استكمالا  للأسباب التي تؤدي إلى التساقط أثناء السير في طريق الدعوة - يكمل الأستاذ فتحي يكن – حديثه في كتابه (المتساقطون على الطريق  كيف .. ولماذا ؟) [منقول بتصرف ] .

ثالثا : أسباب خارجية ضاغطة

ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين والدعاة على طريق الدعوة ما يتصل منها بالظروف والأوضاع العامة والعوامل الخارجية الضاغطة ...

وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة، ومنها:

3- ضغط البيئة :

ومن العوامل التي تساعد على تساقط العاملين وإسقاطهم عن مسرح الدعوة ضغط البيئة ...

فالأخ المسلم قد ينشأ في بيئة محافظة ثم ينتقل منها بسبب الدراسة أو العمل إلى بيئة أخرى، عوامل الشر فيها أكثر، وجواذب الجاهلية أشد، وهنا يبدأ الصراع عنيفاً فأما صمود واستعلاء، أو سقوط واستخذاء ...

أذكر أن أحد الأخوة سافر إلى (أمريكا للدراسة ) وكان مثال المسلم في بلدته، والقدرة الحسنة بين إخوانه، ومكث في أمريكا بضع سنين، وعاد بعدها إنساناً آخر لا يمت بأدنى صلة إلى ماضيه القريب...

لقد كان أثر البيئة عليه كبيراً جداً بحيث أفقدته كل بريق كان يتحلى به قبل سفره المشئوم .

وإنسان آخر سافر إلى نفس هذه البيئة ولم يتمكن من التماسك والثبات أكثر من سنة غرق بعدها إلى ما فوق أذنيه في المعاصى، ثم انقطعت أخباره، واختفي أثره .. ولازلت حتى اليوم أذكر رسائله إليّ خلال عامه الأول، وهي مليئة بالنقد والتعريض بأكثر العاملين في الحقل الإسلامي من الدعاة والقياديين، وكأنه في مستوى من الالتزام لا يدانيه فيه أحد ..ثم كانت النتيجة أنه نكص على عقبيه، خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

إن العوامل التي تؤدى إلى انهزام الفرد أمام ضغط البيئة كثيرة :

-فقد يكون تكوينه في الأساس غير صحيح، كأن تكون عنده إشكالات واهتزازات في العقيدة، أو انحراف خفي في السلوك .

- وقد يكون التزامه في بيئته التزام خجل وتقليد ومحاكاة، وليس التزام قناعة وإيمان، وعندما انتقل منها إلى غيرها سقط مبرر الالتزام بسقوط عوامل الخجل والتقليد والمحاكاة...

- وقد يكون السبب إعراضه في بيئته الثانية عن محيط الدعوة والدعاة وإقباله على بيئة الجاهلية وعشراء السوء وفي هذا الخطر الكبير المستطير الذي يؤدي حتماً إلى سقوطه إن لم تتدراكه عناية الله، ومما يذكر أن الإمام الشهيد حسن البنا كان إذا ودع أخاً إلى بلاد الاغتراب للدراسة أو العمل حذره فيما حذره من اثنتين : من المرأة الأولى والكأس الأول ..

4- ضغط حركات الضرار :

ومن العوامل التي أدت إلى سقوط الكثيرين على طريق الإسلام والدعوة ما اتصل منها بحركات الضرار التي تشهدها الساحة الإسلامية والتي لا عمل لها سوى التشكيك والنقد المسلطين على الحركة الإسلامية لتحطيمها وتهديمها وباسم الإسلام .

ففي كل قطر تبرز بين الحين والآخر فرق تحمل اسم الإسلام، تخرب عقول الشباب وتعطل دورهم، وتسمم أجواءهم؛ فلا تجتذبهم للعمل معها، ولا هي تتركهم حيث هم يعملون..

إن ظواهر التعددية في العمل الإسلامي لا يمكن أن تكون أو تعتبر ظاهرة صحية لأن انعكاسها على الساحة الإسلامية سلبي، ومن شأنه أن يجعل بأس العاملين بينهم، ويشغلهم عما هم بصدده من مهام وأعباء .

أعرف كثيرين اختفوا عن حياة الدعوة بسبب انهزامهم أمام حملات التشكيك المستمرة على الساحة الإسلامية .

إن الشباب اليافع قد لا يستطيع الصمود أمام حملات الإرجاف التي تتعرض لها الحركة الإسلامية؛ فهو لما يكتمل بعد تكوينه، ولما يقوَ إيمانه، بل ليست لديه القدرة على تمحيص الأمور ومعرفة الغث من الثمين.. ولهذا سرعان ما تراه ينهار ويسقط ...

أحد الأخوة كان  مضرب المثل في النشاط والإنتاج فجرى تطويقه من قبل إحدى حركات الضرار هذه... وبدأ الهمس الآثم يقرع أذنيه وإلقاءات الشيطان تعبث في نفسه، وإذا به صريع الحيرة والشك، وانتهي به المطاف إلى أن ترك العمل الإسلامي وكفر بالعاملين وغدا بعد ذلك شيوعياً ملحداً .

أكثر حركات الضرار هذه لها بريق أحياناً يعمى الأبصار ...

- فمنها ما يجعل اهتمامه بالعقيدة مما يلفت النظر إلى قدرتها في هذا المجال دونما انتباه إلى ما تعانيه من ضعف وإفلاس في المجالات الأخرى ..

-ومنها ما يجعل اهتمامه بالشئون العسكرية مما يثير الاعجاب بها في هذا الشأن من غير التفات إلى عجزها في غير ذلك من شئون ..

- ومنها ما يكون متقدماً في الناحية الروحية، ولكن حتماً على حساب النواحى الأخرى التي لا بد منها لصيانة الشخصية الإسلامية وإقامة العمل الإسلامي الأصيل ..

وهكذا يؤدى قيام أمثال هذه الفرق الإسلامية إلى تشويه صورة الإسلام وإلى تشويه الشخصية الإسلامية، ومن ثم إلى تشويه العمل الإسلامي وملء الساحة الإسلامية بالمتناقضات ... ولكم خربت هذه الظواهر عقولاً كانت سليمة، وأطفأت شعلاً كانت متقدة وأتلفت قوى كانت منتجة معطاءة ؟

5- ضغط الوجاهة :

ومن عوامل تساقط العاملين على طريق الدعوة ما يتعلق بالوجاهة ومشتقاتها، وهذا كله يدخل في مرض العجب والغرور حب الذات والكبر الأنانية التي كانت السبب في سقط إبليس حيث أخذته الغوة بالإثم فقال { أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين } الأعراف 12] .

لقد مر في حياة الدعوة أنماط من الناس كانت (الوجاهة) فتنتهم والمدخل الشيطانى إلى نفوسهم .

كانوا في مقتبل العمر وقبل أن يلجوا إلى المجتمع من بابه الكبير مثال الالتزام والطاعة حتى إذا أحسوا في أنفسهم أنهم أصبحوا شيئاً أو أصبحت لهم منزلة اجتماعية مرموقة وقد يكونون بلغوها على حساب الدعوة إذا بهم يتغيرون وإذا لم تتداركهم عناية الله ينقلبون على أعقابهم يحاربون المهد الذي احتضنهم والجماعة التي ربتهم ويكفرون العشير الذي أخذ بأيديهم إلى الإسلام ؟

- فهذا شاب كان منصب القضاء عامل فتنة في حياته ومعمول هدم في سلوكه وسبباً في سقوطه .

-وذاك آخر كانت (العمة) بكسر العين سبباً في طغيانه وهو يحسب أنه قد أحسن صنعاً .

- وآحر كان المال فتنته ثم زواجه بابنة أحد الوجهاء مصرعه .

-آخر وآخر وآحر ممن لا عد لهم ولا حصر سقطوا أمام ضغط الوجاهة الزائفة، ولو أنهم آمنوا واتقوا لخجلوا من ذواتهم، وبكوا على أنفسهم، واستعاذوا بالله من نفحة الكبرياء ولكن { قتل الإنسان ماأكفره من أى شىء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقضى ما أمره } عبس 17: 23].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين ونسأله السداد والثبات، وحسن الختام، ونعوذ به من  زوال النعمة، وفجأة النقمة ،و تحول العاقبة، وسوء المنقلب، إنه سميع الدعاء