كثير من الناس يعيشون في حياتهم ويبذلون كل جهدهم وأوقاتهم لتحقيق هدف واحد وهو تحقيق مجدهم الشخصي، البعض الآخر ربما يعملون لتحقيق المجد العائلي أو القومي أو الوطني أو غير ذلك، ولكن المؤمن يسعى في هذه الحياة، ويجاهد، ويعمل، ويكتب، ويقاتل، وقلبه متجه لتحقيق غاية أكبر وأعلى وأسمى، ألا وهي إرضاء الله وإعلاء كلمته، "لتكون كلمة الله هي العليا".
فالإخلاص لله وابتغاء رضاه، قيمة عليا، ومبدأ عظيم، ينبغي علينا جميعا أن نتعلمها ونعمل لها، وكل مؤمن يحرص على إخلاص نيته لله، كي يتقبل الله منه عمله ويحظى بالحياة الطيبة في الدنيا وبالفوز العظيم بالجنة في الآخرة.
أهمية الإخلاص أن يكون العمل بهدف إعلاء كلمة الله.. هذا الحديث المتفق عليه عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
وهذا حديث عظيم في ضرورة إخلاص النية في الأعمال، وأن يكون الهدف من كل أعمالك أن تكون كلمة الله هي العليا. فالإخلاص هو روح العمل فإذا خلا منه عمل أصبح لا وزن له ولا قيمة، مهما كان العمل عظيما.
فمن بين صور القتال عند بعض الناس القتال شجاعة أو حمية أو رياء، وقد رفض الإسلام القتال من أجل إظهار الشجاعة والقتال أنفة وحمية والقتال رياء، فكل هذه الصورة مردودة ومرفوضة لا يقبلها الله، فالباعث على العمل يجب أن يكون إعلاء لكلمة الله سبحانه وتعالى.
فالذي يقاتل شجاعة الباعث عنده على القتال ليس إعلاء كلمة الله ولكن الباعث والمحرك له هو إظهار شجاعته في ميدان القتال وأن يدخل ميدان القتال ليظهر فيه شجاعته، فالأهم عنده هو صورته عند الناس، وأن يحظى بالمديح والثناء، وربما بالجوائز والتقديرات، فمثل هذا التفكير والسلوك لا يجعل صاحبه في سبيل الله.
والذي يقاتل حمية لقومية أو قبيلة فالمحرك والباعث له هو العصبية المذمومة، فقد يتعصب إنسان لقرابته أو طائفته أو عرقه، وهذه العصبية قد تعميه عن الحق وعن الخير وقد تقوده إلى الظلم والفساد وأكل حقوق الناس، وهذه أمور مذمومة تجعل صحبها لا يسير في سبيل الله.
أما الذي يقاتل رياءً ليرى مكانه بين الناس ويشار إليه بالبنان فيفقد ثواب عمله، ولا يأتي عمله متقنا، وإنما يتقن عمله طالما رآه الناس، فإذا ابتعد عن الأعين أو ابتعد عن الكاميرات، أهمل عمله ولم يتقن فيه، وهذا أمر مذموم، يتعارض مع أسس السير في سبيل الله.
أما الإنسان الذي اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه في سبيل الله فهو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أي أنه ليس له غرض من القتال إلا نصرة الله ونصرة دينه وإعلاء كلمته وإحقاق الحق وإبطال الباطل.
وقياسا على الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، يمكننا أن نقول إن الذي يكتب لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأن الذي يتكلم لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأن الذي يعمل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وهكذا، والله أعلم.
ومن هنا يجب أن تكون النية محور اهتمامنا، ويجب نعالج نيتنا أولا بأول، وأن نصححها ونجعلها خالصة لوجه الله وحده، لا نريد جزاء ولا شكورا من أحد غير الله.
فالمؤمن الصادق يتجرد من كل الأهواء والأغراض الدنيوية كحب الجاه والزعامة والمال والشهرة وغيرها ويجعل همه الكبير وشغله الشاغل إعلاء كلمة الله في هذه الحياة.
وكان الصالحون يتواصون فيما بينهم بالاهتمام بأمر النية، وبتعلم النية، لأهميتها ومكانتها عند الله وأثرها في الواقع. لا سيما الدعاة وحملة رسالة الإسلام.
ولذلك علينا أن نخلص ديننا وأعمالنا وسعينا لله حتى لو كره الكارهون، وذلك استجابة لهذا الأمر الجازم من الله للمؤمنين أن: {ادعـوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون}.. "ولن يرضى الكافرون من المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله وأن يدعوه وحده دون سواه، ولا أمل في أن يرضوا عن هذا مهما لاطفوهم أو هادنوهم أو تـلمسوا رضاهـم بشتى الأساليب. فليمض المؤمنون في وجهتهم، يدعون ربهم وحده ويخلصون له عـقـيدتهم، ويصفون له قـلوبهم. ولا عليهم رضي الكافـرون أم سخطوا، وماهـم يوماً براضين".