كان الإمام الشهيد حسن البنا رجل العقيدة بحق ، وقد صور الإمام الشهيد حسن البنا في كتابه " العقيدة وشخصية رجل العقيدة" حال رجل العقيدة وما أخاله إلا أنه كان يتحدث عن نفسه في وصفه لشخصية رجل العقيدة ، ولن نحصي كل مفردات الجانب العقائدي في حياة الإمام الشهيد ، لكننا سنستعرض بعضا منها :

1 – التوكل على الله :

التوكل على الله باب كل خير ، به يفتح الله أبواب الرزق المغلقة ، وبه يكون الله كافيًا عباده كل مشقة ، ، وهذا المعنى مطلوب تعميقه في نفس كل مسلم عامة وفي قلب كل داعية خاصة حتى لا يعرف لليأس طريقاً ولا يتسرب القنوط منه إلى نفسه أبداً ، وهكذا كان الإمام البنا – رضي الله عنه – متوكلاً على الله حق توكله ، ولم يخب ظنه بالله حتى في أحلك الظروف وأشدها .

حين رغب الإخوان في شراء قصر آل " أبو الحسن " وهو المبنى الضخم المقابل لدار المركز العام للإخوان في ميدان الحلمية الجديدة ، لم يكن في خزانة الجماعة غير مائتي جنيه فقط بينما المبلغ المطلوب أربعة عشر ألفًا من الجنيهات، وحين طلب أصحاب القصر مبلغ خمسمائة جنيه عربونًا على أن يتم سداد باقي المبلغ بعد كتابة العقد بشهر .

هنا هتف حسن البنا قائلاً : شيء عظيم ، اشترينا القصر إن شاء الله ، وهو يعلم أن الخزانة ليس بها إلا مائتا جنيه ، لكنه متوكل على الله ويوقن أن الله سيجعل له من أمره يسراً ، وما دام القصد إرضاء الله تعالى ، والغاية إعلاء كلمة الله فلن يخيب هذه المساعي الحميدة .

فيسأله أحدهم: من أين لنا بباقي المبلغ ؟ فيرد عليه الإمام البنا : توكل على الله .

فتسري هذه الكلمات في وجدان الرجل ولا يجد وسيلة لتدبير بقية العربون إلا أن يبيع " حلي زوجته " ويستكمل باقي العربون كدين عليه وأحضر قيمة العربون .

وبينما الإخوان يفكرون في تدبير ثمن شراء القصر إذا بأبواب الخير تنفتح عليهم ، فيأتي أحد المحبين لزيارة الإمام البنا فيخبره بأن الإخوان عقدوا العزم علي شراء القصر المقابل ، فيسأل : ولماذا لم تنتقلوا إليه ؟ فيجيبه بأنهم دفعوا العربون فقط وأن تسليم القصر يكون بعد دفع مبلغ ألف جنيه ، فإذا بالرجل يعلن عن تبرعه بمبلغ خمسمائة جنيه في الحال حتى يتمكن الإخوان من استلام القصر والانتقال إليه .

وفي أول حديث ثلاثاء أعلن عن شراء القصر المقابل للمركز العام ويُفتح باب التبرع لهذا الغرض ، وطلب الإمام أن يساهم كل أخ مستطيع في عملية الشراء وقال : لا أريد أن أحرم أحداً من الإخوان المسلمين في أنحاء القطر أن يكون له حجر أو لبنة في المركز ، وفي أقل من شهر استكمل المبلغ وزادت التبرعات عن المبلغ المطلوب .

فسارع الإمام البنا وأعلن غلق باب التبرع لحساب الشراء .

وهكذا صار للإخوان مركز عام ضخم يستوعب الكثير من أوجه نشاطهم ، خاصة حديث الثلاثاء الذي أصبح مقياسًا صادقًا ومعبراً بوضوح عن قوة الإخوان في المجتمع المصري .

فمن مبلغ صغير في الخزانة محبوس أصبح للجماعة منارة عظمي تفد الوفود والجموع إليها .

2 – اليقين في نصر الله :

إن الإنسان الطموح إلي غاية سامية وهدف عظيم إذ لم يكن متيقنًا من الوصول إلى غايته فإنه لم يصل إليها ، لأن اليأس سوف يستبد بقلبه ويسيطر علي مشاعره ، ويستسلم له فيقعده عن العمل ، وقد كان هذا المعنى متمكنًا من قلب الإمام البنا ، ظهر ذلك في خطته التي كان يلح فيها ويركز على بعث الأمل ، وبث الثقة في نفوس إخوانه ضاربًا الأمثلة الحية من سيرة الرسول – صلي الله عليه وسلم – كموقفه من غزوة الأحزاب .

في هذا الجو الرهيب شديد البرد، والأعداء كثر، استعصي حجر من الأحجار علي الصحابة، فأخذ رسول الله – صلي الله عليه وسلم – المعول وضربه وقال: " بسم الله الله أكبر، فتحت عليكم الروم، والله إني لأنظر إلى قصورها البيضاء.. ) .

بمثل هذه المعاني كان يتحدث البنا مع إخوانه ، ولم يكن ذلك أقوالاً فقط بل كانت أفعالاً أيضًا ، فعندما اعتقل بعد مقتل أحمد ماهر ازداد يقينًا في نصر الدعوة وكتب إلى إخوانه من خلف القضبان في 16/3/1363هـ يقول : إن ما نلقاه الآن ليس جديداً علينا ولا هو من المفاجآت في طريق دعوتنا ، فكذلك كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء ، وقد حقق لنا القوم بهذا ما كنا نتمثل به من قبل : " إن سجني خلوة وقتلي شهادة وتغريبي سياحة " ، وقد نقلونا بهذه المحنة نقلة واسعة إلى الأمام والحمد لله ، ووقفوا بنا علي طريق معبد من طرق الدعوة ، وهذا أول الخير وأنا به جد متفائل وأعتقد أن وراء ذلك الفتح العظيم إن شاء الله .

3 – يرضي بالقضاء والقدر :

كان الإمام الشهيد رضوان الله عليه يؤمن بالقضاء والقدر إيمانًا راسخاً ، لا عن طريق الدراسة والتعليم فقط ؛ وإليك قوله في هذا :

- إن إيماني بالقضاء والقدر ، والرزق والأجل ، ليس نتيجة الدراسة والتسليم والإيمان بالنصوص فقط ، ولكنه نتيجة التجارب والمشاهدة ، فقد تعرضت للموت في صغرى أكثر من مرة وبصورة مختلفة ، وكانت نجاتي بأعجوبة ، فوجئت أنا وأخي عبد الرحمن ونحن صبيان نلعب في " الحارة " بانقضاض بيت كامل فوق رءوسنا ، ولم ينجنا إلا استناد السقف علي " درابزين " السلم فأصبحنا في مأمن بالفراغ الناشئ عن ذلك حتى رفعت الأنقاض وخرجنا سالمين " .

- ووقعت من فوق سطح يرتفع عن الأرض أكثر من ثمانية أمتار ولكن الله سلم فجاءت الوقعة في " ملطم المونة " فلم تحدث إصابة .

- وتقدمت لإطفاء النار في منزل اندلعت ألسنتها فيما على سطحه من وقود على عادة الريف ، فامتدت النار إلى ثيابي وأطرافي ، ولكن فرقة الإطفاء كانت قد أقبلت ، وقدر رجالها هذا الموقف من ناشئ صغير ، فوجهوا إليّ خراطيمهم ، ونجوت بذلك من احتراق محقق .

وكان – رضي الله عنه – ينزل عليه القضاء ، فيرضي به ، بل ويشكر عليه كأنه برد وسلام على قلبه ، لدرجة أنه لا يغير من برنامجه شيئًا ، ويشهد بذلك موقفه من موت ابنه ، فيقول أنور الجندي : كان قد دعا إلي " كتيبة تبيت بالمركز العام ، يتحدث معهم إلي هزيع الليل ، ثم ينامون ساعة أو ساعتين ، ثم يستيقظون لصلاة الفجر ، كان قد ذهب إلي المنزل فوجد ابنه في حالة الخطر ، وعلى شفا الموت ، وكان موعد الكتيبة قد اقترب فانصرف إليها ، وبينما هو يتحدث معهم في بشاشته المعهودة ، جاء من يسرٌ إليه أن ابنه توفي ، فما زاد على أن قال له بضع كلمات تتعلق بغسله وتكفينه .. وواصل حديثه مع أعضاء الكتيبة ونام معهم ، وفي الصباح أمر بمن يذهب به إلى القبر .

منقول بتصرف من كتاب – أوراق من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين – للأستاذ – جمعه أمين عبدالعزيز – رحمه الله