ممدوح الولي

 موجة غلاء حادة تجتاح الأسواق المصرية؛ تشمل الخضر والفاكهة والدواجن واللحوم والأسماك ومنتجات الألبان، وتتأثر بالارتفاعات العالمية في سلع أخرى؛ منها زيوت الطعام والسكر والمعادن والوقود، في ظل دخول محدودة لدى عموم البسطاء والطبقة الوسطى ومعدلات بطالة مرتفعة ونسب فقر عالية.

ونجمت عن ذلك تداعيات اجتماعية خطيرة، تشمل زيادة معدلات الأمراض النفسية والاكتئاب وعدم الانتماء للمجتمع، والأمراض الاجتماعية كالحقد والحسد، وزيادة معدلات الانحراف الأخلاقي لدى النساء، وانتهاج أساليب غير مشروعة لزيادة الدخل، مما زاد من معدلات الرشوة داخل القطاع الحكومي.

وبعد أن كانت الرشوة قاصرة عل الرجال شاركت فيها النساء العاملات، وبعد أن كانت عمليات الرشوة مركزة في بعض القطاعات كإدارات المرور والمحاكم والسجل المدني، انتشرت عمليات الرشوة حتى تكاد تغطي جهات الخدمات الحكومية كافة ، بعد أن أصبحت تشكل المصدر الرئيس للدخل لهؤلاء العاملين.

واذا كان البعض يلجأ لعمليات النصب أو الاتجار بالممنوعات والمخدرات لزيادة الدخل، فإن آخرين يلجأون لتزويج بناتهم من أشخاص عرب مقابل الحصول على مبالغ مادية مغرية. وعلى الجانب الآخر يلجأ كثير من الشباب خاصة بالمناطق السياحية مثل الأقصر والغردقة؛ إلى الزواج بأجنبيات كبيرات السن قادمات من أجل المتعة الجسدية.

وترتبت على الآثار الاجتماعية للغلاء سلوكيات متعددة؛ أبرزها ظاهرة العمل الإضافي، سواء بالمحلات التجارية أو العمل على سيارات الأجرة، أو إحتراف أعمال السمسرة والمضاربة ذات الربح السريع، لتصل تلك الآثار إلى إخراج الأولاد من التعليم كي يساعدوا في جلب دخل يعين الأسرة على مواجهة الغلاء، وهو ما يعطي رافدا لاستمرار الأمية.

كيلو المخللات يصل إلى 17 جنيها

ووصل الأمر لدى البعض إلى حد إيداع أحد الأبناء في الملجأ لعدم القدرة على الإنفاق عليه، أو بيع أحد الأبناء لإحدى الأسر التب لا تنجب، أو بيع الأعضاء البشرية خاصة الكلى. ورغم أنها حالات قليلة، إلا أنها تشير إلى مدى اليأس الذي وصلت إليه تلك الأسر التي تعجز عن ملاحقة الغلاء الفاحش.

وانتهجت أُسر أخرى سبيل التحايل على الحياة بالاستغناء عن بعض السلع مثل اللحوم والألبان، أو بتقليل الكمية التي يتم شراؤها من السلع الغذائية التي تفي باحتياجات الأسرة الغذائية، أو بشراء الخضر والفاكهة المعطوبة والتي تسمى "السرادة"، مع زيادة ماء الخضار عند الطهي كي تكفي أفراد الأسرة. وكذلك شراء هياكل الدجاج من عظام وأرجل وأجنحة متبقية بعد عملية التخلية لدى الباعة، وعمل شوربة منها، أو عمل العديد من الأصناف من الفول البلدي الذي وصل سعره حاليا إلى عشرين جنيها، كما وصل سعر كيلو الطرشي (المخلل) المكون من تخليل بعض الخضروات إلى 17 جنيها للكيلوجرام الواحد. أما أقل نوع من الجبن فلا يقل عن أربعين جنيها، ووصل الأمر بالبعض لشراء كمية من مياه الفسيخ من باعة الفسيخ وغمس الخبز بها كغموس.

وتساهم أموال الزكاة والصدقات لدى الموسرين في تقديم إعانات دورية لبعض تلك الأسرة المعدمة، من خلال الجمعات الأهلية أو من خلال التوزيع مبالغ مادية أو سلعا غذائية على الجيران والأقارب، مثل الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة وغيرها، كما قامت وزارة الأوقاف مؤخرا بتوزيع لحوم لبعض الأسر الفقيرة في بعض المواسم.

وكان تيار الإسلام السياسى يقدم مساعدات غذائية دورية قبل أن تحاصره السلطات المصرية وتعطل نشاطه، وبين الحين والآخر يقوم الجيش بتوزيع كرتونة غذائية على بعض الأسر الفقيرة بالمحافظات، لكنها ليست مستديمة وتكاد تكفي الأسرة لبضعة أيام فقط.

أجور محدودة لدى القطاع الخاص

وأسفرت المشكلة عن تراجع حاد بالصحة الغذائية لعموم الفقراء وترتبت عليها زيادة معدلات سوء التغذية وهشاشة العظام والأنيميا، وهو ما يؤثر على صحة الأمهات الحوامل وينتقل أثره إلى الجنين، كما يؤثر على ضعف التحصيل الدراسي لأبناء الفقراء، وتراجع المستوى الصحي لدى العاملين منهم بالأنشطة الحرفية والزراعية والتجارية.

وفي ما يخص الملابس فإنها تأتي في مرتبة متأخرة بالمقارنة بالغذاء الذي يحتل مكان الأولوية، ويقوم رب الأسرة وزوجته بتأجيل شراء أية ملابس لفترة، لكنهم يضطرون لشراء ملابس للأولاد خاصة مع دخول المدارس والأعياد، وهنا يتم اللجوء للأسواق الشعبية وما تسمى بملابس البالة، أي الملابس المستعملة المستوردة، أو من الجمعات الخيرية التي توفر أحيانا ملابس مستعملة بحالة جيدة للطلاب.

أما العلاج فيتم من خلال المستوصفات الخيرية الموجودة في المساجد أو في الجمعيات الخيرية، وبعض تلك الجمعيات توفر الأدوية المستعملة التي لم يتم استخدامها من قبل المرضى، أي الفائضة لديهم، إلى جانب توزيع العينات المجانية التي تحصل عليها من شركات الأدوية. كما يتم اللجوء إلى المستشفيات الحكومية العامة المجانية، لكن تلك المستشفيات الحكومية تطالب المرضى بشراء بعض اللوازم الطبية التي لا توجد لديها، ما يجعلها غير مجانية.

وتسبب أسعار التحاليل والأشعة مشكلة لدى الفقراء لاحتياجها لنفقات لا يقدرون عليها، ولهذا يلجئون للجمعيات الخيرية التي تقدم تلك الخدمات الطبية بأسعار مخفضة، مثل جمعية مصطفى محمود والجمعية الشرعية، وبعض الجهات الخيرية، ومنها جهات تابعة للكنيسة تقدم خدمات طبية أخرى تتضمن الغسيل الكلوي وبعض الجراحات.

ومما يشير إلى توقع استمرار تلك الأوضاع خلال الفترة القادمة؛ ما يتم من قبل الحكومة من رفع أسعار السلع الغذائية بالبطاقات التموينية، مما يقلص كمياتها نظرا لارتباطها بسقف نقدي محدد، حيث يتوقع زيادة سعر السكر التمويني خلال الشهر الحالي، كذلك تدني أجور الملايين من العاملين في القطاع الخاص غير المنظم، والذي يشير إليه أنه مع قيام وزارة التخطيط برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بداية من أول العام القادم، والبالغ 2400 جنيه، أي بمتوسط 80 جنيها يوميا وهو مبلغ يكاد يكفي لشراء نصف كيلو من اللحم، فقد طالبت ثمانية قطاعات تجارية من خلال اتحاد الغرف التجارية بالإعفاء من تطبيق ذلك الحد الأدنى، وهي: قطاعات الأمن، والحراسة، والقطاع الطبي، وقطاع إلحاق العمالة في الخارج، وقطاع المقاولات ومواد البناء، وقطاع الجمعيات الأهلية، وقطاع الصيدلة، وقطاع التعليم.

وهذا على رغم أنه من المفترض أن قطاعي الطب والصيدلة قد استفادا من فيروس كورونا ورواج نشاطهما، كما يكشف ذلك في نفس الوقت عن تدني الأجور في القطاع الخاص، والتي تصل إلى 1500 جنيه شهريا لخريجي الجامعات، أي بمتوسط خمسين جنيها شهريا تكاد تكفي لشراء كيلو واحد من الحلاوة الطحينية من النوع الشعبي؛ مطلوب منها أن تغطي للشخص المشتغل نفقات مواصلاته وملابسه ومظهره وتناوله لقدر من الطعام والشراب.

twitter.com/mamdouh_alwaly