د. حامد أنور

 

لا أدري هل هو من قبيل المصادفة أن تصدر الأحكام العسكرية في حق المهندس خيرت الشاطر ورفاقه بعد يومين فقط من زيارة السفير الأمريكي ريتشارد دوني إلى القصر الجمهوري يوم الأحد الثالث عشر من أبريل بمناسبة انتهاء فترة خدمته في مصر كما روَّجت بذلك الجرائد القومية وموقع السفارة الأمريكية في مصر؛ حيث أعلن الرجل بعد اللقاء أنه من خلال المعونة الأمريكية العسكرية والاقتصادية في مصر نجحنا في تحقيق إنجازاتٍ كثيرة!!!.

 

إن السيد فرنسيس ريتشارد دوني هو أخطر مَن تولي مقاليد السفارة الأمريكية في مصر، فخلال خدمة هذا الرجل صدرت كل الكوارث القانونية على هذا البلد، والتي تعتبر بلا جدال أو مواربة جريمةً في حق هذا الشعب الأبي؛ فقد تمَّ إلغاء إشراف القضاة على الانتخابات، والذي كان ضمانةً معقولةً إلى حدٍّ كبيرٍ لحق الشعب في الاختيار والتعبير عن شهادته والاطمئنان إلى عدم تزويرها بأيدي المنتفعين والمرتزقة، ولن تستقيم الأمور إلا بعودة الإشراف القضائي مرةً أخرى ثم صدرت بعدها التعديلات الدستورية التي كبَّلت الحياة في مصر بأقسى الأغلال ثم مهزلة الشورى، وأحكام حبس الصحفيين ثم أضحوكة المحليات، ثم أخيرًا المحاكم العسكرية، كل ذلك في ثلاث سنوات فقط ثم ها هو الرجل يرحل مخلفًا وراءه كل تلك الكوارث؛ فقد قضى على كل المكاسب السياسية التي حققها هذا الشعب، لقد غادر القاهرةَ وهو يبتسم وصافح العاملين في المطار فردًا فردًا.

 

إن هذا الرجل- الذي قال إنه يعرف المصريين جيدًا بحكم أنه قد خدم في مصر من قبل في مجال آخر، وكما يقول هو على موقع السفارة الأمريكية في مصر كان يركب التاكسي يوميًّا ويتكلم مع السائقين في الثمانينيات- استطاع أن يخدعنا بتصرفاته ومعسول كلماته، فكان يذهب إلى الموالد ويشتري الحمص والحلاوة، ويتمشى على الكورنيش ويُبدي إعجابه بشوربة العدس.. يا لسذاجتنا إنه يتبع سياسةً نابليونيةً قديمةً تتودد إلى الشعب ثم تذبحه بسكينٍ باردٍ بعكس سلفه الآخر الذي كان يتبع سياسة تشنجية انفعالية.

 

أيها المخادع ريتشارد دوني أنت قاتل الإصلاح..

إن الإصلاحَ في مصر لن يتحقق إلا إذا رفعت الإدارة الأمريكية يدها عنها، ولم يترك الرجل البلاد إلا بعد إشعال فتنة على الحدود بين أبناء مصر وفلسطين يخوض فيها الخائضون، يكثرون فيها من اللغو والتدليس، ولكن ليعلم أولئك الحمقى أن الجنود المصريين الأبطال على الحدود لم ولن يتوانوا عن الوقوف بجانب إخوانهم أبناء الشعب الفلسطيني في غزة ومساعدة الجوعى والمرضى، بل وسيقفون معهم في مواجهة الاجتياح الصهيوني لها، فهم يعلمون أن حرمةَ العبد المسلم أكبر عند الله من حرمةِ الكعبة، فلا قيمةَ للأسلاك الشائكة إذن، إنهم يعلمون أن الإنسان وحياته أكثر قداسةً من أي حدودٍ من أية خطوطٍ رسمها سايكس- بيكو فليصمت المرجفون في المدينة.

 

أيها السادة.. إن الأحكام العسكرية التي صدرت في حق أولئك الأبطال ليست تجنيًّا على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل إنها تجنٍ على الشعب المصري كله، على كلِّ مَن يطالب برؤية إصلاحية من أجل مستقبلِ هذا البلد.

 

فهناك في الفيزياء نظرية تعرف بنظرية الفوضى أو الفراشة والتي تُوفي صاحبها كما يقول موقع الـ"سي إن إن" منذ أيامٍ قليلة، وتنص على أن التغييرات الصغيرة تؤدي إلى تغييراتٍ كبيرةٍ؛ بمعنى أن حركة الفراشة للهواء بجناحيها في البرازيل قد تؤدي إلى إعصار في تكساس؛ وكذلك الأمر في السياسة وعلم الاجتماع، فمقتل جندي من الناتو في أفغانستان يؤدي إلى عملية جهادية في الصومال، إلى عملية استشهادية في فلسطين، وإلى قصف المنطقة الخضراء في بغداد؛ مما يؤدي إلى انهيار البورصة في نيويورك وترنح الاقتصاد الأمريكي، والعاقل المتأمل لتلك الأحكام القضائية التي صدرت سيكتشف دون جهدٍ أنها كارثية على المجتمع المصري.

 

فالأحكام التي صدرت في القاهرة في يوم الثلاثاء 15 أبريل، والذي سيصبح يومًا أسودَ يشهد على استبداد النظام يُدرك أنَّ جُرمًا كبيرًا صدر في حقِّ هذا الشعب يهدد حياته وسلمه الاجتماعي، ويُشكِّل خطرًا على الأمن القومي، فإدانة الشرفاء وتبرئة الذين اتهموا بقتل المصريين من خلال أكياس الدم الملوثة سيكون له تأثير نفسي مدمر على الشخصية المصرية، وعلى الجماهير فهو سيؤدي إلى أن يستهين المواطن العادي بالقانون وإن كان وضعيًّا، ويتجرَّأ عليه وسيدفع المجرمين المفترضين إلى عدم التحرج من القيام بجرائم علنية، وسيؤجج رغبة الكثيرين في الخروج على القانون، بل سيشعرون أنهم شهداء وضحايا إذا ما تمت إدانتهم، وسيجعل أعضاء الحزب الوطني يتغولون، ويظنون أنهم فوق هذا القانون الهزلي؛ فتطبيق القانون على بعض المواطنين والتغاضي عن إقامته على البعض الآخر سيؤدي إلى انهيار التماسك الاجتماعي كليةً وعدم الرضا بمظلة الدولة التي فرقت بين أبنائها، وهذا من الإبداع الذي نزل على محمدٍ- صلى الله عليه وسلم-: "إنما أهلك مَن كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، فما بالنا والأبرياء يُحاكمون ويسجنون، بينما الآخرون يُطلَق سراحهم، بل قد تتم مكافأتهم وترقيتهم.

 

يا للفجاعة.. إن الحزبَ الوطني يسوقنا نحو الهلاك، هل علمتم مَن هم الذين يصنعون الفوضى الخلاقة؟!.. فأين العقلاء والمنصفون في الحزب الوطني؟.

 

لقد علَّق السيد دوني وهو في طريق الرحيل على شباب مصر بأنهم غير متفائلين، وأنه متفائل، ولا أدري متفائل بماذا؟ هل بنجاح مشروع القرن الأمريكي مثلاً، والذي يعمل بابا الفاتيكان على الترويج له في الأمم المتحدة؟!!.

 

الآن فإنني مع الأسف أبشره بفشله فشلاً ذريعًا بمشيئة الله تعالى.. يقول المولى سبحانه في سورة مريم أم المسيح، والذي هو براء مما يفعلونه في الآية الأخيرة، والتي تحمل رقم ثمان وتسعون يقول المولى سبحانه: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)﴾، كذلك سيكون مصير القرن الأمريكي بإذن الله.

----------

* [email protected]