سابعاً : طلاقة الوجه وطيب الكلام

ومن الصفات التي تفتح للداعية قلوب الناس وتجعله محل قبول عندهم وألفة منهم طلاقة وجهه، وطيب كلامه ..

فالوجه هو عنوان الداعية والمرآة التي تعكس نفسيته وأعماقه .. فإن كان متجهماً أوحى بالضيق والتجهم، وإن كان طلقاً مبتسماً أوحى بالبِشْر والخير ..

وليس المقصود بطلاقه الوجه جماله أو حسن تقاسيمه .. فقد يكون الوجه جميلاً وليس فيه أثر من الطلاقة، وقد يكون قبيحاً ويفيض أنساً وبشراً ..

والداعية عليه أن يتعود طلاقة الوجه ولو أن يدرب نفسه على ذلك وأن يعود نفسه الابتسام كائناً ما كانت ظروفه ضاغطة أليمة .

إن نجاح الداعية يكمن في قدرته على تكييف نفسه، وأن تكون له القوامة عليها وليس العكس، وأن تكون لديه القدرة على التحكم بنفسه حيال الظروف التي يمر بها وأن يعطى لكل مقام مقالاً ..

أعرف بعض الدعاة يخرجون على الناس والابتسامة تعلو محياهم ،وقد دفنوا في الأعماق هموماً ومشاكل لا يعلم مداها إلا الله ..

وأعرف آخرين لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم حيال أبسط المشكلات والملمات؛ فترى آثار ذلك بادية في وجوههم ومن خلال تصرفاتهم؛ فتشعر حيال ذلك وكأنك أنت المسيئء إليهم !.

سمعت أن أحد الدعاة كان يلقى محاضرة في جمهور غفير في بعض أرياف مصر وكان قد غادر القاهرة تاركاً أحد أولاده في مرض شديد .. وأثناء المحاضرة دخل القاعة أحد أقرباء الداعية واقترب من المنصة وسلم المحاضر قصاصة من الورق فما كان من الداعية إلا أن قرأها ثم تابع محاضرته بشكل طبيعي ودون أن يلحظ الحضور عليه أي أثر .. وبعد أن انتهي من حديثه أجاب على كثير من الأسئلة بطلاقة نفس ورحابة صدر .. ثم صعق الناس بعد ذلك عندما علموا أن قصاصة الورق التي وصلت الداعية كانت تحمل نبأ وفاة ابنه المريض !.

هذا عن طلاقة الوجه أما عن طيب الكلام فإنه لا يقل أهمية إن لم يكن أكثر أهمية من سواه .. فكلام الداعية هو وسيلة الاتصال بالناس ووسيلة التعبير عن المعاني والأفكار فإن كان الداعية متمكناً من لسانه، متحكماً بكلامه، قادراً على انتقاء الكلم الطيب والتعبير الحسن كان بالتالي قادراً على كسب قلوب الناس والولوج إلى نفوسهم وذواتهم وإن كان غير ذلك لا يلقي بالاً إلى ما يخرج من بين شدقيه فقد أقام بينه وبين الناس حاجزاً لا يخترق، وسداً لا يمكن النفاذ منه .. بل وجعله ذلك مذموماً مكروهاً تحاشاه الناس ولا يألفونه ...

فمن كتاب الله تعالى قوله :

{وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوًّا مُّبِينًا } .

-  { وقولوا للناس حسناً }.

- { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم }

- { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً }

- { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد }

-  { وجادلهم بالتي هي أحسن }

- { فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}

ومن توجيهات النبوة قوله صلى الله عليه وسلم :

-  ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )).

- (( من الصدقة أن تسلم على الناس وأنت طلق الوجه)) .

-  (( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار ؛فإنه من المخيلة ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه فإن أجره لك، ووباله على من قاله )).

- (( والكلمة الطيبة صدقة ))

- (( موجب الجنة : إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الكلام )).

- (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ))

- (( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ))

- (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ))

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة للناس جميعاً فإن الدعاة أولى بهذا الإقتداء من غيرهم فلينظر دعاة الإسلام كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :

- أخرج الخرائطى والحاكم عن عمرة قالت : سألت عائشة رضى الله عنها كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه ؟ قالت : كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس، وألين الناس، ضحاكاً بساماً ))كذا في الكنز ج 4 ص .47

-  وأخرج البزار عن جابر رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذير قوم أتاهم العذاب فإذا ذهب عنه ذلك رأيت أطلق الناس وجهاً وأكثرهم ضحكاً وأحسنهم بشرا وعند الطبرانى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحك الناس وأطيبهم نفساً )).

منقول بتصرف من كتاب "الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن رحمه الله .