فتحي السيد 

[ اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبا ]

الطيب لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به، فله من الكلم الطيب الذي لا يصعد إلا إلى الله، وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها، وهي الأعمال التي اتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة، وله أيضًا من الأخلاق أطيبها وأزكاها، ولا يختار من المناكح إلا أعلاها، ومن الرائحة أطيبها وأزكاها، وكذلك لا يختار من الأصحاب إلا الطيبين منهم، ولا يختار من المطاعم إلا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الذي يُغذى البدن والروح أحسن تغذية، فروحُه طيب، وبدنه طيب، وخُلقه طيب، وعمله طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملمسه طيب، ومنكحه طيب، ومُدخله طيب ومُخرجه طيب .

روى البخاري عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكُف الله بها وجهه: خيرٌ له من أن يسأل الناس، أعطَوْه أو منعوه)) (البخاري حديث 1471).

 روى البخاري عن المقدام رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده))؛ (البخاري حديث 2072).
قال الحسن البصري رحمه الله :
وقفتُ على بزّاز بمكة أشتري منه ثوباً، فجعل يمدح ويحلف، فتركته وقلتُ : لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريتُ من غيره .ثم حججتُ بعد ذلك بسنتين، فوقفتُ عليه، فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلتُ له : ألستَ الرجل الذي وقفتُ عليه منذ سنوات ؟ قال : نعم . قلتُ له : وأيّ شيءٍ أخرجك إلى ما أرى ؟ ما أراك تمدح ولا تحلف !
قال : كانت لي امرأة؛ إن جئتها بقليل نَزَرَته، وإن جئتها بكثير قلّلته، ( ثم أماتها الله )، فتزوّجتُ امرأةً بعدها، فإذا أردتُ الغُدُوَّ إلى السوق، أخذت بمجامع ثيابي ثم قالت :
يا فلان ! اتَّقِ الله ولا تطعمنا إلاّ طيّباً، إن جئتنا بقليلٍ كثّرناه، وإن لم تأتنا بشيءٍ أعنّاك بمغزلنا .

وكانت إحدى نساء السلف رضي الله عنهم إذا همَّ زوجها بالخروج لطلب الرزق قالت له: يا أبا فلان .... اتق الله فينا ولا تطعمنا المال الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولكنا لا نصبر على النار.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم
(عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا و إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى ’’يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا ’’ و قال تعالى " يا أيها اللذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ’’ " ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، و مطعمه حرام، و مشربه حرام، و ملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ). رواه مسلم

قال الحافظ ابن رجب: (في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قَبوله).

قال عليه الصلاة والسلام: (الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسَبَه من طيِّب)؛ رواه ابن ماجه وإسناده صحيح.

وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يتصدق أحد بتمرة من كسبٍ طيب، إلا أخذها الله بيمينه فيُربيها كما يُربي أحدُكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم).


ولابركة في المال الحرام ولاخير...بل و مآل صاحبه للنار .. ولن يجد السعادة فيه..!!!!! نسأل الله السلامة والعافية

قال خزيمة أبو محمد : قال بنات رجل لأبيهن: يا أبه لا تطعمنا إلا الحلال فإن الصبر على الجوع أيسر من الصبر على النار.
فبلغ ذلك سفيان الثوري فقال: ما لهن رحمهن الله؟

كسبُ الحلال صعبٌ، وكسبُ الحرام سهلٌ لكن لحكمة بالغة جعل كسب الحلال صعباً، وجعل كسب الحرام سهلاً، لأنه لو كان كسب الحلال سهلاً لأقبل الناس على الحلال لا خوفاً من الله، ولا طمعاً في الجنة، ولكن لأنه سهل، لكن الحلال يحتاج إلى جهد، بينما الحرام يكفي أن تغض بصرك عن مستودع لتأخذ الملايين مملينة.

أيها الإخوة، يقول عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى:

عن النبيِّ ﷺ قال [[ما أكلَ أحَدٌ طعامًا قَطُّ خيرًا مِنْ أن يأكلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ، عليه السلام، كان يأكلُ مِنْ عَمَلِ يدِه]].. رواه البخاريُّ في (صحيحه) عن الْمِقْدامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ بإسنادٍ صحيح

فالبيوت المؤمنة في حاجة ماسة وشديدة لتحري الحلال في كل شأنها وخاصة في الزمن الذي تلتبس فيه أمور كثيرة ببعضها فتتشابه على أرباب البيوت مسائلها.