أن يقيم البيت المسلم القدوة:

الفرد المسلم- رجلاً كان أو امرأةً- هو اللبنة الأساسية التي يقوم بها وعليها بناء الدولة الإسلامية العالمية، وعلى رأسها الخلافة الإسلامية، فكما أوضح لنا الإمام البنا في ركن العمل من أركان البيعة في رسالة التعاليم أن مراحل البناء تتدرج ابتداءً من الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة المسلمة، فالدولة الإسلامية، وعلى رأسها الخلافة الإسلامية وأستاذية العالم، وبقدر إعداد الفرد المسلم إعدادًا قويًا سليمًا تكون باقي المراحل قوية سليمة.

فالواجب على الفرد المسلم أن يقيم الأسرة المسلمة القدوة التي تتمثل الإسلام في كل صغيرة وكبيرة في حياة البيت، فتتحرى الحلال وتتجنب الحرام وما فيه شبهة: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب:36)، واتباع هدي الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أعمال اليوم والليلة. وفي مواعيد النوم والاستيقاظ، وفي معاملة الخدم، والعلاقة مع الجار، وحدود العلاقة مع المحارم وغيرهم من الأقرباء، وبر الآباء والأمهات.
ففي هذا المناخ الإسلامي النظيف تنشأ الذرية الصالحة وتكون بحق قرة أعين للوالدين وذخرًا للأمة الإسلامية.

فعلى الأخ المسلم حين تتهيأ له أسباب النكاح أن يحسن اختيار شريكة حياته، وأن يلتزم بتوجيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- في ذلك في حديثه الشريف: "تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" (البخاري ومسلم).

وكذلك الواجب على أهل العروس أن يلتزمواْ توجيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- في حديثه: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلواْ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". (الترمذي).

يخطئ بعض الشباب وبعض الفتيات ويظنون أن السعادة الزوجية لا تتحقق إلا بالمسكن الفاخر والأثاث الفاخر والملابس والأدوات والسيارة وغير ذلك من متع الدنيا وزخارفها، وهذا فهم خاطئ، فليست هذه مصادر سعادة، ولكن السعادة من داخل النفس بتقوى الله:

وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ   وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السـَّعِيدُ
فحينما تتوفر التقوى لدى كل من الزوج والزوجة يتبادلان الثقة والراحة والسكن والمودة والرحمة، فكل منهما يعلم أن الآخر يتقي الله ويراقبه، ولا يدخل الشيطان بينهما بريب أو شكوك أو ظنون، يتحقق بينهما قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم:21).
فعلى الزوج والزوجة أن يعتبراْ الزواج عبادة كل يتقرب إلى الله بحسن أداء واجبه نحو الآخر.

وعلى الزوج والزوجة الاعتدال في مصاريف الحياة بين الإسراف والتقتير، فليست الدنيا دار الاستقرار والنعيم، ورسولنا- صلى الله عليه وسلم- معروف لدينا كيف كان حاله في بيوته من أثاث أو طعام أو لباس أو غيره....
وعلى الزوج والزوجة أن يتفاهما حول تحديد دائرة المعارف والأصدقاء لتفادي التورط في علاقات مع أحد من أهل السوء مع تحديد مدى العلاقة بهم.

وعلى الزوج أن يستشعر مسئوليته العظيمة أمام الله بشأن رعايته للأسرة: بدنيًا وروحيًا وعقليًا، مع التركيز على الجانب الروحي الذي تترتب عليه الحياة المصيرية، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم:6).

وحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته" (البخاري ومسلم).

وقد أوصى الرسول- صلى الله عليه وسلم- الرجال بالنساء خيرًا، فقال:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (الترمذي).

الزواج كشركة مديرها الرجل، وللزوجة دور كبير في حسن سير الحياة داخل الأسرة، فلا يهمل الزوج دورها، بل يساعدها أيضًا في بعض أعمال البيت فذلك يؤلف القلوب.

وعلى الزوج والزوجة أن يتعاونا في تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية صالحة، وعلى ربِّ الأسرة أن يضفي جو البهجة على الأسرة، ويحقق لها ألوانًا من التسرية والترويح الخالية من الإثم، وعلى الزوجة المسلمة القدوة أن تشجع زوجها على القيام بواجباته نحو إسلامه من عمل وتضحية وجهاد.

وعلى الزوج أن يكون يقظ الضمير حذرًا مما تحذّر منه الآيات الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ

عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (التغابن:15،14).

إن دور الزوجة والأم المسلمة في حقل الدعوة لا يقل خطورة وأهمية عن دور الرجل فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال، فعليها أن تحسن رعايتهم وتجنبهم قرناء السوء، وتعلمهم أدعية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في أمور الحياة اليومية، عند النوم، وعند الاستيقاظ، وعند تناول الطعام، والفراغ منه، وعند قضاء الحاجة، والفراغ منهان وعند لبس الملابس، وخلعها وهكذا فالذرية إذا أحسنت تربيتها تكون نعمة وقرة عين، ويدعون لوالديهم بعد وفاتهم (ويرعونهم عند تقدمهم في السن) أما إذا حدث تقصير في تربية الذرية فإنها تتحول إلى نقمة ومصدر إعنات لوالديهم.

وعلى الزوج والزوجة إحياء المناسبات الإسلامية في نفوس الأبناء، كالهجرة، والإسراء، والمعراج، وغزوة بدر وشهر رمضان وما فيه من خير، وليلة القدر وغير ذلك من المناسبات الإسلامية.

على الزوج والزوجة أن يحرصا أن يكون بينهما قدوة حسنة في النظام والنظافة والبساطة والخلو من كل ما حرم الله كالتماثيل وغيرها، وأن يجعلا بينهما منارة تضيء الطريق لغيرهم وقدوة لغيرهم من البيوت المسلمة، يبصرونهم بتعاليم الإسلام، خاصةً ما يتصل بالمرأة المسلمة من حيث الزي الإسلامي وما تقوم به بعض النساء من أمور متنافية مع الإسلام من صور التبرج.

فعلى الزوج والزوجة أن يكون لكل منهما دور في المجتمع لتهيئته ليكون مجتمعًا مسلمًا ملتزمًا بإسلامه، ومقتنعًا بأن الإسلام هو الحل، وضرورة تطبيق شريعة الله وإقامة الحكم الإسلامي.

هكذا نجد أن رجل العقيدة على طريق الدعوة يقوم بالإسهام في تحقيق مرحلة الفرد المسلم بإصلاح نفسه، وإقامة البيت المسلم، وإعداد المجتمع المسلم .. كل ذلك تمهيدًا لإقامة الحكم الإسلامي على تلك القاعدة الصلبة؛ ليستقر ويستمر في طريق إقامة الدولة الإسلامية.

وفي الختام أدعو كل مسلم أن يعد نفسه ليكون رجل عقيدة على طريق الدعوة، قدوةً لغيره في عزمه وثباته وجهاده وتضحيته، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن بعد عسرٍ يسرًا، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

منقول بتصرف من كتاب " مقومات رجل العقيدة " للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.