وجه صندوق النقد الدولي صدمة للمصريين، إثر تأكيد مسئوليه أن الحكومة ملزمة برفع أسعار الوقود، وإلغاء دعم الطاقة قبل نهاية العام 2025، في مقابل صرف الشريحة الرابعة من قرض الصندوق بقيمة 1.2 مليار دولار وشريحة اخرى لم تحدد قيمتها بعد.
أثارت التصريحات موجة غضب واسعة بين المستهلكين والشركات الصناعية والإنتاجية، مع توقع زيادة أسعار الوقود، بعد أسبوعين خلال إجازة عيد الفطر، وسط تخطيط الحكومة لرفع الدعم عن الكهرباء، بما يعمق الغلاء، ويعيد التضخم إلى معدلاته المرتفعة، ويزيل الأمل في خفض معدلات الفائدة بالبنوك. وتدفع المخاوف المواطنين إلى البحث عن وسائل لتخزين المحروقات قبل فترة الاجازات، بينما يخشى آخرون من تسببها في عودة الركود للقطاعات الصناعية، المدفوعة بزيادة التضخم وتكلفة التشغيل وتراجع الجنيه.
زاد من قلق المواطنين، اعلان حكومة الانقلاب عن اجتماع لجنة التسعير التلقائي للمحروقات برئاسة رئيس مجلس الوزراء خلال الأسبوع الأخير من مارس الجاري، للنظر في تسعير المنتجات البترولية والغاز، بما يواكب تطورات أسعار النفط والغاز بالأسواق الدولية.
يأتي ذلك برغم تراجع أسعار النفط إلى ما دون 72 دولاراً للبرميل، وثباته النسبي عند مستوى 75 دولاراً، بأقل من 10 دولارات عن سعر التحوط المحدد من قبل الحكومة لموازنة العام المالي 2024-2025، وبقاء سعر المليون وحدة حرارية بريطانية للغاز عند مستوى 11 دولاراً، بما يقل عن 3 دولارات للسقف الذي وضعته وزارة البترول.
وجاءت الزيادة المتوقعة، بعد تخلي لجنة التسعير التلقائي، عن آلية العمل الملزمة بها خلال السنوات الماضية، لتصبح قراراتها بالتمرير وبدون سقف مسبق بنسبة 10%، الأمر الذي يمكنها من رفع الأسعار دون الحاجة إلى اجتماعات وزارية موسعة، وتطبيقها دون حد أقصى. وتقدر حكومة الانقلاب تكلفة دعم المحروقات لعام 2025، بنحو 150 مليار جنيه، الأمر الذي يراه اقتصاديون دافعاً لزيادة الأسعار على 3 مراحل ربع سنوية، لتصل إلى سعر التكلفة الاقتصادية، عند مستوى 72 دولاراً للنفط و14 دولاراً للمليون وحدة حرارية للغاز، بما يعني زيادة سعر لتر وقود البنزين إلى ما بين 35 إلى 50 جنيها، مع نهاية العام.
تأثير رفع الدعم على التضخم
يخشى الخبراء من تعريف الحكومة للتكلفة الاقتصادية وربطها بمعدل الأسعار السائدة عالميا، وغض الطرف عن عدم التزام الحكومة بدفع مرتبات للعاملين بالدولة، وفقا لمؤشر التضخم.
وتشير أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس يمن الحماقي، في دراسة بحثية نشرتها مؤخرا، إلى أهمية أخذ الحكومة في اعتبارها التكلفة الاجتماعية، حيث تحصل على أغلب المحروقات من آبار محلية، وتدفع للعاملين رواتب وأجور متدنية بالعملة الوطنية، لا تتناسب مع الزيادة بمعدلات التضخم وغلاء تكاليف المعيشة.
تؤكد د. يمن الحماقي أن إلغاء دعم المحروقات والكهرباء خاصة عن القطاعات الصناعية والإنتاجية، باعتبارهما من أهم المدخلات سيزيد أسعار كافة السلع والخدمات ويراكم الأعباء على الأغلبية الساحقة من المواطنين.
يعزو اقتصاديون التراجع المفاجئ بمعدلات التضخم من مستوى 24% في فبراير 2024 إلى 12.5% في فبراير 2025، إلى تأثره بصدمات العرض والطلب، مع التقلبات الحادة في قيمة العملة والفائدة المرتفعة، وزيادة تكاليف الواردات، محذرين من ارتباط انخفاضه الوثيق بضعف القوة الشرائية للمواطنين، الذين واجهوا زيادة بمعدلات التضخم منذ الربع الأخير لعام 2022، تفوق 20%.
فيما يلفت خبراء إلى أن استقرار سعر المحروقات والكهرباء والخدمات الحكومية خلال الربع الأول من عام 2025، كان من أهم الأسباب التي أدت إلى خفض التضخم، مشيرين إلى أن الزيادة المرتقبة في أسعار المحروقات، ستدفع حتما معدلات التضخم إلى الصعود من جديد.
ويكشف رئيس غرفة صناعة البترول والتعدين في اتحاد الصناعات الدكتور تامر أبو بكر لـ"العربي الجديد" عن عدم تلقي اتحاد الصناعات رسميا أية خطط حكومية لزيادة أسعار المحروقات والكهرباء، موضحا أن هناك اتفاقا بين المستثمرين والحكومة نحو زيادة تدريجية لأسعار الطاقة، بما يخفف الأعباء عن الدولة، ويضمن في الوقت ذاته، استمرار دعم القطاعات الصناعية والإنتاجية، بما يمكنها من المنافسة في الإنتاجية والتسعير لمنتجات الدول الأخرى، خاصة بالمنطقة.
ويوضح أن دعم الدولة للغاز والكهرباء أمر تلتزم به معظم دول العالم، حتى المتقدمة منها، والتي تسعى إلى توفير بسعر مغر للمستثمرين، مقابل تحقيق قيمة مضافة للدولة من عوائد التصنيع والتشغيل والتصدير للخارج، مؤكدا أن رفع سعر الكهرباء سيكون غير مجد، لأنه سيؤدي حتما إلى رفع أسعار مستلزمات الإنتاج وتكلفة التشغيل والتضخم، بما يحمل الصناعة أعباء جديدة، في وقت تبحث فيه عن فرصة للبقاء والنمو ورفع معدلات التصدير.
أعباء متزايدة
تؤكد خبيرة التمويل والاستثمار حنان رمسيس لـ"العربي الجديد" أن تأخير صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الرابعة من القرض المقرر للدولة، مع تقسيط قرض "الاستدامة والصلابة" المتفق على تقديمه بنحو 1.2 مليار دولار، على دفعه واحدة للحكومة، يضعف من قدرة البنك المركزي على توظيف النقد الأجنبي المتاح بكفاءة، ويعرقل سداد مستحقات الشركاء الأجانب، خاصة موردي الغاز والنفط، الأمر الذي يزيد الضغوط على شركات الغاز وإنتاج الوقود والكهرباء، ويجعلها في حاجة ماسة للسيولة والحد من خسائرها الناجمة عن دعم الطاقة، واستخدام السعر كوسيلة لدفع المستهلكين على ترشيد الاستهلاك.
وتتوقع رمسيس أن تدفع الزيادة المتوقعة في سعر الكهرباء والمحروقات، إلى تحريك كافة أسعار السلع بالأسواق، منوهة إلى عدم قدرة المصنعين والمنتجين، على تحمل أعباء تكاليف الزيادة، واتجاههم إلى رفع سعر السلع والخدمات، بمعدل يتناسب مع الزيادة المباشرة في سعر مدخلات الطاقة، بالإضافة إلى تحركات أسعار النقل والتخزين والزيوت.
وتبين أن التجار سيتولون بدورهم تحميل المستهلكين كافة الزيادات التي ستطرأ على السلع، بما يزيد الفقراء فقرا ويرفع من الضغوط على الطبقة الوسطى، التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية اليومية، لافتة إلى أن هذه الشريحة التي تمثل الكتلة الصلبة في المجتمع، ستزيد معاناتها عندما تلجأ المدارس والجامعات إلى رفع أسعار خدماتها، بالتوازي مع الارتفاعات التي ستنفذها شركات الأدوية والرعاية الصحية والاتصالات التي تمثل عصب الحياة والمتطلبات اليومية للأسر، ولأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.