استكمالا  للأسباب التي تؤدي إلى التساقط أثناء السير في طريق الدعوة - يكمل الأستاذ فتحي يكن – حديثه في كتابه (المتساقطون على الطريق  كيف .. ولماذا ؟) [منقول بتصرف ] .

ثالثا : أسباب خارجية ضاغطة

ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين والدعاة على طريق الدعوة ما يتصل منها بالظروف والأوضاع العامة والعوامل الخارجية الضاغطة ...

وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة نجملها بما يلى :

1- ضغط المحن :

إن المحنة في حياة الدعوة والداعية هي المحك الأقوى والامتحان الأكبر؛ فكم من أناس اختفوا عن مسرح العمل الإسلامي بعد تعرضهم لمحنة أو إيذاء ولقد كانوا قبل ذلك من أشد المتحمسين ...

ولقد أكد القرآن الكريم على حتمية المحنة في حياة المؤمنين لتمحيص الصفوف وتصنيف المعادن وسبر أغوار  الايمان ...

فقال تعالى { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } وقال { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم } .

وبين صنوف الناس أمام المحنة.. فمنهم الصامد الصابر المحتسب { الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانهاً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .. { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } ومنهم المنهزم الذي لا يلبث أن يسقط ويختفي من حلبة الصراع { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ...} .

ثم يقرر القرآن الكريم أمرأً لا مناص منه حيث يقول { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } .

لقد كانت المحن على مر التاريخ عاملاً قوياً في تساقط وسقوط البعض على الساحة الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه عامل استقواء ومضاء وثقة واعتزاز وصمود وثبات للبعض الآخر .

2- ضغط الأهل والأقربين :

ومن الضغوط التي يواجهها العاملون في الحقل الإسلامي والتي قد تؤدى إلى التساقط ما يتصل بالأهل والأقربين آباء وأمهات وزوجات وأولاداً ..

وقل أن ينجو من ضغط الأهل أحد ... فالقاعدة أن الأهل يحدوهم جميعاً الخوف على أبنائهم من أن يصيبهم في كل زمان ومكان من أذى . وبعضهم الآخر تأخذه العزة بالإثم ويكبر عليه أن يسبقه صغيره بالهدى فيحاول صده والضغط عليه بشكل وبآخر .

عرفت أنماطاً غريبة من الآباء كانوا يغرون أبناءهم ممن التحقوا بدعوة الإسلام وساروا في طريق الحق ليحولوا بينهم وبين دعوتهم وإسلامهم ولو بتشجيعهم على الرذيلة وارتياد أماكن اللهو ليصدوهم عن سبيل الله ..

وعرفت آخرين كانوا يضربون أبناءهم ويضيقون عليهم في المال والرزق ليردوهم عن سبيل الله ..

ولقد حذر القرآن الكريم من الإذعان لضغوط الأهل آباء وأنباء، وحض على الثبات والصمود والجهاد في سبيل الله فقال تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين } التوبة 24 ].

ومن النماذج التي حكاها القرآن الكريم عن الضغوط التي يواجهها الدعاة إلى الله من الأقربين والأهل قصة إبراهيم عليه السلام مع عشيرته وأبيه حيث عرض لها في أكثر من موقع فقال تعالى { واذكر في الكتاب إبراهيم انه كان صديقاً نبياً إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً يا أبت إنى قد جاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهديك صراطاً سوياً يأنبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً قال أراغب أنت عن آلهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا ...} .

وهذا مصعب بن عمير يتعرض لضغوط أمه وكان وحيدها ووريث زوجها الغنى المتوفي ..فقد أقسمت أن تحرمه من ثروة أبيه فلم يبال أو يتراجع .. ثم أقسمت أن لا تذوق طعاماً قط حتى يترك دعوة الإسلام وصحبة محمد صلى الله علي وسلم .

وعندما مرت الأيام وهي على ذلك وقد شحب لونها وهزل جسمها دخل عليها ابنها مصعب ليحسم الأمر معها وليقطع كل أمل في انكفائه إلى الجاهلية من جديد فقال ((والله يأماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد )).