ممدوح الولي

رغم القيود التي فرضها البنك المركزي المصري على الواردات خلال العام الماضي، إضافة إلى اشتراط وزارة المالية الحصول على موافقة مسبقة قبل شحن البضائع من دول الاستيراد كوسيلة أخرى للتحكم بالواردات، واشتراط وزارة التجارة والصناعة الحصول على موافقة مسبقة على المصانع الخارجية التي سيتم الاستيراد منها، فقد زادت الواردات السلعية خلال العام الماضي بنحو 5.3 مليار دولار، لتصل إلى 94.5 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق تاريخيا، حيث تحول كثير من المستوردين من الاستيراد عبر الموانئ البحرية التي تخضع لشرط الموافقة المسبقة على الشحنات المستوردة، إلى الاستيراد عبر الموانئ الجوية التي لم تنضم بعد بشكل إجباري إلى منظومة الموافقة المسبقة.

والنتيجة ارتفاع نصيب الاستيراد عبر المطارات إلى 83 في المائة، من قيمة الواردات في العام الماضي مقابل 27.5 في المائة بالعام الأسبق، وهو ما جاء على حساب الموانئ البحرية التي تراجع نصيبها من قيمة الواردات من 65 في المائة بالعام الأسبق إلى أقل من 17 في المائة العام الماضي.

وحتى هذا الرقم الذي أعلنه جهاز الإحصاء الحكومي للواردات نقلا عن مصلحة الجمارك والبالغ 94.5 مليار دولار، لا يعبر عن واقع الواردات المصرية، حيث أن الرقم الحقيقى أكبر من الرقم المُعلن بإقرار المسؤولين، لأسباب منها أن المراجعات التي يقوم بها جهاز الإحصاء بعد فترة تقود إلى رقم أكبر مما تم إعلانه، ففي عام 2021 تم الإعلان عن رقم الواردات 83.5 مليار دولار، لكنه بعد فترة تم تعديل الرقم بالزيادة إلى 89.2 مليار دولار.

مطلوب أكثر من 8 مليار دولار شهريا

السبب الثاني أن الكثير من الموردين يخفضون قيمة فواتير الشراء، سعيا نحو دفع قيمة جمارك أقل عليها، والسبب الثالث أن الأرقام الرسمية للواردات لا تشمل ما يتم تهريبه عبر الحدود من العديد من السلع، حتى أن سوق الأقمشة في منطقة الأزهر التجارية في القاهرة تعتمد أساسا على الأقمشة المهربة، ومثل ذلك في سوق أجهزة التلفون المحمول وغيرها من الأسواق السلعية. والسبب الرابع هو عدم تضمن البيانات الرسمية استيراد العديد من السلع الممنوعة مثل السلاح والمخدرات.

وإذا كان المتوسط الشهري لقيمة الواردات الرسمي العام الماضي قد بلغ 7.872 مليار دولار، فإن هناك حاجة لتدبير قدر أكبر من الدولارات شهريا، لتلبية الاحتياجات الأساسية للاستهلاك البشري والإنتاجي، وهو ما يضاف إلى الاحتياجات الدولارية لتلبية الواردات الخدمية من سياحة خارجة وتعليم وعلاج في الخارج، وعوائد الاستثمارات الأجنبية الخارجة من البلاد، ومدفوعات سداد أقساط وفوائد الديون.

وإذا كان السوق قد أثبت أنه أقوى من الإجراءات الحكومية التي سعت لخفض الواردات في ظل نقص العملات الأجنبية المستمر حتى الآن، فإن زيادة الواردات أمر سيتكرر في العام الحالي والأعوام المسبقة سواء اتخذت الحكومة إجراءات لتقييد الواردات أم لم تتخذ، لأن هناك زيادة طبيعية للسكان بلغت خلال عام 2021 نحو 1.443 مليون شخص، كصافي بين عدد المواليد وحالات الوفيات.

وهو حجم سكاني له احتياجاته، في مجتمع تمثل فيه الواردات النصيب الأكبر لتوفير الطعام، في ضوء انخفاض نسب الاكتفاء الذاتي من العديد المحاصيل كالقمح والذرة وزيوت الطعام والسكر وغيرها سواء لتغذية الإنسان أو الحيوان، حيث بلغت قيمة السلع الغذائية المستوردة في العام الماضي 13 مليار دولار والسلع الزراعية المستوردة 12 مليار دولار.

63 في المائة من مكونات الصناعة مستوردة

وكذلك الحاجة لاستيراد مستلزمات الصناعة، حيث يشير التوزيع النسبي لسلع الواردات إلى تصدر السلع الوسيطة، من أجزاء للآلات والسيارات ومصنوعات حديدية ونحاسية وكيماويات بنسبة 37.6 في المائة، والمواد الخام من تبغ وحديد ورخام وفول صويا 13.2 في المائة، والسلع الاستثمارية من آلات ومعدات وأجهزة وسيارات 12 في المائة، مما يعني بشكل واضح أن الصناعة المحلية تعتمد على نسبة 62.8 في المائة مكونات مستوردة.

وهذا بخلاف الوقود الذي يمثل نسبة 15.2 في المائة من الواردات والذي ما زال فيه عجز سواء في النفط الخام أو المنتجات البترولية، والسلع الاستهلاكية وغير المعمرة التي تمثل نسبة 22 في المائة، حيث ما زال الإنتاج المحلي من العديد من السلع الاستهلاكية المعمرة يعتمد على التجميع للمكونات المستوردة، ومن السلع الاستهلاكية غير المُعمرة غير كاف للاستهلاك المحلي، ومنها اللحوم والأسماك والعدس والشاي والأعلاف والفول ومنتجات الألبان والأدوية.

وهو ما يعني بشكل مباشر أنه لزيادة الصادرات الصناعية، لا بد من زيادة الاستيراد للمكونات التي تدخل في تصنيع تلك السلع، وهو ما يتكرر بالكثير من السلع الزراعية التي يتم تصديرها بما تحتاجه من استيراد بذور وتقاوي ومبيدات وآلات للري وآلات للحصاد.

وحتى تتم زيادة الدخل السياحي فلا بد من استيراد العديد من المستلزمات السياحية من أغذية وتجهيزات ومعدات، وحتى يزيد دخل قناة السويس فلا بد من الإنفاق على القاطرات ولنشات الإرشاد وقطع الغيار اللازمة للوحدات البحرية والأجهزة الخاصة بإدارة الحركة، كذلك حاجة المشروعات القومية التي يقوم النظام الحاكم من مدن جديدة ومشروعات نقل من مستلزمات مستوردة.

حتى زيادة تحويلات العاملين في الخارج ترتبط بالواردات، حيث يحتاج الأمر إرسال تحويلات لبناء منزل للأسرة لشراء العديد من السلع المستوردة سواء خلال عملية البناء أو التشطيب، كما يتطلب الأمر إرسال تحويلات لتزويج البنات أو الأخوات وشراء العديد من السلع المستوردة للتجهيز لمنزل الزوجية.

عشر دول تستحوذ على 59 في المائة بالواردات

وتتميز الواردات المصرية ببعض السمات أبرزها التركز، سواء في السلع التي يتم استيرادها أو في الدول التي يتم الاستيراد منها، حيث استحوذت أكبر خمس سلع من حيث القيمة على نسبة 27 في المائة من إجمالي الواردات، وهي المنتجات البترولية بقيمة 7.3 مليار دولار، والمواد الأولية من الحديد والصلب 5 مليارات، واللدائن بأشكالها الأولية 4.7 مليار، والبترول الخام 4.4 مليار، والقمح 4.2 مليار دولار.

وبإضافة خمس سلع أخرى هي: المواد الكيماوية والأدوية والذرة وفول الصويا وسيارات الركوب، يصل نصيب السلع العشرة في 43 في المائة من الإجمالي، كما يصل نصيب السلع العشرين الأولى إلى 58 في المائة من إجمالي الواردات، وذلك بإضافة الغاز الطبيعي بقيمة 1.9 مليار دولار، والنحاس ومصنوعاته والخشب ومصنوعاته، وخامات الحديد والزيوت المكررة واللحوم بقيمة 1.5 مليار دولار، والخيوط ومنتجات الألبان وأجهزة السنترالات والأسماك بقيمة 871 مليون دولار.

ويتكرر التركز مع دول الاستيراد، حيث تستحوذ الصين وحدها على نسبة 15 في المائة من إجمالي الواردات، تليها السعودية فالولايات المتحدة وروسيا والهند، ليصل نصيب الدول الخمس الأولى 39 في المائة من الإجمالي، وبإضافة ألمانيا وتركيا والبرازيل وإيطاليا والكويت يصل نصيب الدول العشر 59 في المائة من الإجمالي.

وبمقارنة أكبر الدول الموردة لمصر خلال العام الماضي في العام الأسبق، نجد أن الدول الثلاثة الأولى الصين والسعودية والولايات المتحدة ظلت في نفس مراكزها، حيث تحتفظ الصين بالمركز الأول منذ عام 2012 بلا انقطاع، كذلك ظلت نفس الدول العشر الأولى ضمن القائمة مع تعديل في الترتيب، باستثناء دخول الكويت محل الإمارات، والتي جاءت بالمركز الحادي عشر لدول الواردات.

أما من حيث قارات الاستيراد فقد تصدرت قارة آسيا شاملة الدول العربية غرب القارة بنسبة 41.8 في المائة، تليها قارة أوروبا بنسبة 40.8 في المائة، والتي كانت تحتل الصدارة لعقود، وأمريكا الشمالية 6 في المائة وأمريكا الجنوبية بنسبة 5.5 في المائة بسبب البرازيل والأرجنتين، وأفريقيا 3 في المائة بسبب الدول العربية في شمال القارة، والأقيانوسية (استراليا ونيوزيلندا) أقل من الواحد في المائة، وأمريكا الوسطى بنسبة واحد بالألف.

وهو تركز ليس من السهل تعديله لعوامل تتلق بالسعر والتكلفة، في ظل العوامل السياسية التي تحكم قرارات الاستيراد، ومن ذلك أنه من أسباب مشاركة الدول الغربية في غزو العراق، قيام الرئيس صدام حسين بتركيز الواردات حسب الدول المساندة لنظامه، كذلك سعي الدول الغربية على نيل جانب معتبر من الواردات الإيرانية. وكذلك صمت الدول الغربية عن انتهاكات النظام المصري لاقتناصها حصة جيدة من وارداته السلعية والعسكرية، وسعى النظام الجديد في ماليزيا للتعاون مع النظام المصري أملا في حصة أكبر من الواردات المصرية.