عبد الله الشافعى

يقول النبى الكريم ﷺ فيما رواه الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص- رضي الله عنه- {أَلاَ أُخْبِرُكُمْ أَوْ أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلاَءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا دَعَا بِهِ فَفَرَّجَ عَنْهُ ؟ فقَالُوا: بَلَى، قَالَ: دُعَاءُ ذِي النُّونِ}. وعنه عن رسول الله ﷺ: {دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ} 

قال ابن القيم رحمه اللَّه: (أمّا دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للربّ عز وجل، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهمّ والغمّ، وأبلغ الوسائل إلى اللَّه سبحانه وتعالى في قضاء الحوائج) 

{لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين} هذه هي الكلمات التى نجّى الله بها يونس ﷺ من كروبه كلها، فأخرجه من بطن الحوت، ومن ظلمة البحر، وأمر نفس الحوت فألقاه ﷺ على الشاطئ، فى ظل يحميه حر الشمس، حتى يعاود نشاطه وقدرته الجسدية على الحركة، ثم- وهو الأهم- فرج الله عنه كرب المخالفة- مخالفة أمر الله بترك قومه وميدان جهاده ودعوته دون إذن من الله- فرج الله عنه ذلك الكرب الأعظم، فغفر له، وأرسله إلى قومه، فآمنوا واهتدوا. كل هذه العطاءات الربانية الكريمة من فيض بركات هذا الدعاء القرآنى النبوى الفريد! 

والحق أن مسافة شاسعة واضحة للعيان بين إجابة الله دعاء نبيه يونس ﷺ وإجابة دعواتنا. مسافة شاسعة في سرعة الإجابة، وقدر المعجزة، ونسبة التغير الحاصل بسبب الدعاء. فالله- سبحانه- قد غيَّر كثيرًا من قوانين الحياة لأجل يونس ودعائه، فمنع هلاكه مع توفر أسباب الهلاك، وكثرة الأخطار المحيطة به في وقت واحد ومكان واحد، فهو في خطر الغرق فى اليم، وخطر الالتهام من الحوت، وخطر الخنق فى بطنه، و خطر الهلاك من الجوع والعطش، فلا طعام يغذي، ولا ماء يصلح للشرب. ومع ذلك كله نجاه الله!

  ولعل من المفيد أن نحاول تلمس الإجابة وتعرف الأسباب، لعلنا نتعلم كيف يكون دعاؤنا مستجابًا، ولعل السر يكمن في حال يونس عليه السلام وهو يردد هذا الدعاء النبوى القرآنى العظيم، فحقيقة ما يعتقده ﷺ، وهو يجأر إلى الله بدعائه- مؤثر غاية التأثير، فيونس النبى يعلم تمام العلم حقيقة الكلمات التى يرددها، فهو حين يقول {لا إله إلا أنت} فهو يعتقد ذلك أصدق اعتقاد، وأصحه، وأخلصه، هو يعلم ويؤمن ويقر بذلك، وهو ﷺ تنسجم كل ذرة منه مع هذه الحقيقة الكبرى، فلا إله إلا الله تختلط به ويختلط بها، لا تفارقه ولا يفارقها، يتمثلها في كل نفس وحس وشعور، في كل فكرة وخاطرة، في كل سكنة وحركة، ولهذا فهو يجأر ويلجأ إليه، يدعوه ويرجوه، يخافه ويستغفره، مدركًا مؤمنًا مستيقنًا.

وهو ﷺ- حين يقول: {سبحانك} فإنما هو تسبيح نبيّ، يعلم قدر الله، ويعرف له عظمته، وقدرته، وكماله، وجماله. فهو يسبح تسبيح الأنبياء. ثم يأتى اعترافه الصادق من أعماق أعماقه، يأتى اتهامه لنفسه ورؤيته خطأه، {إنى كنت من الظالمين} هكذا صريحة قاطعة، لا لبس فيها ولا غموض، اعتراف مؤكد بلغة قوية وكلمات دالة، وهو ﷺ يصف نفسه بأنه من الظالمين، وهل تراه يتجمل؟ ألا تسمع الصدق مدويًا في هذه الكلمات؟ ألا ترى عمق الندم فى نفسه ﷺ؟ ألم تهتز لكلمة نبى كريم {إنى كنت من الظالمين}؟

لذلك كله، ولغيره مما لا علم لنا به كانت سرعة الاستجابة، وكانت فيوضات الخير، من رب كريم لعبد كريم، من رب {له مقاليد السموات والأرض} {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} {لا يُسأل عما يفعل} {ولا معقب لحكمه} {لا شريك له} .

ونحن حين نملك قلب يونس ﷺ ، وإيمان يونس ﷺ ، وثقة يونس ﷺ بربه، حين وصفه- سبحانه قائلًا: {فظن أن لن نقدر عليه} والمعنى أنه ﷺ كان على يقين من فرج الله، وعفوه ورحمته به، ومن ثم نجاته مما هو فيه. حين نملك مثل هذا، فبقدر اقترابنا مما كان عليه يونس ﷺ تكون استجابة الله لدعواتنا.

وربما لمثل هذا، ومما يوضح الأمر لي- أن أعظم استجابة أراها لدعاءٍ أدعوه، وهو لا تتخلف أبدًا- هو دعاء (اللهم رب الضالة رد الضالة) ولعل السبب فى ذلك هو حالة القلب فى صدق التوجه إلى الله، واطلاع الله على ثقة الداعي بوعد رسوله ﷺ بخصوص هذا الدعاء، ربما لمثل هذه الأسباب تأتينا إجابة الله- سبحانه- في كل مرة، وربما هذا ما يجب أن نتعلمه حين ندعوه- سبحانه.

نحتاج أن تعلم من فنون الدعاء ما يقربنا إلى الله- سبحانه- وما يجعلنا أهلًا لتوفيقه وعطائه وفضله وكراماته، وحينها نفوز بكل خير من أمور الآخرة والأولى.