بقلم: شعبان عبدالرحمن*

انتهي المونديال وعاد كل إلي دياره حاملا حصيلته من أحداث وذكريات.. ويوما بعد يوم تتبخر الأحداث من الذاكرة وتتلاشي الذكريات، لكن ..بعد هدوء أمواج ذلك المونديال الفريد وصفاء مياهه تبرز الحقائق المتولدة عنه واضحة جلية ، مقدمة معالم جديدة لمشروع الغرب ومعتقداته وسلوكياته في المرحلة القادمة .

وبينما انصرف الحاضرون والمتابعون كل إلى حال سبيله بعد قضاء وقت جميل ، انصرفت الدوائر الغربية ومراكز البحث والتحليل والاستقراء ... السياسية والفكرية والدينية والاستراتيجية  ، إلى تحليل ما جرى وبناء رؤاها وخططها حول كيفية التعامل معها في المستقبل باعتبارأن الحقائق التي تجلت تعد مؤشرا على الجديد في توجهات الشعوب ومعتقداتها وثقافتها خاصة في منطقتنا العربية .

وأول تلك الحقائق التي تجلت بقوة وبتلقائية ، تزايد رفض الجماهير العربية للتطبيع مع العدو الصهيوني ، وهو ما مثل مفاجأة للدوائر الرسمية ولإعلام في الكيان الصهيوني بل وفي العالم .

لقد رسخت هرولة العديد من الانظمة العربية نحو التطبيع والسباق علي استضافة قادة الكيان المحتل في عواصمهم  وعقد اتفاقيات وشراكات قام الإعلام بتغطيتها بصورة رسخت في وعي  المتابعين أن العرب في غالبيتهم سقطوا في بئر التطبيع ، لكن المونديال جاء فكذب ذلك ، كاشفا عن تنامي رفض الشعوب لذلك التطبيع ، وكانت الصورة الأوضح متمثلة في العزوف الجماهيري شبه الكامل عن التعامل مع الإعلام الصهيوني الذي حضر لتغطية المونديال ، وقد حمل الرفض نماذج  فريدة وغاضبة كشفت عن الحقيقة المجردة في هذا الصدد وأكدتها الأعلام الفلسطينية التي كانت الأكثر حضورا في سماء المونديال ، فرغم أن فلسطين لم تشارك في المنافسة إلا أن علمها كان الأكثر حضورا ليس بيد جماهير شعب واحد ولكن بيد معظم الجماهير العربية .

لقد حل الوعي والحس الوطني والاسلامي محل الهوس والانهزام و كان ذلك مفاجئا للأوساط السياسية والشعبية الصهيونية وقد عبر عن ذلك شاحار بيرد يشفسكي الكاتب في صحيفة معاريف الإسرائيلية بالقول : سنتذكر نتائجها ( المونديال ) التاريخية لسنوات عديدة قادمة ، لكننا كمشاهدين إسرائيليين ، ربما اعتقد الأشخاص السذج أن قطار التطبيع الذي يغادر المحطة كان سيغير شيئا ما في قلوب العالم العربي تجاه إسرائيل . علي أي حال فإن كأس العالم الحالية أبرز تضامن العالم العربي ومحورية الرواية الفلسطينية فيه .

 المثلية ..وكأنها دين جديد

لكن المفاجأة الصادمة التي دوت خلال المونديال تمثلت في الاحتفاء الغربي الرسمي للمثلية (الشذوذ الجنسي ) .. ليس احتفاء من شريحة من المجتمعات وإنما من الحكومات والدول ذاتها وبالتالي برزت المثلية أشبه بدين جديد ، إذ وقع الرئيس الأمريكي يايدن في الثالث عشر من ديسمبر 2022م على قانون يحمي زواج وحُقوق المثليين ( الشواذ )  في الولايات ، وتلي ذلك بيوم واحد ( 14ديسمبر ) وبينما المونديال في ذروة نشاطه وفي مشهدٍ عدّه نشطاء حول العالم مُستفزًّا، أضاء البيت الأبيض ( مقر الحكم ) واجهة مبناه، بألوان علم المثليّة، وذلك دعماً منه للشّواذ، والشذوذ ! ناهيك أن البيت الأبيض يضم بين جنباته لأول مرة إمرأة  مثلية هي السيدة كارين  المتحدثة باسمه!

وقد سبق الفاتيكان الولايات المتحدة في الاعتراف بحقوق المثليين ، وتعج الكنيسة الكاثوليكية بعشرات الشواذ من القساوسة والكرادلة وسبق ذلك وتلاه فضائح جمة لإعتداءات جنسية داخل الكنائس وهزت عرشها ، لم يسلم منها الأطفال .

وفي يوم الجمعة  26يونيه 2021م  افتتح الرئيس الأمريكي جو بايدن ملهى بالس للمثليين في أورلاندو بولاية فلوريدا وأزاح الستار عن نصب تذكاري يعدوه نصبا وطنيا تكريما ل 94 من المثليين قُتلوا في إطلاق نار عشوائي فيه عام 2016 م ويومها حث الكونجرس على سن قوانين تحمي بوضوح الحقوق المدنية للمجتمع المثلي.

وقال بايدن وهو يوقع قانون تأسيس نصب بالس التذكاري الوطني في فلوريدا بحضور ناجين من الهجوم وأعضاء الكونجرس الذين عملوا لسن القانون “لن نتعافي بالكامل أبدا، لكننا سنظل نتذكر”.

إذا لم يكن بعض المظاهر الداعية للمثلية والمؤيدة لها خلال المونديال تصرفات فردية وإنما تصرفات مقصودة ومخطط لها وتحميها دول كبرى ، وهو ما يعني أن الشذوذ بات أشبه بدين جديد في الغرب تحميه وتروج له الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة بما يعني فرضه علي العالم !

وفي هذا السياق أخذت بريطانيا زمام المبادرة  بالإعلان عن ذلك عبرقيام وزيرة الرياضة البريطانية بالتجوال في أرض المونديال حاملة شارة المثلية ، لكن المسألة لم تمر حيث تمنع قيم الدولة المضيفة ذلك وفقا لمبادئ وقيم دينها الإسلامي الحنيف  ، فتم منع الوزيرة البريطانية على الفور من التجوال بالشارة الملعونة ومن قبل أعادت الحكومة القطرية طائرة الفريق البريطاني بسبب هبوطها حاملة شعار المثلية .

وفي المقابل برزت القيم الإسلامية معلنة عن نفسها وأهمها قيمة "العائلة "بظهور أمهات لاعبي الفريق المغربي إلى جوارأبنائهن الذين حققوا نتائج مبهرة فكان خير رد على الدعوات  المروجة للشذوذ وأثبت القريق المغربي أن قيم الإسلام ومبادئه تصنع الانتصارات وبصورة أذهلت العالم ، في وقت كانت الدعوة الإسلامية الواسعة للتعريف بالإسلام بصورة متحضرة جذبت المئات لاعتناق الإسلام .

وشارة الحروب الصليبية تتحدى

ولم تكن شارة المثلية وحدها تتحدى قيم الدولة المضيفة ، ولكن أيضا برزت شارة الحروب الصليبية ، فرغم منع "فيفا " جماهير كرة القدم البريطانية من ارتداء ملابس تحمل شعار “الحملات الصليبية” خلال مباريات المونديال ، قام أفراد من الجماهير الانجليزيةقبل مباراة انجلترا وفرنسا برسم الصليب على أنوفهم وأجزاءمن وجوههم ، تحايلا على المنع ، وذلك في إصرار غريب على التذكير والاعتزاز بتلك الحملات الدينية الأوروبية على بلادنابزعم الدفاع عن " الصليب "ضد المسلمين ، رغم أن المسلمينكانوا في ديارهم آمنين ، وتم غزو بلادهم وتخريبهاعلى يد تلك الحملات التي تمت بين عامي 1095 و1291، علي الشرق الإسلامي للاستيلاء على القدس والمنطقة المحيطة بها من الحكم الإسلامي.

على العموم فقد دحرالقائد المسلم صلاح الدين الأيوبي هذه الحملات وانتصر عليها في موقعة حطين ،لكن نوازع تلك الحروب مازالت تغلي كلما حانت الفرصة .

إنهم لا يتركون فرصة او مناسبة حتى ولو كانت رياضية إلا ويتفاخرون بثقافتهم وسلوكياتهم الشاذة ويتباهون بتاريخهم الملطخ بالدماء!

وفي المقابل قام الإعلام الألماني بالتحريض علي لاعبي المغرب واصفا إياهم بالتطرف والدعوة إلى الجهاد بسبب رفعهم أصبع السبابة (إشارة التوحيد ) ، بعد انتصارهم على البرتغال في نصف نهائي المونديال ، لكن هذا التحريض قوبل بسخط واسع من قبل مغردين قاموا بنشر صور لشخصيات غير مسلمة ترفع الأصبع ذاته، وبينهم بابا الفاتيكان، والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ...وكل أدرى  بدوافع اشارته التي لا علاقة لها بالتطرف ...وإلى ما ستكشفه الأيام من وقائع بناء على ما جرى خلال ذلك المونديال الفريد.

*مدير تحرير الشعب المصرية والمجتمع الكويتية - سابقا