هذه وقفات مختصرة في فاجعة زلزال ترکیا وسوريا، وبالذات حول دور الإيمان بالله، في الثبات النفسي في مثل هذه الفواجع

ينص علم النفس الإسلامي على أن الإيمان بالله جوهري وأساسي، في الصحة النفسية العامة في حال الرخاء والسلم، وفي الثبات النفسي وقت الأزمات والفواجع.

المهم ونقطة البداية هو طبيعة علاقتك مع الله وحقيقة إيمانك.

🔹 ليس دور الإيمان بالله وأهمية علاقتك معه سبحانه وتعالى، أن يجعل لك أفضلية في هذه الحياة الدنيا، بحيث لا تصيبك الآلام ولا الأوجاع ولا الأمراض، ولا تتعرض للكوارث والأزمات والفواجع.

🔹 يظن البعض أن الإيمان والعلاقة مع الله، هي علاقة مقايضة. أنا أؤمن بك وأعبدك، وأنت تجعل حياتي جيدة وتحميني من المصائب والأزمات والآلام والفواجع.

يظنون أن المؤمن يجب أن يحصل على مكافأته من الله، معجلة في هذه الدنيا.

🔹 من كان يظن أن هذا هو دور الإيمان، هم أكثر الناس تضررا، وأكثرهم ارتباكا وتشتتا وقت الأزمات والفواجع.

لم يأت في نص في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة والتابعين أو كلام العلماء على أن هذا هو الدور المطلوب من الإيمان.

على العكس تماما الإيمان ليست هذه وظيفته.

وإنما له وظيفة أهم وأكبر وأقوى وأعمق وأثرا.

🔹 وظيفة الإيمان والعبادة هو نجاتك في الآخرة.

ولكن لهما أيضا وظيفة في الدنيا في غاية الأهمية.

في وقت الرخاء والسلم، يكون دور الإيمان والعبادة تقوية بنائك النفسي، وضبط بوصلتك، وتحديد اتجاهاتك ومعاييرك، وانشراح صدرك، وسكينة بالك وصفاء قلبك.

🔹 وفي وقت الأزمات والفواجع، يكون دور الإيمان والعبادة الثبات الثبات. ومدك بالقوة في مواجهة هذه الفواجع والأزمات، التي لا نجد فهما لها بحسب معايير الدنيا، في كثير من الأحيان.

🔹 من غير الإيمان قادر أن يمدنا بالثبات في مثل هذه الأهوال العظيمة؟

حين ترى أحبابك تحت الأنقاض وأنت عاجز عن إنقاذهم.

أو حين تكون أنت وإياهم بين الصخر والحديد مسجونون، وتمر الدقائق كالدهر الطويل.

بين الرجاء واليأس، في ميعة المجهول.

🔹 الإيمان والعبادة يساعدانك على فهم ما يحصل.

لا يمكنك استيعاب الأزمات والفواجع بحسب معايير الدنيا المادية. لا يمكن للعلوم التجريبية والطبيعية أن تعطينا إجابات تسكن بها قلوبنا وترتاح بها ضمائرنا.

🔹 بالإيمان تفهم أن هذه الفواجع والأزمات، هي جزء من طبيعة هذه الحياة التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فهو لم يخلقها جنة أرضية، ولم يجعلها خالية من الألم والفجيعة، ولم يكتبها فردوسا أرضيا، نعيش فيه في النعيم بلا معاناة ولا تكدر.

🔹 أبدا بل إنه سبحانه وتعالى ذكرنا مرارا وتكرارا، أن هذه الدنيا مرحلة زمنية قصيرة، وأن فيها من الكبد والألم والمعاناة، ما يتفاوت الناس في مقدار ما يحصلونه منها.

وأن الله جعلها كذلك، لأنها ليست ذات قيمة عنده، إنما القيمة هي في الآخرة.

🔹 بالإيمان وحده رأينا هذه المشاهد الإيمانية من المؤمنين، في فاجعة الزلزال الأخيرة.

وما كان لهم أن يتكلموا بهذه الأحوال النورانية لولا الإيمان بالله.

ألم تشاهد بسماتهم؟

ألم تسمع تكبيراتهم؟

ألم تطرب لدعائهم واسترجاعهم وحوقلتهم؟

🔹 الإيمان بالله وبالقدر والقضاء، ما نحب منه وما نكره، هو الذي يريحنا من الشك والريبة والتردد وسوء الظن. وهو الذي يشفي الغليل في الأسئلة المقلقة والأزمة الوجودية.

🔹 الإيمان بالله واليوم الآخر هو الذي يجعلنا نتسامى على الألم والفقد والحزن والقهر. لأننا موقنون أن الله سبحانه وتعالى سيعوض المؤمنين في الآخرة تعويضا ينسيهم كل لحظات الألم والمعاناة.

🔹 الإيمان بالله هو العوض بأن يجمعنا بأحبابنا الذين فقدناهم في هذه الفواجع والأزمات.

لولا الإيمان باليوم الآخر لمات المكلومون كمدا على فراق من يحبون، لكنهم يعلمون أنهم سيلتقون بهم في يوم آخر وفي حال أفضل بإذن الله تعالى

🔹 الإيمان بالله هو الذي يمنحك هذه القوة العظيمة، في احتساب الأجر والثواب، ورؤية ما وعدك الله سبحانه وتعالى به، إذا صبرت واحتسبت. الاحتساب معناه أن تقول: يا الله سأصبر على هذا البلاء والألم رجاء ما عندك من الخير في الدنيا والآخرة.

قل لي بربك هل خالق غير الله قادر أن يعدك هذه الوعود وأن يفي بها سبحانه وتعالى؟

🔹 الإيمان بالله هو الذي يمنحك السلوان، في أخذ حقك، من كل من ظلمك أو خذلك أو تواطأ عليك أو تاجر بقضيتك أو تقاعس في نصرتك وعونك وهو قادر على ذلك.

🔹 الإيمان بالله هو الذي يربط على قلوب الناس أوقات الشدة، وهو الذي يسكن القلوب حال الرجفة، وهو الذي يهدئ الروع زمن المخاوف.

🔹 الإيمان بالله هو الذي يحميك من أسئلة الشك والريب العبثية التي لا معنى لها.

لم هذا؟ ولماذا أنا؟ ولماذا الآن؟ وماذا فعلت؟ وما ذنبي؟

لا جدوى من مثل هذه الأسئلة. ولا إجابة لها بدون الإيمان.

وبعد: فإني تعلمت من وجوه المؤمنين تحت الأنقاض،

ومن بسماتهم حين يخرجون،

ومن شكرهم لله حين ينجون،

ومن تكبيراتهم ودعائهم استرجاعهم،

تعلمت منه ما لم أتعلمه في الجامعات والمدارس.

🔹 ألا فهنيئا للمؤمنين.

إن أمرهم كله خير إن أصابتهم الشدة والضراء والفواجع، صبروا واحتسبوا. وإن جاءهم الخير والرخاء حمدوا وشكروا ولم يبطروا.

آمنت بالله وحده.

الدكتور خالد الجابر