا "إسرائيليًّا" على رقابهم، بل الدم الدم، والهدم الهدم، وتكون نحورنا دون نحورهم، وصدورنا دون صدورهم، وسنجعل مصر هي الفئة المؤمنة التي تتحيَّز لها المقاومة الفلسطينية في كرِّها وفرِّها.

 

انتقام الإخوان المسلمين يتمثَّل في ضبط أنفسهم وطاعتهم أكثر لقادتهم والتزامهم وثقتهم في جماعتهم وصبرهم على الأذى؛ لأنهم يعلمون أن مشروعهم الإصلاحي أكبر وأعظم من أن يُستنفَد في مواجهةٍ هنا أو احتكاك هناك، أو يُستَدرَجوا لمعارك جانبية تجعلهم ينحرفون عن أهدافهم، أو يخربون بيوتهم أو مرافقهم بأيديهم، أو يلوثون نقاء دعوتهم بعنفٍ وغلظةٍ لا مجال لها وليس هذا ميدانها، بل يدَّخرون قوتهم ودماءهم لمعركةٍ أكبر مع عدوِّهم الباطش بالمسجد الأقصى والمحتل لعاصمة الرشيد.

 

أما معركتنا مع من بغى علينا من بني جلدتنا فمعركةُ تحمُّل ومصابرة وصراع إرادة وجَلَد، وشعارنا فيها ﴿لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة: 28).

 

انتقام الإخوان المسلمين بالتفوُّق الدراسي لكل طالب منهم والتميُّز المهني لكل عامل فيهم والنبوغ العلمي لعلمائهم وأساتذتهم؛ لأن الأمة لن تقوم إلا بجهدهم، ولن تصلح إلا بتفوُّقهم، وإذا كانت الجموع من أسر الإخوان المسلمين وقفت عند المحكمة العسكرية الظالمة تهتف: "مصر هتفضل غالية علينا" فيجب ترجمة هذا الحب للوطن والانتماء له بمزيد من الجهد والعرق والدأب والبذل، وأن يكسبوا كل يوم أرضًا تمتد في مصرنا طولاً وعرضًا، وأن يربحوا في كل يوم جولةً، وبعد ذاك يصلحون الدولة.

 

انتقام الإخوان المسلمين يكون بالتوجُّه إلى ربهم وإخلاص نيتهم له، وأن يكون الله هو غايتهم، فيحوِّلوا دفة الصراع لصالحهم بأن يجعلوا الله في ميزان قوتهم، فيخفوا ضعفهم في قوته، ويستعينوا على عدوِّهم بتدبيره لهم، ويتدثَّروا من الأنواء بكنفه ورعايته، وكفى بالله وكيلاً، وكفى به مؤيِّدًا ونصيرًا.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

-----------

* الزاهر- مكة المكرمة- [email protected]