استكمالا  للأسباب التي تؤدي إلى التساقط أثناء السير في طريق الدعوة وأبرز شروط عدم التقييد في استعمال القوة - يكمل الأستاذ فتحي يكن – حديثه في كتابه (المتساقطون على الطريق  كيف .. ولماذا ؟) أسباب التساقط بسبب الفرد نفسه[منقول بتصرف ] .

(هـ ) أن يكون وفق الأولويات: فالإعداد في الإسلام يخضع لترتيب وفق أولويات لا يجوز التساهل فيها أو عدم تعريض المسلمين للتهلكة بما يوجب ملاحظة قوة العدو وعدده.. يقول الإمام الشافعي: (( ولا ينبغي أن يولّى الإمام الغزو إلا ثقة في دينه، شجاعاً في بدنه، حسن الأناة، عاقلاً للحرب، بصيراً بها غير عجل ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من ولاه : أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال، ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدخوا تحته ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ولا غير ذلك من أسباب المهالك )).

(هـ ) أن يكون وفق الأولويات : فالإعداد في الإسلام يخضع لترتيب وفق أولويات لا يجوز التساهل فيها أو تجاوزها؛ لأنها مقتضى الصراط المستقيم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- فكتب الفقه أجمعت على أن للجهاد شروطاً لا بد منها وهي: الإسلام - البلوغ - العقل - الحرية - الذكورة - السلامة من الضرر - وجود النفقة، وهذا يدل على أن الأولوية للإسلام قبل الجهاد الجهاد .. وأن الالتزام الإسلامي أوجب من الالتزام الجهادى؛ لأن الأول أصل، والثاني فرع، وطبيعة المرحلة المكية تؤكد أولوية الدعوة إلى الإسلام والتزامه ثم الجهاد في سبيله ...

- وعدم اعتبار القتال واحداً من أركان الإسلام أو الإيمان مع عظيم فضله ورفيع ثوابه وأجره إنما يؤكد أن الأولوية لهذه الأركان، وأن القتال في الإسلام استثناء وليس قاعدة، وأن شرط القيام به استكمال أركان الإيمان والإسلام، وأن ترك القتال لا ينقض الإسلام والإيمان في حين ينقضه ترك ركن من هذه الأركان ...

- وترتيب وصف الله تعالى لعباده المؤمنين يؤكد الأولويات هذه. ومن ذلك قوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله .. الآية } .

(و) أن يكون إعداداً سليماً متقناً ... ذلك أن (الكيف) في الإسلام مقدم على (الكم) والعبرة في النوع لا في العدد، وصدق الله تعالى حيث يقول { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } وقوله { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } .

فالإعداد في الإسلام ليس ردة فعل يفرضه موقف أو ظرف يمليه نزق واجتهاد، أو تعبث به عاطفة مشبوبة غير عاقلة إنما هو منهج متكامل مؤصل بين القسمات، واضح المعالم، محدد المراحل والأهداف، له في شرع الله قواعد وأصول، يجب تلمسها والتزامها بل والتشبث بها ...

وإلى هذا المعنى الجلي الواضح أشار الإمام الشهيد حسن البنا في المؤتمر الخامس فقال : ((أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم : اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع : إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول أجل قد تكون طريقاً طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب؛ فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين إما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة ...

أيها الإخوان... إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين، ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال، ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم، ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون؛ فلا تغامروا بجهودكم؛ ولا تقامروا بنجاحكم، واعملوا والله معكم ولن يترك أعمالكم والفوز للعاملين {  وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم } .

- إن قوة الحركة وقدرتها قد لا تكون اكتملت بعد فيخشى عليها من أن تصفي أو تهلك وتباد في معركة غير متكافئة وقبل الأوان ...

- وقد تكون قوة العدو وحجمه أضعافاً مضاعفة فلا تلزم المواجهة، وإنما تنمية القدرات، وتعبئة الطاقات، والترقب والانتظار، وقد تنفع هنا المناورة والخديعة والتخذيل عن المسلمين ...

-وقد يكون هنالك أكثر من عدو ويحقق إضعاف أحدهم مصلحة للآخر، وليس للإسلام، فتسعير الحرب بينهم أولى وأمكر .

وأخيراً فإن ردات الفعل لا يحكمها عادة التعقيل والاتزان وإنما تسوقها العاطفة والارتجال وليس مآل ذلك إلا الفشل ...

(ح) عدم جواز تعريض المسلمين للإبادة في حال عدم تكافؤ القوى :فقد حاء في شرح المقنع (( ولا يحل للمسلمين ولو ظنوا التلف الفرار لقوله تعالى { ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار } الأنفال 15] وشرطه أن لا يزيد عدد الكفار على مثلى المسلمين وهو المراد بقوله: { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } الأنفال 66] قال ابن عباس ((من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فما فر ...)).

وإذا كان لا بد من كلمة في ختام التحدث عن فتنة السلاح فهي أن هذه الفتنة أحدثت شروخاً يصعب أن تلتئم في جسم الحركة الإسلامية وتسببت يسقوط العشرات من الشباب الذين حملوا السلاح قبل أن يحملوا الإيمان ودربوا على استعمال القوة قبل أن يدربوا على الطاعة والانضباط؛ فإذا بالسلاح يتحكم بهم دون أن يتحكموا هم فيه، وإذا بمظاهر القوة الخادعة غير المنضبطة وغير العاقلة تقذف بهم إلى هوة ليس لها قرار .. فاعتبروا ياأولى الألباب ..