الحركة الإسلامية في مدار الأربعين عاماً

-  في المناهج والأساليب      

-  في التنظيم والتخطيط       

-  في التصور والتفكير 

-  في التقييم والتقدير

إن تعرض ( الحركة الإسلامية ) في السنوات الأخيرة لسلسة متلاحقة من المحن والظروف العصبية القاسية يقتضي استنفار العاملين في الحقل الإسلامي في شتى ديار الإسلام لإعادة النظر في ( الخط التجريبي ) الذي مرت به الدعوة الإسلامية، كما يفرض على المتصدرين للكفاح الإسلامي أن يراجعوا بكل أمانة وإخلاص مخزون الإنتاج الإسلامي ( الفكري والحركي ) خلال الفترة المنصرمة بكل ما فيه من حسنات وسيئات.

1 - في المناهج والأساليب :

إن الأساليب التي اعتمدها الاتجاه الإسلامي طوال السنوات الماضية كانت تفتقر دائما إلى الكشف والتطوير لتكون في مستوى القضية الإسلامية وفي مستوى الأحداث والظروف التي تحيط  بها، ثم إن ملاحظة الفوارق الطبيعية المتعددة بين قطر وقطر وبيئة وأخرى مهم جداً في عملية التطوير هذه فما يقاس على الدعوة في بيئة لا يمكن أن يقاس عليها في كل بيئة، وما يعتمد  من مناهج وأساليب في مكان وزمان معينين لا يمكن أن يعتمد جملة وتفصيلاً في كل زمان ومكان .

2 - في التخطيط والتنظيم :

وإذا كان الاتجاه الإسلامي بحاجة إلى تطوير أساليبه ومناهجه فإنه أحوج ما يكون كذلك إلى ملاحظة قيمة التخطيط وأثره في بلوغ القضية الإسلامية والحركة الإسلامية أهدافها وغاياتها، وإذا عنينا بالتخطيط والتنظيم لنظرية الحركة الإسلامية وأسلوبها في تغير واقع إنساني قائم بآخر منشود بكل ما يقتضيه ذلك من فهم شامل ودقيق للواقع القائم وتقدير واع للقوى والاتجاهات التي تعيش فيه ثم من تصور عميق للواقع الإسلامي المنشود ومدى ما يحتاجه من كفايات وإمكانات فإنما نريد بذلك أن نشير إلى أن الإخفاق الذي كان يمنى به الاتجاه الإسلامي و النكسات التي كانت تصاب بها الحركة الإسلامية ناجم بصورة خاصة عن التخبط في طرائق العمل وإهمال جانب التخطيط ...

وإذا أردنا أن نكون صرحاء في معالجة قضايانا والوقوف  طويلاً عند أخطائنا حرصا على الاستفادة من التجارب في الحاضر والمستقبل فيمكننا القول بأن ( السطحية ) في تحديد الأهداف ووضع التصاميم وتقدير الأبعاد هي إحدى العلل التي ينبغي معالجتها فإذا أمكن افتراضاً اعتبار السطحية ( توكلاً ) في بيئات بدائية فطرية فلا يمكن اعتبارها إلا ( تواكلاً ) في مجتمعات متحضرة متمدنة وإذا كانت الحركات الحزبية حريصة  على تضمين  مخططاتها باستمرار عصارة دراستها وتجاربها فإن حرص الحركة الإسلامية ينبغي أن يكون أشد وهي دعوة الحق والهدى والنور .

وأود في سياق الكلام عن أهمية التخطيط أن  أشير ولو بإيجاز إلى ( السطحية ) التي تعانى منها الحركة في نطاق التصور والتخطيط ...

أمامنا الآن سؤالان تشكل الإجابة عليها جزءا هاما من تصورنا وتقديرنا لطبيعة العمل الإسلامي وأهدافه وأبعاده ،

السؤال الأول :

هل الدعوة إلى الإسلام عملية ترقيع جزئي أم هي حركة هدم وبناء.. هدم الجاهلية بكل صورها وأشكالها وبناء المجتمع الإسلامي بجميع مقوماته وخصائصه ؟ فإذا كانت الثانية فهل تقوى مناهجنا على القيام بمثل هذه المسئولية الضخمة الجبارة ؟

السؤال الثاني :

إذا كانت دعوتنا تهدف إلى استئناف حياة إسلامية صحيحة في كل آفاقها وأبعادها فكيف نفسر مطالبتنا غيرنا من الحكام والحكومات أحيانا بتحقيق رغباتنا في الحكم ونحن غير مؤمنين أصلاً بجدوى المطالبة لا من قريب ولا من بعيد؟ ...

إن حرص الحركة كل حركة أن تتولى بنفسها تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها منطق سليم ينبغي أن تصدر عنه  الحركة الإسلامية وتتبناه وليس من الإخلاص والتجرد في شئ زهدها في تحمل تبعات الحكم والتنفيذ  وأن العالم والتاريخ لا يعرفان حركة من الحركات العقائدية قدمت عصارة نضالها وكفاحها لغير المؤمنين بأهدافها الملتقين معها على دروب النضال والكفاح .

إن الثورة الفرنسية - مثلاً - كانت أمنية من الأماني التي عمل لها ( روسو - وفولتير - ومنتسكيو ) والانقلاب الشيوعي كان ثمرة المخطط الذي وضعه ( ماركس ولينين )، والنازية الألمانية لم تظهر إلا في أرض غزاها (هيجل - وجوته - ونيتشه).

3 - في التصور والأفكار :

وحاجة الاتجاه الإسلامي إلى وحدة المحتوى الفكري لا يقل ضرورة عن حاجاته الأخرى الضرورية وأعنى بوحدة المحتوى الفكري ( القواعد الفقهية ) التي تحكم مواقف الحركة وتحدد آراءها وتصوراتها في كل شأن من الشؤون ( العقائدية - الاجتماعية - الاقتصادية - السياسية ) .

وأود أن ألفت الانتباه - هنا إلى ضرورة التمييز بين ( تخمة ) المكتبة الإسلامية بالكتابات والتآليف الإسلامية ( وفقر ) الحركة الإسلامية للأصول المتبناه كأساس تشريعي للنظم الإسلامية ...

 ثم إنني لا أريد أن يفهم من قولي - هذا -  الدعوة إلي الحد من أفق التفكير ... فعلى الصعيد الفردي ليبقى باب الاجتهاد مفتوحا على مصراعيه للباحثين من أهل الاختصاص، أما على الصعيد الحركي فإن تبنى الدعوة الإسلامية لوحدة مفاهيم شرعية أمر ضروري ينبغي تحقيقه ...

إن كثيرا من القضايا والأمور مما تتعرض له الحركة الإسلامية خلال سيرها فيه آراء وأقوال متعددة، والتبني خير سبيل  للخروج بالدعوة من قلق الخلاف وغموضه إلي وضوح الفكر ووحدته .

4 - في التقييم والتقدير :

ومن أسوأ ما أصيب به الاتجاه الإسلامي استخفاف أصحابه وعدم تقديرهم لأثقال المعارك التي يخوضونها فكريا وسياسياً ولعلى لا أجد لهذه الظاهرة إلا أحد سببين :

أولاً :  أما تقدير الاتجاه الإسلامي ( الزائد ) لقوته وإمكاناته مما يجعله مستهيناً بأعدائه وخصومه وهذا ما انهزمت بسببه كتائب المسلمين في حنين { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنك من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين }.

ثانيا : أو أنه شطحة من شطحات التواكل الذي لا يقيم للإعداد المادي وزناً وهذا ما أنكرته الآية الكريمة بصريح دعوتها إلى الأخذ به والاستزادة منه { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط  الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } .

ومن الخطأ القول بأن الحركة الإسلامية قليلة الإمكانات إذا قيست بسواها من الحركات؛ فالحركة الإسلامية فضلاً عن كونها الاتجاه الأقرب إلي فطرة الجماهير وفضلاً عن كون مجالات عملها أوسع بكثير من مجالات غيرها فإن إمكاناتها الذاتية لا بأس بها قطعاً، ولكن افتقادها إلى التخطيط والتنسيق يضيق مجال الانتفاع بهذه الطاقات وقد يعمل مع الأيام على ضياعها .. ولقد أضحى من  المحال بقاء الحركة الإسلامية على ما هي عليه فالإسلام اليوم يتعرض في كل مكان لوحدة مصير ... وكل تأخير أو تقصير في بقاء الحركة على هذا الشكل سيكون حتماً على حساب الإسلام نفسه.

 

منقول بتصرف من كتاب -مشكلات الدعوة والداعية للأستاذ فتحي يكن – رحمه الله