وعد الله عز وجل بنصر دينه ورسوله وجنده المؤمنين وإظهار دينه على الدين كله ولو كره المشركون، كما وعد بإعلاء كلمته وإتمام نوره ولو كره الكافرون.
وتأتي الأحداث الكبرى ليتميز الناس بين مؤمن يوقن بصدق وعد الله فيعمل لتحقيق هذا الوعد ونيل هذا الشرف، وبين منافقون يشككون في الوعد، ويرددون كما ردد الذين من قبلهم ويقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
يقول الشهيد سيد قطب ـ رحمه الله ـ إن "وعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قل عددها- قائم في كل لحظة، وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف، وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة".
يقول الله عز وجل في سورة النور: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)﴾. ويقول الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18)
وبمثل هذه الآيات الكريمة يغرس القرآن الكريم في قلوب المسلمين الثقة في نصر الله لدينه والثقة في صدق تحقيق وعده، فيمضي المؤمنون في مسيرة الإيمان ينصرون الله ورسوله حتى لو خالفتهم الدنيا بما فيها.
وقد قرَّر القرآن عدة حقائق إيمانية، وأوضح وعود الله بنصر الدين والحق، ومن بين هذه الوعود:
1 - الوعد بنصر الله للحق على الباطل، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81) ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (غافر: من الآية 78).
2 - وعد الله بنصر الإسلام ونشر الهدى ودين الحق وإظهاره على الدين كله حتى ولو كره المشركون، كما جاء في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33).
3 - وعد الله المؤمنين بالنصر والتمكين في الأرض، ووعد بنصر جنده العاملين، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ (الصافات:171) ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ (الصافات: 172) ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات:173) ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21).
4 - أوضحت آيات القرآن الكريم أن هلاك الكافرين وأخذ الظالمين سنة من سنن الله في الحياة، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ﴾ (المرسلات: 16) ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ﴾ (المرسلات: 17) ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ (المرسلات: 18).
النصر يأتي في موعده
يؤمن المؤمنون بأن نصر الله آتٍ لا ريبَ فيه، ويعلمون أن هذا النصر يأتي في موعده الذي يقدّره الله وفق علمه وحكمته، وهو غيب لا يعلم موعده أحد من البشر، وكما قال العلماء إن "الدعاة هم أُجَراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم، ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مجال، فذلك شأن صاحب الأمر وصاحب هذه الدعوة لا شأن الأجير".
من شروط النصر
المطلوب أولا من المؤمنين أن يحققوا شروط النصر، ومنها أن ينصروا الله وينصروا دينه ويطيعوا الله ورسوله، كما قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7)
أي إن تنصروا الله في أنفسكم وفي كل شئون حياتكم، وحين تتخلَّص النفس من مطامعها وشهواتها ومن أحقادها ومن قيودها؛ وأن تعمل لنصر الله وإعلاء كلمته، وليس للحصول على مغنم دنيوي أو لأي غرض آخر.
ومن شروط النصر أيضا الصبر، فحين يصبر المؤمنون على البأساء والضراء، حين يصبرون ويتقون، حين يصبرون على أذى الكافرين والمشركين، هنا سيأتي بعد ذلك نصر الله للمؤمنين. واستمع إلى بشرى حبيبك المصطفى- صلى الله عليه وسلم- حين قال: "واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا".
نماذج من نصر الله للمؤمنين
انظر إلى سيدنا نوح عليه السلام وهو يلجأ إلى الله بقوله: ﴿أَنِّيْ مَغْلُوْبٌ فَانْتَصِرْ﴾ ثم يأتي الفرج القريب والنصر العظيم بإهلاك الظالمين ونجاة المؤمنين.
انظر إلى نصر الله لسيدنا موسى على فرعون الذي استكبر وتجبر في الأرض، وجاء وعد الله تعالى لعباده المؤمنين في قوله ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 6)، فنصر الله موسى وبني إسرائيل ونجاهم رغم ضعفهم، وأغرق فرعون وجيشه وهم في أوج قوتهم واستكبارهم وتجبرهم.
انتصار طالوت على جالوت: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.. (251)﴾ (البقرة).
وانظر إلى صدق تحقيق وعد الله بنصره للنبي- صلى الله عليه وسلم- وقد اجتمعت عليه قريش وألقوا الشوك في طريقه وتأتي ابنته فاطمة لتُزيح ذلك عنه وتطيِّب جراحه وتسأل نصر الله، فيرَى ذلك في عينيها فيبتسم في ثقةٍ ويقول لها: "إن الله ناصر أباك" ويصل الأذى والتعذيب مدَاه، فيقول للصحابي- حين قال له ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ -: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"، وحينما بلغت القلوب الحناجر واجتمعت الأحزاب حول المدينة يبشرهم بفتح بلاد الشام وبلاد اليمن وبلاد فارس، وهنا يقول المؤمنون الصادقون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 22).