هدمت الأجهزة المحلية بمحافظة القاهرة بالاشتراك مع قوات من الشرطة، أول من أمس الخميس، المقبرة التاريخية للشاعر محمود سامي البارودي (1839 ــ 1904)، الشهير بـ"شاعر السيف والقلم"، إثر استكمال مخطط إزالة مقابر السيدة نفيسة والإمام الشافعي بعد توقف دام نحو ثلاثة أشهر، على خلفية الاحتجاجات التي طاولت هذه الخطوة.
كما أفاد ناشطون بأن سلطات الانقلاب منعت تصوير عملية الهدم. ونشر الناشط وائل عباس، اليوم السبت، عبر صفحته في "فيسبوك"، صورة تجمعه مع عدد من المهتمين بمجال التراث، وكتب: "أول من أمس (الخميس) تم استيقاف الصديقين الدكتور الكبير والقامة العلمية مصطفى الصادق والباحث الأثري إبراهيم طايع، في منطقة الإمام الشافعي، وحذفت الشرطة كل الصور الموجودة على هواتفهما، بعد سنوات من توثيقهما الآثار الإسلامية، وذلك عقب ساعات من هدم مقبرة رب السيف والقلم الشاعر محمود سامي البارودي".
مقبرة محمود سامي البارودي كانت تضم قطعاً رخامية منقوشاً عليها بماء الذهب، جرى استيرادها خصيصاً من إيطاليا قبل عقود، إلى جانب قطع نادرة من النحاس لها طابع تاريخي. وأزيلت ضمن مجموعة من المقابر التاريخية التي تقع في قلب القاهرة تنفيذاً لتعليمات العميل الصهيوني عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب بإنشاء جسر مروري جديد يربط بين الطريق الدائري ومحور صلاح سالم.
سبقت ذلك إزالة جرافات محافظة القاهرة حوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الأثري الخاضع لإشراف وزارة الأوقاف المصرية، ومقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم وغيرها من المقابر ذات الطابع التراثي والمعماري المتميز، بعد إنذار العائلات لنقل رفات المتوفين فيها إلى مدافن التعويضات البديلة في مدينة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية، على بعد أكثر من 80 كيلومتراً.
ومساحة المقبرة الجديدة التي نُقل إليها رفات محمود سامي البارودي وأسرته لا تزيد على 60 متراً مربعاً، مقارنة بمساحة المقبرة الأصلية البالغة 900 متر مربع.
البارودي كان رئيساً لوزراء مصر، وشارك في الثورة العرابية، وناضل من أجل استقلال البلاد. ومقبرته تحمل قيمة ثقافية ومعمارية كبيرة كونها واحدة من أقدم المقابر في القاهرة، ويعود عمرها إلى نحو 200 عام، حيث كانت تضم رفاته ورفات عائلته.
وذكرت صحف محلية، نقلاً عن حفيدة البارودي قمرية حسن مراد، أن "الأسرة خاضت معركة قانونية وإعلامية للحفاظ على المقبرة على مدى عامين، وتواصلت مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وعدد من الجهات الرسمية المعنية بالتراث، إلا أن جميع هذه المحاولات لم تسفر عن وقف قرار الهدم، الذي نفذ أمام أعين أفرادها".
نصت المادة الأولى من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 على أنه "يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان، من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام، باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات التي قامت على أرض مصر، أو كانت لها صلة تاريخية بها. وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها".
وكانت نقابة المهندسين قد شكلت لجاناً عاجلة من الخبراء المعماريين وغيرهم من المختصين لبحث قضية هدم بعض المناطق ذات الطابع التاريخي والمعماري المميز، والتواصل مع كل الجهات المعنية لبحث القضية، وإعداد تقرير شامل حولها. وأعربت النقابة عن بالغ أسفها لما تتعرض له بعض جبانات ومعالم مصر التاريخية والتراثية من هدم، وطالبت بضرورة الوقف الفوري لأعمال الهدم، والإنصات لآراء أهل الخبرة والاختصاص، وإعادة النظر في تنفيذ أي مشروعات في هذه المنطقة التاريخية التراثية، المحمية بموجب القوانين المصرية والمواثيق الدولية. كما دعت السلطات إلى البحث عن محاور مرورية وحلول بديلة عن هدم جبانة القاهرة التاريخية، تراعي فيها القيمة المعمارية والتراثية والتاريخية والإنسانية لها، وأكدت جاهزيتها واستعدادها لتقديم يد العون لإيجاد الحلول "التي تحقق النهضة العمرانية من دون المساس بتاريخ مصر".