إذا كان النبي ﷺ قد آخى بين الصحابة من المهاجرين والأنصار أخوة العقيدة (تآخوا في الله أخوين أخوين) فكانت آصرة جديدة في حياة الناس، ونموذجًا فريدًا يحتذى، حتى إن الأخوة في بدء الإسلام كانت تستلزم الإرث والديات بين المتآخين. ثم نسخ ذلك بآيات الميراث وبالعاقلة، مع بقاء الأخوّة بينهم إلى الأبد، ولقد حقق الإسلام من هذه الأخوة أمورًا منها:

1. بناء مجتمع جديد على أساس الأخوة لا القرابة والعصبية.

2. صهر النفوس والأوضاع في بوتقة الأخوة.

3. غرس لحمة جديدة وأرحام جديدة تتبع العقيدة وتنطلق منها.

4. إبراز نموذج العقيدة في حياة الناس، وما بني عليها من ولاء وبراء بينهم.

وإذا كان هذا حال أصحاب رسول الله ﷺ في الأخوة وممارستها في واقع حياتهم وقيامهم بحقوقها في مجتمعاتهم، فإن أولئك التابعين لهم بإحسان من الأجيال اللاحقة (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) والذين هم إخوان رسول الله ﷺ كما سماهم النبي ﷺ مطالبون بهذه الأخوة ثانية تمامًا كما طولب بها أولئك أولًا مع النبي ﷺ، ليحيوا بها حياتهم السعيدة ويتفيأوا ظلالها في هجير الجاهلية، ولفح الأهواء، وفيافي الانقطاع عن الله تعالى، ويهربوا إليها في شدة ظلمة الواقع الذي يحيون.

إن إخوان رسول الله ﷺ (الإخوان المسلمون) ولا نزكيهم على الله تعالى، مطالبون اليوم بالأخوة أكثر من غيرهم، ذلك لأنها عقيدة نص عليها الوحي ودعا إليها الشرع (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وبقيت من التكاليف الشرعية المحكمة التي لم يتطرق إليها نسخ ولم يصلها تخصيص، والمسلمون يحققون من الأخوة أمورًا كثيرة يمكن لنا أن نذكر ببعضها كما يلي:

1. تحقيق الأمر الرباني في الأخذ بالأخوة والقيام بها.

2. استلهام هدي النبي ﷺ في بناء مجتمع الأخوة الأولى من المهاجرين والأنصار وبناء مجتمع الأخوة الهادفة بين المسلمين.

3. إعانة المسلم على تحمل لأواء الطريق بإيجاد أرحام دعوية جديدة تحمله على الخير وتوصله إليه، وتعمل على تثبيته أمام عاديات الأيام ليعرف الله تعالى ويعينه على طاعة الله، وحمل المسئولية التي كلفه الله تعالى بها في رد الشاردين عن طريق الله إلى الله.

4. إيجاد النموذج المثالي للروابط والعلاقات القائمة على العقيدة، يهرع إليها الناس ويخلصون من روابط الجاهلية وعلاقاتها المصلحية المقيتة التي أفسدت النفوس.

5. السير نحو تحقيق مجتمع الأخوة الإسلامي المنشود.

والأخوّة أمر شرعي شرعه الله لكن لا بد فيه من العلم والمعرفة والوضوح ليكون التعامل على قاعدة الإيثار في الأمور الدنيوية، والاستئثار في الأمور الأخروية، فهذا عمرو بن الجموح لا يقبل الإيثار في الشهادة ويحرص عليها حتى يطأ بعرجته الجنة، لا بد من نقله من النظرية إلى التطبيق في الواقع، ومن العلم النظري إلى الواقع العملي بين الناس.

وإذا كان الحال كذلك، فإنه من نافلة القول الإشارة إلى تشابه الظروف والأحوال بين أصحاب رسول الله ﷺ، وحملة الدعوة في العصر الحديث من إخوان رسول الله ﷺ، وهذا يحقق وحدة في الأخوة النمطية الفريدة التي صاغ عليها النبي ﷺ أصحابه، تلك الأخوة التي لا تنقطع إلى قيام الساعة، والتي يحيى بها الدعاة إلى الله تعالى إسلامهم، ويحققون غاياتهم، ولقد فطن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، إلى أمر هذه الأخوة وعظيم خطرها في واقع جماعة الإخوان المسلمين، فحدد الحقوق، وأظهر الواجبات، بما يجعل الأخ المسلم في وضوح مما يجب له أو عليه، لذا فإنك إذا نظرت في رسائل الإمام الشهيد رحمه الله وجدت من أقواله رحمه الله ما يلي:

«وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: 9.

والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه، لأنه إن لم يكن بهم، فلن يكون بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، (وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، (والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا). (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، وهكذا يجب أن نكون»