من يقرأ أحاديث الإسراء و المعراج فى السيرة يخرج منه بزاد وعبرة ودروس كثيرة تزيد الذين آمنوا إيماناً، وما أشد حاجة المسلمين اليوم إلى إحساسهم بمنزلة المسجد الأقصى وما حوله، وما يجب علينا نحو تحرير هذه الأماكن المقدسة من أيدى الصهاينة المغتصبين .

وحادث الهجرة كله دروس وعبر وزاد لا نستطيع حصرها هنا؛ فلكل فرد اشترك أو شارك فيها مواقف ونماذج رائعة لجانب أو أكثر من جوانب الخير يقتدي به الدعاة إلى الله؛ فاطمئنان الرسول وثقته في ربه وحرص أبي بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفدائية عليّ، ورباطة جأش عبد الله بن أبي بكر وأسماء وقيامهما بدورهما وسط هذا الجو الصاخب وكتمانهما الأمر .

ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سراقة سُواري كسرى وما فيه من ثقة بنصر الله ثم هذا الحب الدافق والشوق الكبير عند أهل المدينة الواضح من ترقبهم حضوره واحتفائهم به وغير ذلك من المعانى ذات الأثر النفسي الكبير... كل ذلك يحتاجه الداعي وهو على الطريق .

وخذ العبرة يا أخي من اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في كل مكان يقيم فيه، لنعرف أهمية رسالة المسجد ودوره في بناء الدولة الإسلامية لكى نعمل على إعادة هذا الدور الهام للمسجد وألا يقتصر على أداء الصلوات فيه .

وثمة درس نحتاجه اليوم وهو موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود وموقفهم منه ومن دعوته، فقد حرص أول مقامه بالمدينة أن يقيم بينه وبينهم علائق سلمية، وأن يؤمنهم على دينهم وأموالهم وكتب لهم كتاباً، ولكنهم قوم غدر فما لبثوا غير قليل حتى تآمروا على قتله؛ فكان سبباً في غزوة بني النضير ، ثم نقضوا عهده في أشد المواقف حرجاً يوم الأحزاب مما كان سبباً في غزوة بني قريظة، ثم تجمعوا من كل جانب يهيئون السلاح، ويبيتوا الدسائس لينقضوا في غدر وخسة على المدينة والمؤمنين؛ مما كان سبباً في غزوة خيبر فهؤلاء قوم لايصدق لهم وعد، ولا يستقيم لهم عهد؛ فلنأخذ الدرس، ولا ننخدع بغير ذلك .

تزود يا أخي من غزوة تبوك، وانظر ما يفعله الإيمان الصادق في نفوس المؤمنين من إثارة عزائمهم للقتال واندفاع أيديهم في بذل المال ومن استعذابهم المر   والعناء و التعب الشديد فى سبيل الله ومرضاته .

خذ الزاد من موقف هؤلاء النفر الذين جاءوا للجهاد فردهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يجد ما يحملهم عليه؛ فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً على حرمانهم شرف الجهاد وفرصة الاستشهاد في سبيل الله تعالى في حين أن طبيعة الإنسان أن يفرح لنجاته من الأخطار وابتعاده عن الحروب، ولكنه الإيمان الصادق يصحح الموازين  فيجعل كل موت في سبيل الله شهادة، وكل أذى في دعوة الحق شرفاً، وكل بلاء بسبب الإصلاح خلوداً .

ما أحوج من يسلك طريق الدعوة إلى الزاد الذى يحصل عليه عندما يقرأ في السيرة عن مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وما صاحبها من صور الحب والإيثار  و التى عبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .

وفي الغزوات زاد فنرى صوراً من الإقدام و الجهاد والإنفاق والاستشهاد ف سبيل الله ... ونرى في غزوة بدر كيف نصر الله الفئة القليلة المؤمنة على الكثرة الباغية الكافرة ، ونرى فى غزوة الفتح تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم عند النصر وعدم الغرور أو التعالي ، وفي غزوة أحد وحنين دروس وعبر كثيرة حول أسباب الهزيمة وضرورة التزام الأوامر والتعليمات ، وفي غزوة تبوك دروس وعبر كثيرة؛ فالخروج للجهاد رغم الحر و الجهد وعدم الاستجابة لتثبيط المنافقين الذين قالوا لا تنفروا في الحر ، ثم في قصة الثلاثة الذين خلِّفوا دروس وعبر كثيرة لأصحاب الدعوات .

وفي السيرة نجد حب المسلمين الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والحرص على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم  في كل صغيرة وكبيرة، ونرى حسن استجابة المؤمنين لكل أمر أو نهي في القرآن أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تردد كما حدث عند تحريم الخمر وعند نزول آية الحجاب للنساء .

وللأخت المسلمة زاد كبير من خلال السيرة وعلى سبيل المثال موقف نسيبة أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها في غزوة أحد حينما جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع وتكاثر عليه المشركون يريدون قتله فثبت وثبت معه نفر من المؤمنين منهم أبو دجانة رضي الله عنه تترس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحميه من نبال المشركين فكان النبل يقع على ظهره ومنهم نسيبة أم عمارة تركت سقاية الجرحى وأخذت تقاتل بالسيف وترمى بالنبال دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال في حقها: ( ماالتفت يميناً أو شمالاً يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دونى وقد جرحت يومئذٍ إثنى عشر جرحاً ) .

وللشباب المسلم أن يأخذ الزاد والثقة حينما يقرأ عن بعث أسامة بن زيد رضي الله عنه، وكيف يفسح الإسلام المجال لكفاءات الشباب وعبقرياتهم وتمكينهم من قيادة الأمر حين يكونون صالحين لذلك ، وفى تأمير أسامة على مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضى الله عنهم درس وزاد ودليل على مدى التهذيب النفسي   و الخلقى الذى  وصلوا إليه بفضل هداية الله وتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاده لهم .

ولكي تستفيد فائدة كبيرة من قراءتك للسيرة يا أخي اقرأها وكـأنك تعيش أحداثها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته .

وفي مقابل ذلك وأنت على طريق الدعوة هذه الأيام عليك أن تواجه الأحداث و المواقف متخذاً الموقف الذى يقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته لو كانوا بين أظهرنا يقودونا على الطريق .

من كتاب "زاد على الطريق" لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله