فتحي السيد 

هذه الدعوة المباركة لها رجالتها الذين أحيوها في بقاع مختلفة من بقاع الأرض، نشروا الفكرة وحافظوا على البيعة وتمكنوا في أوقات قصيرة وأعوام عديدة أن يبثوا روح الأمل في النفوس فقادوها ووجهوها إلى طرق الخير المتعددة؛ فأعادوا لحمة الصف وانتظامه وقويت أواصره وبنيانه، قادوا النفوس على اختلاف مشاربها، ومن هؤلاء الصفوة المنتقاة المربي الفاضل  الأستاذ محمد العدوي – رحمه الله يوصي في هذا الشأن وإنها لوصية مُجرب، ونصيحة مرب، وتوجيهات قائد ربانيّ، تنوعت تجاربه، وكثرت خبراته على طريق الدعوة. فما أحوجنا لمثل هذه التوجيهات والوصايا فى تعاملنا مع أحبتنا ومع الناس جميعًا. وموجز وصية الأستاذ محمد العدوى – رحمه الله – أن:

    «قيادة النفوس ليست كقيادة الآلة، اجعله يحبك أولاً، فإذا أحبك أحب ما تدعوه إليه».

ولنا وقفة مع هذه الوصية وبيان معانيها:

إن النفوس تتمرد والقلوب تتقلب وأن قيادة النفوس من أصعب الأمور وأشقها، وشتان شتان بين أن تقود مركبة يمكن لكل إنسان أن يتدرب ويتمرن عليها في وقت وجيز، وبين أن تقود جمع من الناس ليسوا ضربا واحداً في نفوسهم ولا في قلوبهم ولا في أهوائهم. إن القيادة في هذه الحالة لا يصلح لها كل إنسان ولكن فقط من يحملون خصائص وصفات لا تتوفر لدى كل إنسان، كما أنها لا تكتسب بدراسة وكتاب وامتحان، لكنها تترسب من خلال تجارب الممارسة والمعايشة والمخالطة، وسبر الأغوار من خلال ما يسند إليها من أعمال. يخطئ فيها تارة ويصيب أخرى.

ومن خلال ذلك يمكن له أن يتعرف على الطريق إلى القلب وكيف يكسب مودته بالسجية والطبيعة دون تكلف أو تصنع. كما أنه يعرف السبيل إلى فطم النفوس عن رغباتها وشهواتها دون أن يكسرها أو يجرحها. كما أنه يستطيع أن يدفع من معه إلى العمل بكل طاقتهم بالحب لا بالقهر والأمر والضغط. إنه يفيض عليهم من إيمان عميق ترسب لديه في سيره إلى الله، كما أنه يفيض عليهم من الحب الخالص الذي امتلأ به قلبه.

ورحم الله الأستاذ محمد العدوي حيث ذهب إليه أحد الإخوة يشكو إليه أن معه أخا يقوم على دعوته وتربيته ولكن استجابته ضعيفه ولا يتجاوب مع ما يطلب منه، فماذا أفعل معه؟ فقال له الأستاذ العدوي: راجع نفسك أولاً فى علاقتك بأخيك فقد تكون أنت المقصر فى حقه، واصبر نفسك وتحمل أخاك فقد لا تدري ظرفه، ثم ربما أنك لا تراعى نفسيته حين تكلفه أو تأمره، فالواجب عليك أولاً أن تجعله يحبك، فإذا أحبك أحب ما تدعوه إليه، ونفذ كل ما تأمره به، بقلب راض وصدر رحب.

وهذا يقتضي منك أن تنظر حاجات أخيك، وتتفقد أحواله، وتُحسن إليه، وكما يقولون: «الإنسان أسير الإحسان»، وفى حديث النبي ﷺ: «تهادوا تحابوا». فإذا ولج حبك إلى قلبه أحب كل ما تدعوه إليه، وقام به عن حب. إنها التربية بالقدوة والأسوة لا بالشدة والقسوة.

مرة أخرى .. قيادة النفس ليست كقيادة المركبة والآلة، وقياس قيادة النفوس على قيادة المركبة قياس مع الفارق كما يقول علماؤنا، فالنفوس تتمرد وقيادها شاق، والإمساك بزمامها صعب، ولا يصلح لها كل إنسان، لكنها هبة ومنحة يختص الله بها من يشاء من عباده: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى: 13

فيا أخي الداعية عليك أن تتعلم كيف تقود النفوس إلى أمر الله تنصاع له وتتبع هديه وبذلك تكون قد نجحت فيما تعمله ولك في سير الدعة والمصلحين عبرة وقدوة تتأسى بأفعالهم وتسير على دربهم ونٍسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى .