السؤال: لماذا اختلف الأئمة؟ وما الحكم في تقليدهم؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الأمور التي اختلف فيها الفقهاء؟ ولماذا يكون الشيء فرضًا عند إمام، ومكروهًا عند إمام آخر مثلًا، في أمور العبادات؟ وما الحكم لو قلد الإنسان إمامًا في أمر، وقلد إمامًا آخر في أمر سواه؟ وهل يمكن تقليد غير الأئمة الأربعة، أم ينبغي الاعتماد على الكتاب والسنة مباشرة دون التقيد بمذهب في وقتنا هذا؟

جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:    

أجيب عن الفقرة الأولى من هذا السؤال وهي:

لماذا اختلف الأئمة؟

اختلف الأئمة؛ لأن مصدر الدين شرعه الله تعالى لعباده في نصوص، والنصوص لا بد أن يختلف الناس في فهمها، هذا شئ طبيعي في الحياة، الناس يختلفون ما بين حرفي يعنى بظاهر اللفظ، وآخر يعنى بروح النص، وهذا موجود حتى في شراح القوانين أنفسهم، فتوجد المدرسة الضيقة الحرفية، والمدرسة المتوسعة التي تعنى بروح النصوص.

وقد وجد هذان الفريقان منذ عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحينما قال -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة الأحزاب: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة" (رواه البخاري ومسلم وغيرهما). اختلف الصحابة في ذلك حين دنا الغروب، فقال بعضهم: إنما أراد منا سرعة النهوض، وآخرون قالوا: لا. لقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة". فنحن لا نصليها إلا في بني قريظة ولو بعد الغروب. . وصلوها بعد الغروب، وبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل هؤلاء، وفعل هؤلاء؛ فلم يعنف أحدًا من الفريقين؛ إقرارًا منه -صلى الله عليه وسلم- للاجتهاد، حيث ترك الناس لاجتهادهم، فهذا من أسباب الاختلاف.

ومن أسباب الاختلاف: أن الناس فيهم المتشدد وفيهم المترخص، هذه طبيعة البشر، فابن عمر غير ابن عباس. ابن عمر كان يتوضأ فيأبى إلا أن يدخل الماء إلى باطن عينيه، حتى عمي -رضي الله عنه- وابن عباس لا يرى هذا ضروريًا. ابن عمر يخشى أن يقبل أولاده وأن يسيل لعابهم عليه، وابن عباس يقبلهم ويعانقهم ويقول: إنها زهرات نشمها، فكان الفرق بين فقه الرجلين، فرقًا بين روح كل منهما. من هنا جاءت شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس، المشهورة في تراثنا الفقهي.

هناك أيضًا: اللغة نفسها. . قد تكون اللغة سببًا من أسباب الاختلاف. إذ قال الله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: 228). ما القروء؟ جاء في اللغة ما يدل على أن القرء هو الحيض.. وما يدل على أن القرء هو الطهر، ومن هنا اختلف الأئمة تبعًا للتفسير اللغوي لهذه اللفظة ونحوها من الألفاظ المشتركة.

ومثل ذلك: أن يحتمل بعض الألفاظ الحقيقة والمجاز، فيأخذ أحدهم بالدلالة الحقيقية للفظ، ويأخذ غيره بالدلالة المجازية، كما في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء} (المائدة: 6). هل المراد: الملامسة باليد كما هو رأي ابن عمر، أو هو كناية عن الجماع كما هو رأي ابن عباس؟

ومن الأسباب كذلك: اطمئنان الأئمة إلى الرواية أو عدم اطمئنانهم، فهذا يطمئن إلى هذا الراوي، ويأخذ بروايته، والآخر لا يطمئن إليه، ولا يأخذ بما يرويه، وبعضهم يشترط شروطًا في الحديث لا يشترطها الآخر، خصوصًا في بعض المسائل، مثل الأمور التي عمت بها البلوى.

ومن ذلك: اختلافهم في تقدير الأدلة واعتبارها.. فالإمام مالك مثلًا: يرى أن عمل أهل المدينة فيما توارثوه من العبادات ونحو ذلك مقدم على الخبر الذي يرويه الواحد. وبعضهم يرى ضعيف الحديث (وهو الذي سُمّي فيما بعد: الحسن) مقدمًا على القياس، وغيره بالعكس، وهكذا..

وبعضهم يأخذ بالحديث المرسل مطلقًا، وبعضهم يرفضه مطلقًا، وبعضهم يأخذ به بشروط. ومنهم من يعتبر شرع من قبلنا شرعًا لنا، ومنهم من لا يعتبر ذلك. ومنهم من يستدل بالمصالح المرسلة - التي لم يدل دليل خاص من الشرع على اعتبارها، ولا على إلغائها - ومنهم من لا يرى ذلك.

ومن أسباب ذلك: اختلافهم في دلالة الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، إلي غير ذلك مما فصّله "علم أصول الفقه".

الذي يجب تأكيده هنا: أن هناك أسبابًا كثيرة ومتنوعة لاختلاف الأئمة، وقد أُلِّفت فيها كتب خاصة قديمًا وحديثًا، منها: "الإنصاف في أسباب الاختلاف" للعلامة الدهلوي، و"أسباب اختلاف العلماء" للشيخ على الخفيف، ومنها كتابي: "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم" وقد بينت فيه أن الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة وثروة، كما شرحت الدعائم الفكرية والخُلقية التي يقوم عليها فقه الاختلاف وأدبه بين أبناء الأمة المسلمة.

ومن رحمة الله بهذه الأمة، أنه لم يضيق عليها، بل جعل هناك متسعًا للآراء، ومتسعًا للأفهام المختلفة، وما يصلح لبيئة، قد لا يصلح لأخرى، وما يصلح لزمن قد لا يصلح لآخر، وقد كان بعض الصحابة يفتي في القضية برأي، ثم يرجع عنه، كما رُوي عن عمر، وقد سُئل: كيف رجع؟ فقال: هذا على ما علمنا، وذاك على ما نعلم، فقد تختلف البيئة أو الحال، فيتأثر الإنسان بما يرى وبما يسمع فيغير رأيه.

ولهذا كان للشافعي - رحمه الله - مذهبان، مذهب يسمى القديم يوم كان في العراق، ومذهب يسمى الجديد حين نزل بمصر، وعرف في كتب الفقه: هذا قول الشافعي في القديم، وهذا قوله في الجديد؛ لأنه حينما نزل بمصر رأي ما لم ير، وسمع من الأحاديث والآثار ما لم يكن سمع من قبل، فعدّل رأيه، والمجتهد كثيرًا ما يعدّل رأيه، كل هذا من أسباب الاختلاف.

ولهذا حين أراد أبو جعفر المنصور من الإمام مالك أن يضع كتابه "الموطأ" وقال له: تجنب فيه شدائد ابن عمر، ورخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود، ووطئه للناس توطيئًا فقام بهذا الأمر، وألف الكتاب المعروف في الإسلام باسم "الموطأ".

وأراد الخليفة أن يحمل الناس عليه، ولكن الإمام مالكًا - رضي الله عنه - لفقهه وإنصافه وورعه قال له: "لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تفرقوا في الأمصار، وأصبح عند كل قوم علم، والناس قد سبقت إليهم أقاويل ورضوا بها، فإن حملتهم على رأي واحد تكون فتنة".

هكذا كانوا ينظرون إلى هذا الاختلاف على أنه خلاف في الفروع لا يضر، ولا بد منه، ولا يمكن أن تجتمع الأمة على رأي واحد في مثل هذه الفروع، وهذا من لطف الله عز وجل وبره بهذه الأمة، أن ترك لها فرصة للاجتهاد ولاتساع تعدد الأفهام.

تصوروا لو أن المسلمين كلهم على رأي واحد في كل أمر؛ ما وجد أحد رخصة في شئ، وما استطاع أحد أن يأتي في وقت، فيرجح رأيًا على رأي، أو قولاً على قول، أو رواية على رواية..

هذا بالنسبة للسؤال: لماذا اختلف الأئمة؟

حكم تقليد الأئمة

وأما قوله: ما الحكم في تقليدهم؟ فهناك من ذهب إلى وجوب تقليد الأئمة الأربعة، وفي هذا يقول صاحب الجوهرة في التوحيد: وواجب تقليد حبر منهم  **  كما حكى القوم بلفظ يُفهم

والبعض غلا في هذا الأمر، وقال: يجب تقليد واحد بعينه من الأئمة.

فالشافعي يقول: يجب تقليد الشافعي.

والحنفي يقول: يجب تقليد أبي حنيفة.

والمالكي والحنبلي.. وهكذا

وقد خطّأ المحققون هذا القول، بل قالوا: إن القول بوجوب تقليد إمام بعينه، بأن تُلتزم أقواله فقط وترفض أقوال غيره؛ حرام في الدين، وأكثر من ذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن تاب قائل هذا الكلام وإلا قُتل.

ولأن من قال: يُقلّد رجل بعينه في الدين، وتؤخذ أقواله، وتؤخذ أقواله وحده، وتُسقطُ أقوال غيره، كأنه يجعله شارعًا، كأنه يجعله نبيًا معصومًا.. فهذا لا يجوز في دين الله، يجب أن يُستتاب قائل هذا الكلام، وإن أصر عليه؛ فيرى ابن تيمية أنه قد مرق من الإسلام.

وقال ابن القيم: نعلم بالضرورة أنه لم يكن في عصر الصحابة، رجل واحد آثر رجلًا منهم يقلده في جميع أقواله بحيث لم يسقط منها شيئًا، وأسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئًا، ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في عصر التابعين، وليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون المفضلة على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلك هي القرون الثلاثة الأولى المفضلة في الأحاديث الصحيحة. وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسانه -صلى الله عليه وسلم.

وردّ ابن القيم هذا القول - تقليد الأربعة فقط، أو تقليد واحد منهم بعينه - في كتابه: إعلام الموقعين، وخطّأه من نحو خمسين وجهًا، وقد أطال في هذا الموضوع فأجاد وأفاد، فليراجعه من أراد.

ومحصل كلامه هناك، أنه إذا وصل إلى أحد قول إمام من الأربعة أو من غيرهم، ممن قبلهم أو بعدهم، على وجه الصحة؛ جاز له تقليده، إذا كان من غير أهل الاجتهاد.

المجتهد عليه أن يجتهد لنفسه، أما العامي، ومن لا يستطيع الاجتهاد؛ فيجوز له الأخذ بقول أي إمام كان، وأي فقيه، ممن بلغ مرتبة الاجتهاد، كما يرشد إليه قوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7) هذا من حيث حكم التقليد.

المسائل المختَلَف فيها

ويقول السائل أيضًا: هل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كل هذه الأمور التي اختلف فيها الفقهاء؟

وأقول: هناك كثير من الأمور عملها النبي -صلى الله عليه وسلم- ورويت عنه فعلًا، وإن كان واظب على بعضها أكثر من الآخر، فمثلًا: التكبير في الأذان. الله أكبر الله أكبر.. هل هو أربع مرات أم مرتان؟ ورد هذا وورد هذا. فالمالكية أخذوا بالاثنتين، وغيرهم أخذ بالتربيع. والترجيع في الشهادتين بصوت خفيف، كذلك ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- فأخذ به بعض العلماء ولم يأخذ الآخر.

فهذه الأمور، بعضها مما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- وإن كان أكثر في ناحية وأقل في ناحية أخرى. كالجهر بالبسملة، فالمروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يجهر بالبسملة، ولكن جاءت أحاديث تدل على أنه أيضًا جهر بها، وهذا ليس بممتنع أن يكون قد جهر في بعض الأحيان لتعليم من خلفه من المصلين ونحو ذلك؛ ولهذا قال ابن تيمية في هذا الموضوع: يجوز أن يترك الأفضل في أمور العبادات لتأليف القلوب، كما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- بناء البيت - الكعبة - على قواعد إبراهيم، من خشية تنفيرهم، نص الأئمة كأحمد، على ذلك. في البسملة، ووصل الوتر، وغيره، مما فيه العدول من الأفضل إلى الجائز؛ مراعاة للائتلاف، أو لتعريف السنة أو نحو ذلك.

ويقول السائل: لماذا يكون الشيء فرضًا عند إمام، مكروهًا عند إمام آخر في أمور العبادات؟

وأقول: إن هذه الصورة قليلة بل نادرة، ومثلها: القراءة خلف الإمام، فهي عند الشافعية فرض في كل الصلوات، جهرية وسرية، وعند الحنفية يرون هذه القراءة خلف الإمام مكروهة، فهما طرفان.

وهناك واسطة بين الطرفين، وهو أن القراءة مشروعة في الصلاة السرية حيث لا يسمع المأموم، أما في الصلاة الجهرية حيث يسمع المأموم، فتنصت، كما جاء في صحيح مسلم: "... وإذا قرأ فأنصتوا" فهذا التوسط هو الأولى.

الاعتماد على الكتاب والسنة

ويقول الأخ السائل أيضًا: وهل يمكن تقليد غير الأربعة؟ أو الاعتماد على الكتاب والسنة مباشرة، دون التقيد بمذهب الآن؟

أقول: نعم، يجوز تقليد غير الأربعة.. ويجوز الاعتماد على الكتاب والسنة لمن يقدر على الاعتماد عليهما، من أهل الفقه والنظر، فلهم أن يجتهدوا ويبحثوا، وأن يستخرجوا من الكتاب والسنة، وأن يرجحوا، وأن يرجعوا إلى علماء الترجيح، وعلماء المقارنة، والذين يقارنون ويرجحون بالدليل كابن دقيق العيد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم.. ثم يأخذ العالم بما هو أرضي لدينه وما هو أرجح في نفسه، وما يطمئن إليه قلبه، فهذا هو الذي يُكَلَّف به، ولا يُكَلِّف الله نفسًا إلا وسعها.

والقول الذي شاع في عصور التراجع والتخلف بأن باب الاجتهاد قد أُغلق؛ قول مردود، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل قال الحنابلة وغيرهم: إنه لا يجوز خلو عصر من العصور من مجتهد يفتي الناس وفق الأدلة. ولا حرج على فضل الله تعالى أن يمنح بعض عباده من المواهب والقدرات ما يؤهله لمرتبة الاجتهاد، وهو ليس بالأمر المستحيل. بل هو في عصرنا أيسر بالنسبة لتيسر وسائل علمية لم تكن ميسرة لمن كان قبلنا، مثل الطباعة والتصوير، و"الكمبيوتر" وغيرها (انظر في ذلك: كتابنا "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية"، فصل "تيسر الاجتهاد اليوم")..

أما من لا يعرف اللغة وعلومها ودلالاتها ولا يعرف ما يتعلق بالقرآن والسنة من معارف وعلوم متنوعة، ولا يعرف مواضع الإجماع والخلاف، ولا يعرف أصول الفقه والقياس وقواعد التعارض والترجيح.. إلى غير ذلك من أدوات الاجتهاد الأساسية؛ فالواجب عليه أن يرجع إلى أهل الذكر، كما يرجع الناس بالفطرة في كل اختصاص إلى أهله. قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، ولا يُتصور تكليف الناس جميعًا بالاجتهاد كما يزعم بعضهم، فإن هذا غير ممكن، وليس عليه دليل.

حكم التلفيق بين المذاهب

بقي سؤال وهو: ما الحكم لو قلد الإنسان إمامًا في أمر وقلد غيره في أمر آخر؟

هذا يسمى التلفيق.. بعض العلماء أجازوا هذا الأمر، وبعضهم منعه، والذي أراه، أن التلفيق، إذا كان يقصد أن يلفق، أو كأن يتتبع رخص المذاهب، يبحث عن الأسهل والموافق لهواه، وعما يحلو له، دون مراعاة لأي دليل؛ فهذا لا يجوز.. ولهذا قال السلف: من تتبع رُخص المذاهب فسق.

ومثل ذلك: أن يأخذ بمذهب معين إذا كان في جانبه ومصلحته، كأن يأخذ بقول أبي حنيفة في أن للجار الشفعة إذا كان هو جارًا يريد العقار لنفسه، فإذا كان المذهب مع خصمه أخذ بضده كما في الصورة المقابلة، يقول: آخذ بقول الشافعي وأرفض ما سواه.

وذلك أنه هنا يتبع هواه، ويتلاعب بالدين، ويجعل المذاهب خادمة لمصلحته. والمؤمن ينبغي أن يكون مع الحق، كان له أو عليه، وقد ذم الله تعالى المنافقين بقوله: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} (النور:47 - 49)، فقد أرادوا أن يدور الحق معهم، لا أن يدوروا هم مع الحق، كما هو شأن المؤمنين الصادقين.

وأما إن كان المسلم يتبع ما هو أرجح في نظره، وما هو أقوى في قلبه؛ فلا بأس أن يقلد الحنفية في أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، ويقلد الشافعية في أن سيلان الدم لا ينقض الوضوء، ويقلد المالكية في أن الماء لا ينجس إلا بالتغير؛ إذا اطمأن إلي الدليل في ذلك. وهذا ما نفتي به.

والله تعالى يوفقنا إلى التفقه في دينه، "فمن يرد الله به خيرًا يفقه في الدين"، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.