تحقيق: هبة عبد الحفيظ وسارة محمد علي

التفوق العلمي والدراسي ليس مجرد صدفة، وإنما هو نتاج جهد متواصل لشخص كان الاجتهاد هو شغله الشاغل، وكثير من الأسر المصرية تنظر إلى التفوق على أنه أحد معجزات هذا العصر؛ نتيجة وسائل الترفيه المتعددة التي دخلت كل بيت، من تلفاز وإنترنت وأجهزة محمول وفضائيات وبرامج معظمها غير هادف، لكنَّ هذا كله لا يمنع مَن يريد التفوق من الوصول إلى غايته، وهناك العديد من النماذج الرائعة التي تحدَّت كلَّ هذه الإغراءات التي أصبحت عنصرًا فعالاً في البيت، والسؤال هو: كيف وصلت هذه النماذج إلى هذه المرحلة من التحدي، وأعلنت للجميع أن التفوق ممكن وبأقل الإمكانيات؟!

الإجابة كانت من خلال غادة أحمد عباس "الطالبة بكلية الصيدلة جامعة الأزهر الشريف والحاصلة على المركز الخامس على مستوى الجمهورية في الشهادة الثانوية الأزهرية"، تؤكد غادة أنها بدأت رحلة التفوق منذ الصغر؛ حيث حصلت على المركز الأول خلال دراستها الابتداية والإعدادية وانتهاءً بالثانوية، وتبين أن كلَّ ذلك كان نتاج التخطيط الجيد منذ البداية.

تفضِّل غادة أن تبدأ بالمواد السهلة وأن تنتهي يوميًّا من مذاكرة المواد التي أخذتها في المدرسة وتختم الأسبوع بمراجعة شاملة، وتوضح أن الأمر لا يخلو من التحديات، والتي كان أبرزها التوتر والإحباط، وهو ما يتم مواجهته بالاستعانة بالله وتحديد الهدف، مؤكدةً دور أسرتها قائلة: إنهم قدموا لي كلَّ ما أحتاجه، وخصوصًا التحفيز الهادف دون أي ضغط أو تعنيف.

وقدَّمت غادة باقة من النصائح لِمَن يريد التفوق؛ أبرزها: وضع هدف محدد، واكتشاف نقاط القوة، والسعي لتطويرها، وإصلاح نقاط الضعف، وتكثيف ساعات المذاكرة.

غادة لم تنفِ أنها كانت تأخذ دروسًا خصوصية، ولكنها تؤكد أنها كانت تأخذ دروسًا في المواد التي كانت تحتاج إلى ذلك وليس في كلِّ المواد، فهي مثلاً كانت تأخذ دروسًا في الرياضيات والفيزياء؛ لأنها تحتاج تدريبًا وحلولاً كثيرةً، فكانت تستعين بالدروس بجانب شرح المدرسة والكتب الخارجية، أما بقية المواد فكانت تذاكرها وحدها.

 

وعن طريقة المذاكرة، وهل لها علاقة بالتفوق تشير غادة إلى أن تجربتها مع عددٍ من زميلاتها المتفوقات أثبتت أن كلَّ شخص له طريقة في المذاكرة تختلف عن الآخرين.

 

وترى غادة أن التفوق ليس معناه التعامل مع كلِّ الأمور بشدةٍ وحزمٍ مبالغ فيه، وأنه ليس هناك وقت للراحة أو الترفيه، موضحةً أن الشخص المتفوق هو شخص متوازن في الأساس يعرف جيدًا كيف يوازن بين كلِّ أشكال حياته، وهو ما عبَّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يختار أيسر الأشياء وأوسطها.

 

وتعود غادة لتؤكد مرةً أخرى أهمية الصلة بالله عزَّ وجلَّ لمواجهة التوتر، مشيرةً إلى أنها كثيرًا ما كانت تلجأ إلى الله في مشكلات وأزمات كادت تعصف بتفوقها، وكانت دائمًا ترى الله بجانبها.

 

وتشير غادة إلى أن رحلة التفوق لا تقف عند المذاكرة، ولكنها تمتد إلى ليلة الامتحان الذي يجب أن يكون له طقوس خاصة، تعتمد في الأساس على ترتيب العقل وراحة الذهن، ثم يوم الامتحان الذي يعد النتيجة النهائية لهذا المشوار الطويل.

 

وعن التحديات التي واجهت غادة خلال مشوار التفوق، تشير إلى أن أبرزها كان الإحباط الذي ينتقل بين الزملاء، ولذلك فإن اختيار الصحبة له عامل أساسي في مواجهة هذا الإحباط والتوتر النفسي والمشكلات الصحية، وغيرها من المعوقات التي يمكن أن يتأثر بها أي شخص ضعيف الصلة بالله، كما سبقت الإشارة.

 

ترتيب الذهن

 

 الصورة غير متاحة
 

 غادة ليست الوحيدة التي واجهت الإحباط وتفوقت بشكلٍّ سهلٍ وبأقل الإمكانيات المتاحة لها، وهي حالة يؤكد علماء وخبراء التربية أنها سهلة التكرار؛ حيث يرى د. عادل مدني، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن هناك عوامل كثيرة تؤدي بالطالب إلى التفوق، خصوصًا في فترة الامتحانات؛ أبرزها وضع خطة سنوية للمذاكرة تتضمن تقسيم المواد على السنة الدراسية ثم على الشهور، ومنها يؤخذ التنظيم الأسبوعي للمواد كلها، واستخدام أكبر عددٍ من الحواس أثناء المذاكرة، مثل القراءة بالعين، وبصوت عالٍ، وتلخيص ما تمَّت قراءته بالكتابة، فهذا يثبِّت المعلومه أكثر، والمذاكرة في إضاءة جيدة، ويفضل أن تكون في ضوء النهار، وأن يذاكر الطالب على مكتب بدلاً من السرير، ولا يكثر من المنبهات؛ فالإكثار منها يضرُّ بالأعصاب..

 

ومن المهم أن يخصص الطالب وقتًا للاسترخاء والاستراحة بين المواد للمحافظة على الاستيعاب، وأن يكون مكان المذاكرة هادئًا وبعيدًا عن المشتتات، وأن يبدأ الطالب بالمواد السهلة والمحببة إليه؛ ما يعطيه دفعةً قويةً لمذاكرة بقية المواد.

ويضيف أن العامل النفسي مهم جدًّا؛ فإذا اعتقد الطالب أنه يستطيع أن ينجح ويتفوق فسيحدث ذلك، وإذا اعتقد أن الوقت قد انتهى وأنه لن يستطيع أن يحقق شيئًا؛ فهذا أيضًا ما سيحدث، فالعقل ينفذ ما يُقال له ويتعامل على أساسه.

ويضع د. مدني حلولاً لأكثر المشكلات النفسية التي تواجه الطلاب: وهي النسيان فيقول: إن النسيان يرجع إلى عدم التركيز الناتج من القلق والتوتر النفسي، ويضيف أن علاج النسيان بسيط جدًّا، ويتلخص في الحوار الإيجابي مع النفس والاهتمام بالتغذية الصحيحة المتكاملة.

وفيما يتعلق بدور الأسرة يرى د. مدني أن على الأهل التعامل بهدوء مع أبنائهم، وخصوصًا فترة الامتحانات؛ حيث يزيد توتر الطلاب فيها.

 

أنت مميز بالفعل

وتضيف نهى سلامة، مؤسسة إحدى الجمعيات الخاصة بالتفوق ومدرّبة التنمية البشرية، أن الطالب المتفوق يختلف عن العادي في أمر واحد، وهو أنه يرى تميزه ويسعى لتطويره، ولذلك إذا أراد أحد الطلاب أن يتفوق فعليه أن يقتنع في قرارة نفسه بأنه مميز بالفعل ولديه مهارات ومواهب يسعى لاكتشافها واستغلالها، موضحةً أنه من المهم أن يكون للطالب رؤية وهدف يعيش من أجله ويبذل طاقته لتحقيقه.

 

وتضيف أن هناك الكثير من الطلاب لا يحبون بعض المواد الدراسية، ويرون أنها غير مفيدة، وبالتالي يقصرون في مذاكرتها اعتمادًا على هذا الدافع، موضحةً في الوقت نفسه أن مذاكرة هذه المواد تُعدُّ خطوةً وبدايةً، حتى وإن رآها البعض غير مفيدة، لكنها تزيد القدرة على الحفظ وتنشيط الذاكرة، وهي أيضًا محاولة لاكتشاف الذات، فإذا تعامل الطالب مع هذه المواد بهذا الشكل فسيصل حتمًا إلى نتائج مبهرة، كما أن الطالب يستطيع استكمال هذه الخطوة في الجامعة أو حتى بعد التخرج عن طريق دراسة ما يحب من المواد والتخصص فيها.

 

وترى نهى أن هناك وسائل مساعدة للطالب تدفعه إلى التفوق؛ أبرزها: الاستعانة بالله، والمناخ المحفز، والتوازن في كلِّ جوانب الحياة، بالإضافة إلى التفاهم والهدوء بين أطراف الأسرة كلها، واختيار الصديق المشجع وليس المحبط.

 

وهو ما ذهبت إليه أيضًا الخبيرة التربوية أمل سليم، التي تؤكد أنه لكي نصل إلى تفوق أبنائنا دون إزعاج أو مشكلات، فهذا يحتِّم على الآباء والأمهات احترام رغبات وأحلام أبنائهم، وعدم إرغامهم على أن يكونوا جزءًا من أحلامهم؛ لأن ذلك يدفع الأبناء إلى عدم المذاكرة، بل وينتهي بهم المصير إلى الفشل؛ لأنه في هذه الحالة لا يريد أن يعيش في جلباب أهله، بل يريد أن يكون ما يختاره هو لنفسه وبإرادته، ويجب على الأسرة أن تحترمه وتشجعه وتدعم حلمه وحينها سوف يذاكر ويتفوق؛ لأن لديه حلمًا وهدفًا يريد تحقيقه.

 

الوصايا العشر

 

 الصورة غير متاحة
 

 وتقدم نيفين سويلم، خبيرة إستراتيجيات التدريس، الوصايا العشر للأسرة والطالب؛ من أجل تفوق سهل ليس فيه أي إزعاج، وهي:

 

أولاً: اربطوا أبناءكم بالله، واجعلوهم دائمًا يلجئون إليه ويدعونه أن يعينهم.

ثانيا: ساعدوا أبناءكم في وضع هدف لأنفسهم يعملون على تحقيقه.

ثالثًا: ادعموا ثقة أبنائكم بأنفسهم حتى يجتهدوا ويذاكروا أكثر.

رابعًا: ساعدوا أبناءكم في القضاء على انفعالات الخوف الشديد لديهم؛ لأنها تقودهم إلى التشتت والنسيان.

خامسًا: أبعدوا أبناءكم عن أي خلافات أسرية، واعملوا دائمًا على أن يكون الجو هادئًا حولهم.

سادسًا: احرصوا على عمل نظام غذائي جذاب ومتكامل للعناصر الغذائية.

سابعًا: اجلسوا مع أبنائكم، وضعوا معهم خطة لمراجعة ما درسوه طوال الفصل الدراسي.

ثامنًا: اهتموا بتنظيم أوقاتكم وتنظيم وقت أبنائكم.

تاسعًا: احرصوا على ممارستهم الرياضة؛ لأنها تساعدهم على صفاء الذهن.

عاشرًا: أشعروهم أنكم معهم وبجوارهم، وأنكم تهتمون بهم، وأنهم كل شيء في حياتكم، واعلموا أن هذا الشعور سوف يدفعهم للأمام دفعة قوية جدًّا.