https://ikhwanonline.com/article/266140
الأحد ١٩ رجب ١٤٤٦ هـ - 19 يناير 2025 م - الساعة 09:37 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
زاد الداعية

موجبات النصر في دعوة الله

موجبات النصر في دعوة الله
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 12:55 م
بقلم: د. حسين حسين شحاتة

يحتاج النصر إلى مقومات روحية ومعنوية وإلى مقومات مادية وبدنية، ويُطلق على الأولى "التوكل على الله"، ويُطلق على الثانية "الأخذ بالأسباب"، وهذا المنهج هو الذي طبَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية والجهادية, ومن النماذج البارزة لذلك: نموذج الهجرة من مكة إلى المدينة، ونموذج غزوة بدر، ونموذج غزوة الأحزاب.. ونحو ذلك.

 

والنصر في دعوة الله عزَّ وجلَّ في ظلِّ التحديات المعاصرة له كذلك مقومات مستنبطة من القرآن والسنة والسيرة وسيرة الدعاة المجاهدين في سبيل الله, ومطلوب إبرازها وفهمها وتطبيقها، حول هذه المقومات تدور هذه الخاطرة.

 

المقومات الإيمانية للنصر

يُقصد بها القوة المعنوية الذاتية لمن يعمل في مجال الدعوة الإسلامية، ويجاهد من أجل جعل كلمة الله العليا، وتتمثل في الآتي:

- الإيمان الراسخ العميق بأن النَّصر من عند الله سبحانه وتعالى، وهذا يعطي المجاهد شحنةً قويةً وعزيمةً صلبةً وحماسًا وحميةً، مستشعرًا قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ (الأنفال)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾ (الأنفال)، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ (محمد: من الآية4).

 

- الاستسلام التام لأوامر الله عزَّ وجلَّ بأنه لن يخذل عباده المؤمنين، فقد وعدهم بالنصر كما ورد في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾ (الروم)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾ (آل عمران).

 

- اليقين التام بأن من مقومات النصر الالتزام بشرع الله عزَّ وجلَّ في جميع شئون الحياة، وتجنب الذنوب والمعاصي، ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾ (محمد).

 

- الإيمان الراسخ بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن الله سبحانه وتعالى ناصر دعوته بجنده المؤمنين، وهذا ما يمكن أن يُطلق عليه بالتعبئة المعنوية، مثل ما حدث في غزوة الأنفال، فقد قال جلَّ شأنه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾ (الأنفال).

 

- الإيمان بأن النصر قادم وعدم اليأس والقنوط وعدم الخشية من الأعداء، والنموذج العملي لذلك في غزوة الأحزاب، ولقد عبَّر الله عن ذلك بقوله: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ (10)﴾ (الأحزاب) إلى قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)﴾ (الأحزاب)، وقوله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾ (آل عمران).

 

- الدعاء والتضرع إلى الله عزَّ وجلَّ، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف وفي غزوة بدر، فما ورد من أدعية في هذا المقام: "اللهم مُنْزِل الكتاب، ومجُرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" (رواه البخاري)، "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". (رواه أبو داود، والنسائي).

 

 

 الصورة غير متاحة

 د. حسين حسين شحاتة

وهذه المقومات الإيمانية تحتاج إلى تربية روحية تقوم على المعاني الآتية:

- الإخلاص لله واستشعار أن غاية الغايات هي رضاء الله.

- مراقبة الله عزَّ وجلَّ، واستشعار عزته وقوته وعظمته وأنه على كل شيء قدير.

- استشعار أن ثواب الدعاة المخلصين المجاهدين الجنة وهي سلعة الله الغالية.

- تعظيم حرمات الله، وتجنب الذنوب والمعاصي.

- مصاحبة عباد الله الصالحين المؤمنين القانتين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.

- الإكثار من الصلاة والصوم وقراءة القرآن والدعاء.

- التوبة والاستغفار على كل الأحوال.

- حب لقاء الله ومحمد وصحبه: كما قال أحد الصحابة (غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه).

 

المقومات البدنية والعتادية للنصر

يعتبر إتقان الأخذ بالأسباب بجانب القوة الإيمانية من موجبات النصر، فلا يغني الإيمان عن الأسباب، ولا تغني الأسباب عن التوكل على الله، وهذا المعنى واضح في قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)﴾ (الأنفال).

 

ولقد استنبط فقهاء الدعوة الإسلامية من هذه الآية معالم القوة على النحو التالي:

- القوة الإيمانية، ولقد سبق تناولها في البند السابق.

- قوة الترابط والاتحاد والاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103).

- القوة البدنية (قوة الساعد) من خلال التربية الجهادية، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

- القوة العتادية (عتاد الجهاد) والمالية.

 

ومن موجبات التربية البدنية الاهتمام بالصحة والعافية والرياضة بكافة صورها، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وهذا ما يجب أن نربي أولادنا عليه، فقد ورد بالأثر: علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل، كما تعتبر الرحلات والمعسكرات الرياضية وما في حكم ذلك من أهم أساليب التربية البدنية المشروعة للتقوية على الدعوة في سبيل الله، ومواجهة الظالمين وأعوانهم.

 

ومن موجبات القوة العتادية، ويقصد بها عدة الجهاد من أسلحة مشروعة للدفاع عن النفس، وصد المعتدين الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، ويدخل في نطاق ذلك الاستفادة من الأساليب والأدوات والعدد المعاصرة؛ حيث إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، كما يدخل في نطاق ذلك كافة الاختراعات والابتكارات.

 

المسئولية نحو تحقيق النصر لدعوة الله

يعتبر تحقيق النصر لدعوة الله عزَّ وجلَّ هي غاية الغايات لأي مسلم يؤمن بأن الحق لا بد له من قوة، ولا بد للنصر من تضحية، لذلك يجب أن يعد في سبيله الآتي:

- التربية الروحية لتقوية عوامل الإيمان واليقين بأن الجهاد من أجل نصرة دين الله هي الغاية.

- التربية البدنية حتى يكون مسلمًا قويًّا معافًى قادرًا على حمل العتاد من أجل نصرة دين الله إذا ما دُعي إلى ذلك.

- التدريب على استعمال العتاد اللازم للدفاع عن دين الله، وصد المعتدين في ضوء الضوابط الشرعية.

- التضحية بالمال اللازم للإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى.

- الانضمام إلى عباد الله الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، والذين يجاهدون من أجل جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين السفلى، بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

من أدعية تحقيق النصر

 

 الصورة غير متاحة
 
أولاً: أدعية من القرآن الكريم:

 

- ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)﴾ (البقرة).

- ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)﴾ (القمر).

- ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)﴾ (العنكبوت).

- ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)﴾ (القصص).

- ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)﴾ (القصص).

- ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)﴾ (الدخان).

 

ثانيًا: أدعية من السنة النبوية:

- "اللهم مُنزل الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" (رواه البخاري).

- "اللهم اكفناهم بما شئت، وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير" (رواه أبو داود).

- "اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم" (رواه أبو داود).

- "يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث" (رواه البخاري).

- "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربي, سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم, لا إله إلا أنت, عز جارك وجل ثناؤك" (رواه ابن السني).

اللهم آمين، والحمد لله الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.

------------

* الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف سابقا رحمه الله