بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" 

(آل عمران:103).

وقال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون" (الحجرات:10)

ويوجهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "وكونوا عباد الله إخوانا". 

يقول الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله: "وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، الأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وحدةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار.. "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر: من الآية 9)

ويؤكد لنا، رحمه الله،  أن "الأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، و"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"، قال تعالى: "والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (التوبة: من الآية 71)

الأخوة الأحباب:

- مرت دعوتنا، في تاريخها الممتد لقرابة مائة عام، بمراحل متعددة وأحداث كبيرة يشهد التاريخ كيف تعاملت الجماعة معها.  وتم الحكم على تلك الأحداث ، سلبا أو إيجابا، وفق طبيعة كل حدث وسياقه الزمني، ولم يكن الجميع- بطبيعة الحال- مطلعا على تفاصيلها أو مبررات حدوثها.

وقد أثبتت الأحداث، بفضل من الله تعالى وتوفيقه، قدرة الجماعة على التواؤم والتعامل المرن معها، ومع متطلباتها، بما يناسبها من حلول، ويقلل من أخطارها المحتملة، بعد دراسة مدى تأثيرها على الجماعة بمؤسساتها وأفرادها.

ولم تأخذ الحلول شكلا واحدا، بل كانت تتسم دائماً بالمرونة وتغليب روح الاجتهاد الجمعي الشوريّ؛ لتحقيق المصلحة العامة للدعوة وسد أبواب الفتن المحتملة.

لذلك أصبحت نهاية كل مرحلة -مع شدة وضخامة وأثر ما وقع فيها من أحداث-نقطة انطلاق لبدء مرحلة جديدة من مراحل الدعوة والعمل والانتقال لما هو أفضل؛ حسبة لله تعالى وأداءً للواجب وقياماً بأمانة التكليف.

اﻷخوة اﻷحباب:

- منذ اللحظة اﻷولى لوفاة الأستاذ إبراهيم منير، رحمه الله، بذل جميع اﻹخوةبالجماعة جهودا للتواصل مع إخواننا ممن حول اﻷستاذ إبراهيم، وأكدوا لهم أن المصاب مصابنا جميعا وأن لدينا جميعا فرصة للم الشمل، وذلك بعودة أعضاء مجلس الشورى العام ممن حول اﻷستاذ إبراهيم  إلى المجلس، دون أيّ متطلبات أخرى؛ ليجلس الجميع لاتخاذ ما يرونه مناسبا من إجراءات يتم التوافق عليها.

- كما بذل عدد من الإخوة، أعضاء الشورى العام، جهوداً كبيرة لعمل عزاء واحد وصلاة جنازة واحدة يشارك فيها الجميع؛ على ألا يتم إعلان أي صفةتنظيمية ﻷي شخص؛ أملاً في أن يكون هذا بداية توافق والتقاء للم شمل الجماعة.

لكن فوجئ الجميع، بداية من مساء يوم الوفاة، بإعلان بعض الرموز ممن حول اﻷستاذ إبراهيم ما سمعناه جميعاً من المناصب والمهام عبر وسائل الإعلام، مما أحبط -للأسف- تلك الجهود .

الأخوة الاحباب:

- لقد بُذلت جهودٌ كثيرةٌ للخروج من الأزمة التي تمر بها الجماعة، وتم تقديممبادراتٌ متعددةٌ من عدد من الأقطار أو الأفراد؛ من أجل لم الشمل و الاتفاق على القواسم المشتركة التي يتوافق عليها الجميع، وأولها أن الجماعة، في الداخل والخارج، وحدةٌ واحدةٌ لا تقبلٌ القسمةَ وأنَّ المؤسسية مقدمة علىالفردية، وأن الشورى قبل القيادة، وأن مؤسسات الجماعة، وفي مقدمتها مجلس الشورى العام، حقائق لا تقبل الشك، وأن ما ثبت في الماضي فالأصلُ بقاؤه في الحاضر والمستقبل، وأن الأمل مازال معقوداً في الله عز وجل بأن نتخطى هذه اﻷزمة في أقرب وقت ممكن إن شاء الله؛ لتتعافى دعوتُنا ونظل أوفياء لها محافظين على أخوتنا.

ونأسف أن نقول: إن كل هذه الجهود التي بُذلت و المبادرات التي تم تقديمهارفضها الأستاذ إبراهيم، رحمه الله، ثم إخوانه من بعده، في حين قَبِلَها مجلس الشورى العام ورد على مقدميها كتابة.

- وفي محاولة جديدة للم الشمل، قدم عضوان من مجلس الشورى العام مبادرة في منتصف نوفمبر 2022م، أي بعد وفاة اﻷستاذ إبراهيم وقبل أن يتخذ المجلس قرارا باختيار القائم بعمل فضيلة المرشد العام ؛ وكانت تنص على الآتي:

1. الجماعة (في مصر) وحدة واحدة، في الداخل والخارج، ولها مجلس شورى عام واحد بشقيه في الداخل والخارج  .

2. يؤكد جميع أعضاء الشورى العام الموجودين في الخارج أنهم ينتمون لمجلس الشورى العام للجماعة وليس لأي كيان آخر.

3. يعمل مجلس الشورى العام على إعادة التزام فروع الرابطة بالخارج بوحدة الصف والقيادة، في كل فروع الرابطة، ويلتزم بقيادة الرابطة ككيان واحد.

4. يتخذ مجلس الشورى العام الإجراءات اللازمة لاختيار القائم بعمل فضيلة المرشد العام، وممثلي القطر المصري بالعالمي.

وقد التقى اﻷخَوان، صاحبا المبادرة، بأعضاء مجلس الشورى العام الموجودينفي الخارج، وشرحا لهم مبادرتهما، والتي تبدأ بعودة اﻹخوة ممن حول اﻷستاذ إبراهيم جميعاً، دون أي شروط أو طلبات مسبقة، باعتبار أن عودتهم وقبولهم حضور المجلس كاف، ثم يعيد المجلس - كاملا في الداخل والخارج - النظر في  كل ما تم اتخاذه من قرارات منذ أغسطس 2021م وحتى تاريخه.

وقد وافق جميع الإخوة الحاضرين من طرف مجلس الشورى العام على المبادرة، وسجل اﻷخوان أسماء أعضاء المجلس الموافقين على المبادرة .

- ثم التقى الأخَوان الكريمان بالأخوة أعضاء الشورى العام ممن حول الأستاذ إبراهيم، للمرة الثانية، فأعاد هؤلاء اﻹخوة طلبهم بضرورة اعتذار كل الإخوة من مجلس الشورى العام وإعلان توبتهم وتنفيذ وصية الأستاذ إبراهيم رحمه الله.

وقالوا إنهم سيعودون إلى مؤسساتهم ويردون على اﻷخوين صاحِبَيّ المبادرة  بعد أسبوع على اﻷقل.. وغادر الأخَوان وهم في حالة من الاستياء وعدم الرضا، وقد انتهى الأسبوع ولم يردوا على المبادرة كما وعدوا.

- على التوازي، اعتبر أعضاء الشورى العام هذا الرفض والتسويف من قبل اﻹخوة، طرف الأستاذ إبراهيم، محاولة لتمرير الوقت؛ مما اضطر مجلس الشورى ﻹعلان قراره الخاص بتعيين الدكتور محمود حسين قائما بعملفضيلة المرشد العام ، تفعيلا للمادة الخامسة من اللائحة العامة للجماعة، وبناء على اقتراح مقدم من اللجنة القائمة بعمل فضيلة المرشد واللجنة الإدارية بالداخل.

وكان الشورى العام قد أجّل إعلان هذا القرار، كبادرة حسن نية لحين معرفة الرد على المبادرة، على أمل التئام مجلس الشورى العام واتخاذ ما يلزم بشأن تسمية القائم وباقي اﻷمور.

- ورغم كل ما سبق مازال الأمل قائما، والرجاء في الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدور إخواننا للعودة إلى إخوانهم في مجلس الشورى العام، مع حرصنا الشديد على الاستمرار في بذل كافة الجهود الممكنة من أجل رأب الصدع ولم الشمل وتجاوز هذه الأزمة وعدم إطالة مداها أكثر من ذلك.

وسنظل نبذل الجهود دون يأس بإذن الله؛ تقديرا منا لأهمية وحدة الصف،ولسبق هؤلاء الإخوة الكرام وتاريخهم، وحرصا عليهم، وحين يكون الوقت مناسبا سنعلن -إن شاء الله -عن هذه الجهود وما ترتب عليها.

الأخوة الاحباب:

إن صدق البيعة مع الله، وسلامة القلوب، وصحة العمل والتوجه الخالص به لله سبحانه وتعالى، هو السبيل الوحيد إلى وحدة الصف و تحقيق ترابطه وتماسكه؛وصولاً إلى ما نرجوه من رضاه سبحانه، ونصرة الحق وأداء الواجب وأمانة التكليف.

وغني عن البيان أنه في وقت المحنة لا يتذكر الأخ الصادق الوفي لأخيه المبتلَى إلا أُخُوّة الطريق، وصفاءَ الابتداء، ونقاط الاتفاق، وأوقات الصفاء، وعهد الثبات.

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن  يكون دائماً بيننا من يجيدون سد الثغرات، ويستطيعون -بعون الله- إعادة اللُّحمة لما انقطع، ولم شمل ما انفرط، ونسأل الله لهم التوفيقَ دائماً في مهامهم، والحفظَ من شرور أعدائهم، والخلاصَ من حظوظ نفوسهم، والقبولَ من رب العالمين.

"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" (الحشر: من الآية10).

جماعة "الإخوان المسلمون"

الثلاثاء: 5 جمادى الأولى 1444 هـ، 29 نوفمبر 2022م