د. عز الدين الكومي

بالرغم من استمرار الطاغية في ظلمه للشعب وتجويعه وإذلاله  بالقمع والقهر والتجويع.. فقد ظهر الطاغية في زيارته  لصعيد مصر على أنه الحاكم الذي لامعقب لحكمه ، العالم ببواطن الأمور الذي يدير الدولة بمعرفة واقتدار، متظاهرا بأنه الرجل القوي الذي لايخشى أحداً ! وذلك في مشاهد عبثية مع وزراء "طوابي" لا وزن لهم ، وحالة من الغرور يخفي وراءها عقدة النقص لديه.
وقد وضحت العقلية العسكرية المتخلفة  في إدارة الأمور من خلال أنه يأمر والجميع ينفذ ! .
ومع ذلك لازال سحرة فرعون في الإعلام المأجور يمجدون الطاغية ويصفونه بالوطنية والحرص على مصالح الشعب والسهر عليها .
فهذا مخبر أمن الدولة "مصطفى بكرى" الذي نصَّب نفسه متحدثاً باسم الصعيد مخاطباً الطاغية : «بقولك ياريس إنك ستواجه تحديات كثيرة ، وعارفين إنك بتطبطب على الناس ، وحديثك عن الفلاح ومشاكله إحساس بالناس، ونحن كأبناء الصعيد سعيدون بزيارتكم" !! .
وبالرغم من تطبيل إعلام الانقلاب فإن الشعب المصري لايمكن أن ينسى ظلم الطاغية مهما طال الزمن .
فالشعب رافض لظلم العسكر .. إلا فئة من المرتزقة والمنتفعين الذين يستفيدون من العطايا والمزايا التي يمنحها النظام الانقلابي لبعض الأفراد افي مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والمشخصاتية ورجال الأعمال الفاسدين الذين يحرص النظام على ترضيتهم ليحظى بدعمهم !! 
وهذه الفئة سيأتي عليها الدور وتتجرع طعم الظلم  _ بل أتى الدور فعلا على كثير منهم _ لأنها سكتت عن ظلم الطاغية ظناً منها أن السكوت عن ظلم الطاغية سيمنع عنهم ظلمه .
فهناك من يؤيد الطاغية ولم يستفد شيئا سوى مشاركته في ظلم الآخرين وتحمل أوزارهم، أو على الأقل رضوا بما يقترف من جرائم بحق الشعب المكلوم !! . 
والطامة الكبرى ليست في سكوت الخانعين عن ظلم الطاغية بل في إعانته على ظلمه والتصفيق له ومدحه والثناء عليه كما نرى ونسمع فى إعلام مسيلمة الكذاب .
ويحاول هؤلاء إقناع  البسطاء من الشعب بأن الظلم قد يكون مفيداً في بعض الأحيان ! لأن البديل هو الفوضى، وتجدهم يفاضلون بين الظلم والفوضى، وأن الظلم أفضل من الفوضى حسب زعمهم ، ولكننا لاحظنا في الواقع وجود الفوضى والظلم والشقاء والفقر وغلاء الأسعار والأزمات والكوارث !! .
فالحاكم الظالم الذي يلجأ إلى التعذيب والقتل والظلم بزعم دفاعه عن القانون.. يكون هو أول من يدوس القانون والدستور إذا تعارض مع تطلعاته وشهواته وتسلطه وطمعه في السلطة ! .
 وهكذا تغيب العدالة في النظم الدكتاتورية من خلال الظلم والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري والتعذيب الممنهج  وحرمان أسر الضحايا من رؤية ذويهم  _ بل من المشاركة في تشييع جثمان من استشهد منهم أو العزاء فيه _  بل يجب عليهم أن يلوذوا بالصمت إذا أرادوا أن ينجوا بأنفسهم من ظلم الطاغية ! .
فالدول الظالمة لها شكل الدول ظاهراً ، ولكنها في الحقيقة تتصرف كعصابات محترفة . 
وزعماء هذه الدول مجرد قطاع طرق يمارسون قطع الطرق علانية، ومع ذلك تراهم يتحدثون عن العدل والمساواة وسيادة القانون وغيرها من المفردات التي يلوكها طغاة هذه الدول !! . 
لكن عاقبتهم ستكون وخيمة بإذن الله تعالى ، كما يشهد بذلك التاريخ  والواقع المشاهد !!  . 
فعندما نُكِب البرامكة زمن الخليفة هارون الرشيد وأودعهم السجون وكان منهم يحيى البرمكي وابنه ، فقال الإبن لوالده وهما في السجن : "يا أبت بعد العز والأمر والنهي .. صرنا في القيد والحبس" ؟!
فقال الأب: "يا بني لعلها دعوة مظلوم سَرَت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله تعالى عنها" .
فالعدل هو الحارس الأمين وليست البنايات والأسوار الشاهقة، وما عساها أن تفعل الأسوار الشاهقة إذا ساد الظلم وغاب العدل وعم البلاء؟ !!
فقد كتب والي حمص إلى عمر بن عبد العزيز : "إن مدينة حمص قد تهدمت واحتاجت إلى الإصلاح".
 فكتب إليه عمر : "حصِّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الجور، والسلام" .
فالمظلوم لاينسى مهما طال ليل الظلم .
فقد كان الكسائي من كبار العلماء الحكماء والمؤدبين الفضلاء الذين أشرفوا على إعداد وتربية أشهر أبناء الخلفاء العباسيين وتعليمهم، وكان من أبرز تلاميذه الخليفة المأمون والخليفة المعتصم والخليفة الأمين أبناء هارون الرشيد ، 
وفيما كان يعلّم المأمون بن هارون الرّشيد وهو صبيّ قام الكسائي بالعصا وضربه دون سبب !
فسأله المأمون : لِمَ ضربتني؟
قال المعلم: اسكت .
فأعاد المأمون السؤال ثانية؟ فقال له المعلم: اسكت . وضربه مرة ثانية..!
وكلما سأله عن سبب ضربه أجابه بالجواب ذاته: اسكت.. اسكت.. حتى أمضى يومه مكتوماً ونام مقهوراً مما مرّ به .
وعندما تولّى المأمون الخلافة، كان أوّل شيء قام به أنه استدعى معلّمه الكسائي، وقال له : "لِمَ ضربتني ذلك اليوم من غير سبب؟ وكلما سألتك عن السبب ضربتني أو أسكتّني" .؟
فابتسم المعلّم الشيخ وقال: "أَلَمْ تَنْس يا أمير المؤمنينَ؟
فقال المأمون : والله لم أنْسَ، وهـا أنا ذا مازلت أسألك عن السبب" ؟ 
فقال له المعلم: "حتّى تعلم أنّ المظلوم لا ينسى، وأن ليل المظلوم طويل يا أمير المؤمنين"
وما أعظم وأجلّ قول الحق تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )إبراهيم (42).
ومع ذلك رأينا كيف يتبجح الطاغية قائلاً : "أنا عايز يوم القيامة ربنا يشيلني كل حاجة عملتها"! .
بل أنت من (تشيّل) نفسك بنفسك أوزارك ومظالمك !!
(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف (49)