قضت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ببطلان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو 2021، وطالبته "بالعودة للديمقراطية الدستورية"، وإلغاء عدة مراسيم.

وقالت المحكمة إن الأمر الرئاسي عدد 117، الصادر في 22  سبتمبر 2021، والمتعلق بالتدابير الاستثنائية، غير دستوري وغير قانوني، ويتعارض مع المعايير الإقليمية والدوليَّة.

وطالبت المحكمة بإلغائه وإلغاء الأوامر التي تولد عنها، وجاء قرار المحكمة بعد رفع المحامي إبراهيم بلغيث لقضية للمحكمة ضد الدولة التونسية.

وبصدور حكم المحكمة الأفريقية، أكد خبراء في القانون أن هذ ا القرار ستكون له تداعيات على تونس، ما من شأنه أن يزيد في عزلتها، وهو ما يوجب على الرئيس سعيد الالتزام بالقرار.

رسالة سياسية قوية

تم إنشاء المحكمة الأفريقية بموجب المادة 1 من بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وصادقت 32 دولة على البروتوكول، وهي: الجزائر، والبنين، وبوركينا فاسو، وبوروندي، والكاميرون، وتشاد، وساحل العاج، وجزر القمر، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والجابون، وجامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، وكينيا، وليبيا، وليسوتو، ومالي، ومالاوي، وموزمبيق، وموريتانيا، وموريشيوس، ونيجيريا، والنيجر، ورواندا، والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وجنوب أفريقيا، والسنغال، وتنزانيا، وتوجو، وأوغندا، فضلا عن تونس، فيما أودعت ثماني دول فقط اعترافها باختصاص المحكمة من بينها تونس.

وفي تعليق، قال الأستاذ في القانون العام محمد السياري لـ"عربي21" إنه "سياسيا، وعلى مستوى الدلالات قرار المحكمة، له رمزية كبرى؛ لأن الدول الأفريقية المحيطة بتونس أخذت موقفا يعد قويا بمثابة صافرة إنذار للنظام، وعليه أخذ الأمور بجدية، وعدم مواصلة تمشي 25  يوليو".

وشدد على أن قرار المحكمة رسالة سياسية بالأساس، فالمعارضة بالداخل استثمرت جيدا القرار للضغط على الرئيس للانفتاح على المعارضة والأحزاب، والذهاب نحو طريق ديمقراطية.

وفي رده عن فرضية انفتاح الرئيس على قرار المحكمة، أجاب محمد السياري: "ننتظر، ولكن الضغط يمكن أن يجبر الرئيس على تقديم تنازلات".

بدورها، قالت المحامية منية بوعلي، إن "قرار المحكمة يصدر لأول مرة ضد الدولة التونسية، وهو مهم جدا، خاصة أنه صدر قبل الاستحقاق التشريعي 17 ديسمبر 2022".

واعتبرت أن أهم دلالة للمحكمة أنها لحقوق الإنسان وتونس مصادقة على إعلانها، وهي جزء منها، وبها قاضي يمثل الدولة التونسية داخلها، والدولة متعهدة بالالتزام بجميع قرارات هذه المحكمة.

وأكدت المحامية أن "صدور قرار ضد الدولة التونسية ومطالبتها بالعودة إلى النظام الديمقراطي ومراجعة المراسيم له دلالات كبرى، وهو أن المسار الجديد الذي اتخذه سعيد والجمهورية الجديدة هو خارج الأطر الديمقراطية والأنظمة الجمهورية، وقرار المحكمة يؤكد أن تونس خرقت مبادئ حقوق الإنسان".

وعن تبعات الحكم، اعتبرت بوعلي أن له تأثيرا كبيرا جدا، قائلة: "مزيد العزلة للدولة التونسية داخل القارة، نعلم جيدا أن الدولة لن تكون ملزمة بتنفيذ القرار، لكن تبعاته ستكون اقتصادية، وسيعيش الشعب عزلة أكبر ومحاصرة، فحتى المنافذ على المستوى الأفريقي ستضيق وتغلق في حال لم تلتزم بالقرار".

ونبهت بأن القرار له تأثير قوي، فأغلب المدارس القانونية والفقهية والدول تجمع على أن تونس تضرب في حقوق الإنسان والحريات من خلال محاكمات تعسفية وظالمة وضرب حق التعبير والتظاهر.

في مقابل ذلك، قال الوزير السابق والأمين العام لحزب "العمل والإنجاز"، عبد اللطيف المكي، إن "تونس من بين المنخرطين في المحكمة، وملتزمة بقرارتها"، مستبعدا التزام سعيّد بالقرار، "لأنه يعلم جيدا أنه قام بانقلاب على كل القوانين، لكن  الشعب حكم على أن ما حصل هو انقلاب على الدستور"، بحسب تعبيره.

وشدّد المكي، على أن القرار ستكون له تبعات، لكن الشعب هو الطرف الأقوى، وهو الذي سيدافع عن حقوقه وصورته في الخارج.