2- المسئولية :

والمسئولية في الإسلام ذات شقين اثنين مسئولية ( خاصة ) تتصل بخاصة النفس وما يترتب حيالها من تبعات وتكاليف فردية ومسئولية ( عامة ) تتجاوز النفس إلى الناس والمجتمع والعالم وما يترتب عليها كذلك في هذا النطاق من أعباء ومهمات وانطلاقاً من هذا التصور لنطاق ( المسئولية ) وآفاقها .

نود أن نناقش مع الإخوة الدعاة مسئولياتهم الكبرى مسئوليتهم الخاصة ومسئوليتهم العامة، مسئولياتهم كأفراد ومسئوليتهم كجماعة، وبالتالي مسئوليتهم الذاتية ومسئوليتهم الحركية فهم أولا ( أمناء ) على أنفسهم ينبغي أن يعدوها على الزمن لتكون في مستوى ما ينتظرها من أعباء { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} وهم كذلك (أوصياء ) على هذا المجتمع برسالة الاستخلاف والتكليف التي ائتمنوا عليها : {وكذلك لتكونوا  شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}. من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

وإنها لمسئوليات ضخمة وكبيرة، وتنوء بحملها الجبال، وهي لذلك تتطلب كبير الجهد وغالي التضحية .

الشعور الذاتي بالمسئولية :

وحتى يبلغ الداعية في الإعداد مستوى المعركة التي تواجه الإسلام في الداخل والخارج وينبغي أن يكون في (إيمانه ) أثبت من الرواسي وفي (فهمه)أعمق من اللجج ...وفي (صبره)أقوى من الشدائد .كما ينبغي أن يتولد شعور (ذاتي)بمسئولية العمل للإسلام واستعداد كامل لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد فهو لا ينتظر (التكليف الحركي)لينهض بالأعباء والمسئوليات ...وإنما يتوالد في (أعماقه)شعور فطري بالمسئولية، ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف .....يشعر بأنه مسئول عن (هذا الإسلام) ولو لم يكن عضواً في جماعة أو جندياً في الحركة ...وحسبه أن يكون مسلماً ليتحرك في ذاته الشعور بالواجب تجاه هذا الدين الذي ينتسب إليه، والحركة الإسلامية في هذه الأيام  بمسيس الحاجة إلى العناصر التي تتقد شعوراً و إحساساًً بواجباتها الإسلامية ...العناصر التي يغلي فيها الشعور بالمسئولية غلياناً...العناصر التي لا يهدأ تفكيرها بهذا الدين وبالعمل له ساعة من ليل أو ساعة من النهار .

هكذا كان شعور الرعيل الأول من المسلمين بمسئولياتهم تجاه الإسلام ...كان شغلهم الشاغل في كل الظروف وفي كل الأحوال ..كان محور حياتهم وتفكيرهم ساعة العسر واليسر ...قال زيد ابن ثابت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم (أحد) أطلب سعد بن الربيع؛ فقال لي: (إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له يقول لك رسول الله كيف تجدك ؟قال : فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم ...فقلت: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام، ويقول لك أخبرني كيف تجدك ؟فقال سعد: على رسول الله السلام .قل له :يا رسول الله أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف ....وفاضت نفسه من وقته ).

التكليف الحركي :

وإذا تجاوزنا نطاق الشعور الذاتي إلى نطاق (التكليف الحركي )لأمكننا القول بأن التكليف الحركي لا يصبح ذا أثر فعال في حياة الأخ إذا انعدم فيه الشعور الذاتي ....فالعناصر التي لا يحركها الإحساس الفطري الذاتي والهتاف العلوي الرباني لا يمكن أن يؤثر فيها التكليف الحركي والدفع البشري واتكال الدعوة على مثل هذا الصنف من الناس من شأنه أن يعرضها باستمرار للانتكاس والارتكاس .....وبالتالي يبدد كثيراً من طاقاتها في الهواء، وإذا كان الشعور الذاتي بمسئولية الجهاد الإسلامي من خصائص (الشخصية الإسلامية)ومن الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها الأخ الداعية .فإن الالتزام الدقيق بالتكليف الحركي ـ كذلك ـ عنصر أساسي (أصيل في جوهر العلاقات التنظيمية بين الدعوة والداعية ).فالداعية -كل داعية ينبغي أن يكون متكلفاً مع كل ما يناط به أعمال مستعداً لتنفيذ كل ما يكلف به من مهمات في حدود الطاعة التي سبق ذكرها .

وتحضرني في هذا المقام حادثة إن دلت على شيء فإنما تدل على مستوى الانضباط التنظيمي الذي وصلت إليه الحركة الإسلامية في عهد النبوة، وبالتالي حسن الالتزام بالتكليف الحركي :

قال جابر بن عبد الله الأنصاري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (غزوة ذات الرقاع ).فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فقال (من رجل يكلؤنا -يحرسنا -ليلتنا هذه)فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار هما : (عمار بن ياسر -وعباد بن بشر)..فلما خرجا إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري :أي الليل تحب أكفيكه .أوله أم آخره ؟قال المهاجري بل اكتفي أوله قال :فاضطجع المهاجري فنام ,وقام الأنصاري يصلي، وأتى أحد المشركين، فلما رأى الرجل يصلي رماه بسهم فوقع فيه فنزعه عباد وثبت قائما . ثم رماه بسهم آخر فنزعه وثبت قائماً، ثم عاد بالثالث وثبت فنزعه ثم ركع وسجد، ثم أيقظ صاحبه. فقال :اجلس فقد أصبحت .قال :فوثب عمار بن ياسر . فلما رآهما المشرك عرف أن قد علما بوجوده فهرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك ؟فقال الأنصاري : (كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها .فلما تابع الرمي ركعت وأيقظتك وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها ).

والداعية -كل داعية -على ثغر من ثغور الإسلام ...أمام مسئولية من المسئوليات فينبغي أن لا يؤتي من قبله، ويجدر به أن يصمد في موقفه ذاك حتى يلقى الله، وهو على مثل حاله فينال بذلك ثواب المرابطين وأجر المجاهدين .

فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله، ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة ).

منقول بتصرف من كتاب "مشكلات الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن  رحمه الله.