نقف مع صفحة من تراث الإمام المجدد حسن البنا في رسالة (الإخوان تحت راية النبي محمد وفي سبيل هديه)، وهي الرسالة المعروفة بين الإخوان برسالة: (الإخوان تحت راية القرأن).

ومما ورد فى الرسالة تحت عنوان (عدتنا) ذكر الإمام البنا:

«هذه غايتنا أيها الناس، وهذا منهجنا، فما عدتنا لتحقيق هذا المنهاج؟

عدتنا هي عدة سلفنا من قبل، والسلاح الذي غزا به زعيمنا وقدوتنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحابته من بعده، مع قلة العدد وقلة المورد وعظيم الجهد:

– بالله ونصره وتأييده: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ) آل عمران:160

– وبالقائد وصدقه وإمامته: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب:21.

– وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة 15-16

– وبالإخاء وحقوقه وقدسيته: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات:10

– وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التوبة:120

– وبأنفسهم: فهم الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين، وكتب لهم الفضل بذلك، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

لقد سمعوا المنادي ينادي للإيمان فآمنوا، ونحن نرجو أن يحبب الله إلينا الإيمان، ويزينه في قلوبنا كما حببه إليهم وزينه من قبل في قلوبهم، فالإيمان أول عدتنا.

ولقد علموا أصدق العلم وأوثقه أن دعوتهم هذه لا تنتصر إلا بالجهاد، والتضحية والبذل وتقديم النفس والمال، فقدموا النفوس وبذلوا الأرواح، وجاهدوا في الله حق جهاده، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم: (قُلْ إِنْ كَأنَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإخوانكم وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (التوبة:24).

فأصاخوا للنذير، وخرجوا عن كل شيء، طيبة بذلك نفوسهم، راضية قلوبهم، مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به.

يعانق أحدهم الموت وهو يهتف: «ركضا إلى الله بغير زاد».

ويبذل أحدهم المال كله قائلا: «تركت لعيالي الله ورسوله».

ويخطر أحدهم والسيف على عنقه:

ولست أبالي حين اقتل مسلما .. على أي جنب كان في الله مصرعي

كذلك كانوا: صدق جهاد، وعظيم تضحية، وكبير بذل، وكذلك نحاول أن نكون. فالجهاد من عدتنا كذلك.

ونحن بعد هذا كله واثقون بنصر الله، مطمئنون إلى تأييده:

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَأمُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج: 40-41)

سنعتد – أيها الناس – اليوم بهذه العدة، وسننتصر كما انتصر أسلافنا بالأمس القريب، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، وسيتحقق لنا وعد الله تبارك وتعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) القصص 5-6، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) الروم 60».(1)

تعقيب: والمتأمل فى هذا الكلام الجامع، والأسلوب الماتع للإمام البنا، يجد فيه من التوفيق الرباني والشمول البياني ما فيه، لأن أي جماعة أو فئة تعتد بهذه العُدة، وتستمد قوتها من هذا المدد، سيكون النصر حليفها والتأييد نصيبها.

إنها معالم طريق المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه، حين أعزهم الله ونصرهم وأيدهم، وفتح لهم وبهم البلاد وقلوب العباد، رغم قلة العدد وقلة المورد.