ننقل لكم بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.

الوحدة داخل القطر الواحد :

كان من تخطيط الأعداء لتمزيق شعوبنا توريد مبادىء وضعية وتكوين أحزاب لتلك المبادىء ليتوزع أبناء الشعب حولها فى تنافس للوصول الى كراسى الحكم، ولتكون هذه المبادىء بديلاً للشريعة الإسلامية، فإذا بالشيوعية والاشتراكية و القومية و الوطنية وغيرها من تلك المسميات تتكون لها أحزاب وترفع لها رايات وتصدر لها صحف ومجلات، فى وقت تحارَب فيه الحركات الإسلامية فى بلادنا العربية والإسلامية ولا يسمح لها بالوجود القانونى ويمنع نشاطها وتلغى صحفها ومجلاتها .

وبجانب الأحزاب نجد جماعات وتجمعات إسلامية كلا منها حددت لها أهدافاً ووسائل لتحقيق تلك الأهداف، وبعض هذه التجمعات تسير متعاونة وبعضها تنشب بينها خلافات بدرجات متفاوتة .

وهكذا نجد جمهور الشعب المسلم موزعاً بين هذه الأحزاب السياسية و الجماعات أو الجمعيات الدينية وجانب من الشعب لم يشغل نفسه بشىء من ذلك كله وعكف على نفسه وعلى أمور معيشته وأسرته، هذا هو الحقل الذى يجب علينا أن نبذل جهودنا لجمع كلمته تحت راية الإسلام، وعلى طريق العمل الصحيح الجاد لتحقيق هدفنا العظيم، وهو التمكين لدين الله وإقامة دولته وخلافته

و السبيل لجمع كلمة كل شعب مسلم ووحدته يعتمد أول ما يعتمد على إحياء العقيدة الإسلامية فى النفوس، وبعث الإيمان فى القلوب، وتعريف المسلمين بحقيقة دينهم وعظمته وشموله، وأنه يغنينا عن كل تلك المبادىء الأرضية التى تثبت الأيام إفلاسها وفشلها فى إسعاد الناس؛ لأنها من صنع البشر العاجز ، أما الإسلام فهو من صنع رب العالمين خالق البشر العليم الخبير بكل ما فيه خيرهم وصلاحهم، ولا يجوز تأدباً مع الله مجرد مقارنته بأى من تلك المبادىء الأرضية .

والإيمان حينما يباشر قلوب الناس يدفعهم إلى الحب والألفة بينهم ونبذ الخلاف والفرقة فيستجيبون لداعى الوحدة بينهم طاعة وتقرباً الى الله الذى يقول لهم { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } آل عمران الآية 103 .

ثم يقول { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم } آل عمران الآية 105 .

هذا هو الطريق الذى سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ركز على ترسيخ عقيدة التوحيد في النفوس وإظهار زيف الأصنام وبطلان عبادتهم من دون الله فتهيأت النفوس بعد ذلك للوحدة والأخوة والإيثار، وقد ظهر ذلك واضحاً عندما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وكان ذلك خطوة رئيسية فى إعداد القاعدة المتماسكة التى يقوم عليها البناء فعلى العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية بذل الجهد فى نشر الدعوة وبعث الإيمان وجمع الكلمة تحت راية الإسلام والأخذ بكل الأسباب و الوسائل المشروعة لتحقيق ذلك مع الصبر و المثابرة؛ لأن التغيير المنشود لن يتحقق إلا من خلال سنة الله التى لا تتبدل { إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } الرعد الآية 11 .

ويجب ألا يثبط من عزيمتهم ما يواجهونه من عوامل الإفساد الرسمية وغير الرسمية فى أجهزة الإعلام وغيرها، ولا ما يقوم به أصحاب المبادىء الهدامة من تشويه للإسلام أو تشكيك فى العاملين الصادقين له؛ فالباطل مهما انتفش فهو زهوق، ولن يصمد أمام الحق وصدق الله العظيم { بل نقذف بالحق علىا الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } الأنبياء الآية 18 . كما أن سنة الله غالبة { كذلك يضرب الله الحق و الباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض } الرعد الآية 17 .

وعلينا أن نفوت فرص الاستفزاز أو الإثارة ولكن نقابل ذلك بالحكمة و الهدوء و العمل الجاد الذى يؤدى فى النهاية الى استقطاب أكبر عدد من الناس تحت راية الإسلام بتخليهم عن غبرها من الرايات الأرضية التى خدعتهم ببريقها الزائف فينصرفون عن مواقع الفساد الى طاعة الله وبيوت الله لأداء الصلاة لله رب العالمين .