ننقل بتصرف كلام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحديث عن أولويات الحركة الإسلامية  في خصائص فكر الحركة فيقول:

الحركة وقضايا تحرير الأرض الإسلامية

ومما لا يجادل فيه منصف: أن الحركة الإسلامية قد جعلت تحرير الأرض ـ كل الأرض ـ الإسلامية من أكبر همومها، منذ نشأتها.

وقد سمعت الإمام الشهيد حسن البنا في إحدى خطبه يقول: إن جهودنا وجهادنا تتركز حول محورين أساسيين: الفكرة الإسلامية، والأرض الإسلامية.

وإنما قرن بينهما: لأن الفكرة لا تستقر ولا تتمكن إلا في أرض حرة مستقلة تسود فيها قيمها، وتعلو كلمتها، وتحكم شريعتها.

ومن هنا كانت أهمية (دار الإسلام) التي فيها يحيا ومنها ينطلق ويقود.

ومن أجل هذا أجمع فقهاء الأمة على وجوب الدفاع عن كل أرض يغزوها الكفار، وأن هذا الجهاد فرض عين على أهلها، وأن جميع المسلمين مطالبون بإعانتهم بالمال والسلاح والرجال إن احتاجوا إليهم، حتى يحرروا أرضهم من كل غاصب دخيل.

ولهذا لا يسع الحركة أن تقف صامتة أو متفرجة أمام أي جزء من أرض المسلمين يحتله أجنبي معتد أثيم.

ولا غرو أن كان المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة هو دار المجاهدين والثوار الأحرار، المناوئين للاستعمار من أنحاء العالم العربي والإسلامي، من إندونيسيا إلى مراكش.

وقد سمعت الإمام البنا يتحدث في أحد المؤتمرات القومية لشرح المطالب الوطنية التي يجاهد في سبيلها الإخوان المسلمون. فتحدث عن الوطن الصغير، وهو وادي النيل شماله وجنوبه (مصر والسودان) وعن الوطن الكبير وهو الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، وعن الوطن الأكبر وهو الوطن الإسلامي، من المحيط إلى المحيط.

وأكد أن تحرير هذا الوطن الأكبر من كل سلطان أجنبي فرض على المسلمين جميعا، وإحدى المهمات الأساسية للإخوان المسلمين.

ومن أولى القضايا التي اهتم بها الشهيد البنا، ولفت إلى خطرها الأنظار، وأثار الهمم، وحرك الجماهير، قضية أرض النبوات، أرض الإسراء والمعراج، أرض فلسطين، والخطر اليهودي الذي يتربص بها، في الوقت الذي كان الكثيرون من زعماء العرب والمسلمين في غفلة عن المؤامرة الكبرى التي تبيت لأولى القبلتين، المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.

وكم كتب حسن البنا من مقالات، وكم قاد من مسيرات، وكم عقد من مؤتمرات، وكم جند من رجال، وكم جمع من سلاح ومال، من أجل قضية فلسطين.

وحسبه ما سطرته دماء الشهداء من أبنائه وجنوده على أرض فلسطين سنة 1948م وما سجله لهم التاريخ بأحرف من نور، كما شهد بذلك اللواء المواوي، وغيره من قادة الجيش المصري، بل ما شهد به اليهود أنفسهم.

وفي كتاب الأستاذ كامل الشريف (الإخوان المسلمون وحرب فلسطين) صفحات مضيئة لهذا الجهاد المجيد، وفيه من الوقائع والحقائق ما يكفي ويشفي.

وهذا هو دور الحركة الإسلامية دائما وأبدا، مع كل قضية من قضايا الأمة المسلمة مشرقا ومغربا، وضد كل استعمار، غربيا كان أم شرقيا، أبيض أم أحمر.

ومن هنا كان اهتمام الحركة بقضية أفغانستان، التي تمثل خط الدفاع الأول أمام الزحف الشيوعي الأحمر، حتى ظن بعض الناس أن الحركة نسيت قضية فلسطين بقضية أفغانستان. والواقع أن الحركة لم تنس ـ ولن تنسى ـ قضية فلسطين، بل هي القضية الإسلامية الأولى، وتحريرها هو الواجب الأول، بل أن هذا ما يؤمن به المجاهدون الأفغانيون أنفسهم.

كل ما في الأمر أن قضية فلسطين كانت في حاجة إلى راية إسلامية ترفع ليلتف الناس حولها، ويجتمعوا تحتها. وقد حدث ذلك منذ قامت ثورة المساجد، وانتفاضة الحجارة، وأشبال الحجارة، وشعارها: لا إله إلا الله والله أكبر، وتبلورت في حركة المقاومة الإسلامية الواعية الباسلة الصامدة (حماس) التي جسدت إيمان الشعب الفلسطيني بإسلامه وعروبته، وأنه حي لا يموت، وأن جهاده مستمر تحمله الأيدي المتوضئة، والقلوب المتطهرة حتى النصر إن شاء الله.

إن على الحركة الإسلامية أن تعتبر نفسها مجندة لكل قضية إسلامية. كلما سمعت هيعة طارت إليها.

وأن تكون مع مسلمي كشمير، حتى يقرروا مصيرهم باختيارهم وإرادتهم، بالانضمام إلى باكستان، أو باستقلالهم بأنفسهم، ويبطلوا مؤامرة الاستعمار الهندي الذي يحاول إلغاء الهوية الإسلامية للولاية، بالتعليم اللاديني، بإشاعة الفاحشة والمخدرات واتخاذها قاعدة للتآمر على باكستان، بل على العالم الإسلامي كله.

وينبغي على الحركة أن تكون لديها معلومات واضحة عن كل هذه الحركات، وأن يكون لها حضور بشكل أو بآخر بين مجاهديها وقادتها، وأن تعمل باستمرار على جمع الصفوف وتراصها، ونسيان الخلافات الصغيرة من أجل الأهداف الكبيرة، فإن أعظم آفات الجهاد هو التفرقة بين فصائله، والله تعالى يقول: (إن الله يحب الذي يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (الصف:4)

وعلى الحركة الإسلامية أن تعمل وراء قضية فلسطين. كما جندت الحركة الصهيونية يهود العالم وراء قضية إسرائيل. بل عليها أن تجند كل ذي ضمير في العالم لمساندة قضيتنا العادلة.

وأوجب ما يكون ذلك في هذه المرحلة الخطرة، من مراحل القضية التي يراد فيه تهجير اليهود من كل أنحاء العالم  إلى الأرض المحتلة على حساب أهلها من أبناء فلسطين، تحقيقا للحلم القديم بقيام إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وطموحا إلى أرض الحجاز والمدينة المنورة وخيبر!