قال لي:

 *أريد أن أكون مؤثرا*

فقلت له: 

التأثير يا صديقي أداة الأنبياء، وشغل العلماء، ومزية العظماء، به نرفع، وننفع، وندفع، ونمنع. 

هو بقاء بعد الموت، وحديث بلا صوت. 

هو ترك الأثر في القلب والعقل، وفي المكان والزمان، وهو الذي يكتب التاريخ، ويغير الجغرافيا. 

نحن يا صديقي لا نملك التغيير، بل نملك التأثير الذي يساعد على التغيير . 

فالتأثير وسيلة، 

والتغيير قرار ونتيجة، 

نحن لا نملك أن نغير القلوب ونجبرها على المطلوب، 

لكننا نملك الأدوات التي تهيئ بيئة التغيير، وتسهل طريقه. يقول الله ـ جل جلاله ـ لنبينا عليه الصلاة والسلام ـ وهو المؤثر الأعظم: 

( ليس عليك هداهم ) ويقول: 

( لست عليهم بمسيطر ). 

أنت يا صديقي تملك التغيير لنفسك، وتملك التأثير في غيرك.

فابدأ بنفسك؛ فقبل الإصلاح عليك بالصلاح، وقبل الدعوة عليك أن تكون قدوة، 

و كن في السر صحيحاً تكن في العلانية فصيحاً؛ 

قيل لأحدهم: لماذا إذا تحدثت تأثر الناس وإذا تحدث غيرك لم يتأثروا؟ 

فقال: لأني قبل أن أدعوهم في النهار أدعو لهم في الليل. 

أيها المؤثر، إذا قمت بين يدي الناس تقول: يا عبد: ربك ربك ربك، 

فقم بين يدي الله، 

وقل: يا رب: عبدك عبدك عبدك. 

فإن الله حين أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام

 " يا أيها المدثر: 

"قم فأنذر" أنزل قبلها:

" يا أيها المزمل:

 "قم الليل إلا قليلاً".

إنها العلاقة بين صلاح الليل ونجاح النهار، 

فالليل هو محطة التزود 

وقد تتبعت سير العظماء من أئمة المسلمين فوجدتهم اختلفوا في نبوغهم وقدراتهم وتخصصاتهم وتعاملاتهم وأخلاقهم وبداياتهم وأعمارهم، 

لكنهم اتفقوا على صلاة الليل؛ حيث لا أحد إلا الواحد الأحد.

ومتى كان الحفر أعمق كان البناء أوثق.

أن تكون مؤثراً لا يعني أن تملك سيرة معتبرة بقدر ما يعني أن تملك سريرة مختبئة يفتح الله بها قلوب الآخرين لك؛ 

فأنت عند الناس بين سيرتك وسريرتك؛ فسيرتك يراها الناس، وسريرتك يشعرون بها.

أيها المؤثر، إذا كنت تريد أن تكون إمامي فكن أمامي في كل خير تدعو له،

 فالنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، 

أما من يدعو الناس لشيء يفعله فلا يحتاج إلى تحضير كلمته؛ لأن القلب سيتكلم، وما يخرج من القلب يلج إلى القلب. 

أيها المؤثر، التأثير بالقدوة أقوى من التأثير بالكلمة، وصوت الأفعال أقوى من همس الأقوال، ووقع الحال أشد من وقع المقال ، وتأثر العقل بالموجود أسرع من تأثره بالمنطوق . 

جاء رجل للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ وقال: يا شيخ، ما حكم رفع السبابة عند التشهد ؟ 

فقال الشيخ: هو سنة. 

فقال السائل: أردت التثبت؛ لأني لم أرك ترفعها عند التشهد، فالتفت الشيخ لطلابه وقال: انتبهوا، "حركاتكم فتوى"

أيها القدوات: انتبهوا ، حركاتكم فتوى ، وكلماتكم فتوى ، ااوسكناتكم فتوى ، وصمتكم إقرار ، وتقصيركم تشريع . 

أيها القدوة إياك الزلل  واحذر العثرة فالخطب جلل ،

فزلة القدوة مستعظمة  فبها يصبح في الناس مثل ،

زلة القدوة مستثمرة  ، فبها يحتج من أخطا وزلزلة القدوة للعالم شر ، فبها يحدث في الدنيا خلل.

إن تكن عندك مُستحقرة   فهي عند الله والناس مُستعظمة .

أيها المؤثر، لا تقل: لست بكبير، ولا خطيب، ولا طالب علم قدير. 

التأثير يا صديقي ليس له علاقة بالعمر، بل له علاقة بالهمة والشعور بالمسئولية تجاه الأمة. 

التأثير لا يتطلب العلم والتمكن، بل أن تقدم ما تعلم لمن تعلم. 

التأثير ليس وقفاً على المنابر ، 

أو حكراً على الدعاة أو الإعلاميين. 

التأثير لا يحتاج إلى موافقة مدير، أو جهد كبير، أو مال وفير، هو يحتاج إلى أن تقدم ما تستطيع وفق المتاح لك. 

ولا تحقرن من التأثير شيئاً. 

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: 

( بلغوا عني ولو آية )، 

•  (بلغوا ) وهذا هو التكليف .

•  ( عني ) وهذا قمة التشريف .

•  ( ولو آية ) وهذا هو التخفيف.

 يقول جل جلاله ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) كل ما في وسعك أنت مكلفٌ به .

 وقال ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) .

كل ما آتاك الله أنت مكلف به، 

يا من أوتيت مالاً ابذل ، يا من أوتيت جاها اشفع ، يا من أوتيت قراراً أصلح ، يا من رزقت أسلوباً أقنع ، 

يا من وهبت قلماً اكتب ، 

يا من أكرمت بقوة ساعد ، 

يا من منحت ذكاء خطط، وحلل، وأنتج . 

ادعم فضيلة ، اردع رذيلة ، اغرس فسيلة ، انشر موعظة ، ساعد محتاجاً ، ساند ضعيفاً، أرشد تائهاً، صمم عبارة، اكتب مقالاً، نظف حديقة، عطر مسجداً، أسعد قلباً، علم جاهلاً، اهد عاملاً، حفز محبطاً، احفظ نعمة، واتق النار ولو بشق تمرة.

أحسن قبل أن يُنسى اسمك، ويبلى جسمك، ويطمس رسمك؛ 

فالمحسنون حفروا أسماءهم في عقولنا، ونقشوها في قلوبنا، فأسمينا بعض مدارسنا وشوارعنا ومرافقنا بل بعض أبنائنا بأسمائهم؛ اعتزازاً وافتخاراً بهم.

تحية من القلب 

اللهم أرزقنا السداد والعافية واجعلنا هداة مهتدين. وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

 

 

------

منقول