فتحي السيد 

لا شك أيها الوالدان الكريمان أنكما تتفقان معي على أهمية هذا الموضوع؛ لأنه يتحدث عن الشباب الذين هم رجال المستقبل، وأمل الأمة، ولأنه يتعلق بأعظم عبادة وهي ( الصلاة ) التي هي عماد الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد .
حجم المشكلة: هناك نسبة كبيرة من أبنائنا الطلاب لا يصلون، ولا يهتمون بالصلاة، بل بعضهم ( نسأل الله العافية ) لا يعرفون طريقا إلى المسجد، وأضرب مثالا واحدا يبين حجم المشكلة .
المثال ( صلاة الفجر ).. تبين لي بعد طرح سؤال عن صلاة الفجر على أكثر من ( صف ) ما يلي :
• نسبة 98% من الطلاب الذين لا يصلون الفجر في المسجد ، حيث يبلغ عدد الذين يحافظون على الصلاة في المسجد طالبين فقط من بين 30 طالبا، وإن زاد العدد فلا يتعدى الأربعة .
• نسبة 10% من الطلاب لا يصلون الفجر لا في المسجد ولا في البيت؛ فيأتي الطالب إلى المدرسة وهو لم يصل، وهذا الأمر عادة عنده؛ فقد سقط من قاموسه الشخصي شيء اسمه صلاة الفجر.
• نسبة 50% من الطلاب اعترفوا بأن الأب يذهب إلى الصلاة ( الفجر ) دون أن يوقظ أبناءه ليذهبوا معه إلى المسجد ( لا أدري لعل هؤلاء الآباء أمروا أولادهم من قبل بالصلاة ويئسوا من استجابتهم أم أنهم لم يأمروهم من الأصل ).
• نسبة 30% ( وقد تكون النسبة أكثر ) من الطلاب قالوا إن الأب لا يصلي الفجر في المسجد .
النتائج المستقبلية :
يقول أحد الدعاة عن خطورة المشكلة ( أخشى أن لا تقام صلاة الفجر جماعة في كثير من المساجد على المدى البعيد حيث من ينظر إلى المصلين في تلك الصلاة سيجد أن معظمهم من كبار السن فإذا رحل هؤلاء وماتوا فمن يبقى ليؤدي الصلاة في المسجد )
ثم هؤلاء الشباب إذا كبروا على التهاون وترك الصلاة؛ فإنهم سيكونوا غدا آباء، وسيقتدي أبناؤهم بهم؛ ولذلك لا نستغرب إذا خرج لنا بعد مدة جيل أو أجيال لا يصلون، ولا يعرفون طريق المسجد .
حل المشكلة :
بعد أن عرفنا حجم المشكلة والنتائج المستقبلية المتوقعة لها، لا بد أن نتعاون جميعا لحل هذه المشكلة قبل أن تتفاقم، وتستفحل، وإن الجانب الأعظم من حل هذه المشكلة يقع على عاتق الوالدين، نعم أنت أيها الأب وأنت أيتها الأم: عليكما مسئولية كبيرة في حل المشكلة .
ومن باب التعاون على البر والتقوى أحببت أن أقدم هذه الأساليب والمقترحات التي تعينكم على القيام بدوركم تجاه حث الأبناء على الصلاة، وآمل أن تجد منكم الاهتمام والقبول والعمل بأحسن ما فيها ..
1ـ  القدوة : لابد أن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهم؛ بأن يكونا حريصين على أداء الصلاة في أوقاتها؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لابد أن يرى الأبناء الأب إذا حان وقت الصلاة يبادر إلى المسجد؛ أما ما يكون من بعض الآباء من تهاون وعدم حرص على الصلاة في جماعة، والصلاة في البيت، وبعيدا عن أعينهم فإن ذلك يغرس فيهم التهاون بالصلاة. ولابد أن يبين الوالد لأولاده مدى حزنه وندمه على فوات الصلاة في جماعة، وأن يرى الأبناء منه التأثر على فواتها، ويروا الأب يصلي أمامهم، ويحثهم على الصلاة معه، إذا فاتتهم كذلك.

جميل أن يطلب الأب والأم من الأبناء إيقاظهم للصلاة، وكذلك تنبيههم إذا دخل وقت الصلاة وكانا مشغولين ببعض الأعمال، وذلك حتى يحس الأبناء باهتمام الوالدين بأمر الصلاة، والأجمل أن يمدح من يوقظه للصلاة من أبنائه وأن يكافئه بهدية ولو كانت بسيطة .
2ـ  الترغيب والترهيب : يقدم الترغيب على الترهيب
أساليب الترغيب:
• أن يذكر الأب لأبنائه أن الصلاة هي جزء بسيط من شكر الله على نعمه الكثيرة علينا .
• أن يذكر الأب لأبنائه فوائد الصلاة في الدنيا والآخرة ففي الدنيا للصلاة فوائد كثيرة؛ فهي رياضة، وهي وقاية من أمراض العمود الفقري والمفاصل، وهي راحة وطمأنينة، وهي تعلم السمع والطاعة والنظام وترتيب الأوقات ..الخ وفي الآخرة الجنة وما فيها من نعيم .
• أن يجعل الأب مسابقة لأ بنائه في المحافظة على الصلاة ويجعل جائزة قيمة للفائز منهم .
• يمدح من يصلي من الأبناء أمام أقاربه وأمام جيرانه، ويكون المدح لأنه حافظ على الصلوات. وهناك أساليب كثيرة للترغيب يمكن أن تطبقوها .
أساليب الترهيب :
• يذكر الأب لأولاده حكم تارك الصلاة وعقوبته في الدنيا والآخرة، ويذكر له قصصا عن من ماتوا وهم لا يصلون، مثال أحد الشباب كان لا يصلي فلما غسله المغسل انقلب لون جلده من الأبيض إلى الأسود فرفض المغسل أن يغسله ورفض الإمام أن يصلي عليه ..الخ القصة .
• يتدرج مع أولاده بأن يبدأ أولا بالمعاتبة وإبداء الضيق والغضب لمن لا يصلي ثم إذا لم يفلح ذلك يحرمهم من بعض الأمور التي يحبونها كالمصروف مثلا وكالحرمان من الخروج من البيت مع الأصحاب، وكحرمانه من الهدايا التي يعطيها للمتفوقين ..الخ.
• إذا لم ينفع معه ذلك فإن آخر الدواء الكي كما يقال؛ فلابد من استعمال الشدة كالضرب بالعصا قال صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ) نعم من الرحمة بهم أن تقسو عليهم في أمر الصلاة فالله يقول: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم نار وقودها الناس والحجارة ..."
3ـ إظهار الاهتمام بالصلاة وتقديمها على كل شيء:
• يقول ابن عباس رضي الله عنهما بت عند خالتي ميمونة فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل البيت سأل زوجته ميمونة: أصلى الغلام ؟ فقالت: نعم . هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يسأل عن الصلاة؛ فلابد للأب إذا رجع من المسجد أن يسأل ويتفقد أولاده صلوا أم لم يصلوا حتى يحسوا أنه حريص على أن يصلوا.
• أحد الصحابة ممن شهد بدرا سأل ولده بعدما رجع إلى البيت: أصليت معنا ؟ فقال : نعم فقال له: هل أدركت التكبيرة الأولى فقال: لا فقال له : لما فاتك من التكبيرة الأولى خير لك من مائة ناقة. انظر كيف يحبب الصحابي لولده الصلاة ويرغبه في الحرص على التكبيرة الأولى وليكن قدوة لك في ذلك .
• تأخر عمر بن عبدا لعزيز عن صلاة الجماعة في أحد الأيام فسأله معلمه: لِمَ تأخرت ؟ فقال : كانت خادمتي ترجل شعري فأرسل المعلم إلى أبيه عبدا لعزيز ( وكان واليا على مصر ) يخبره بذلك فأرسل والد عمر رسولا إلى عمر فلم يكلمه حتى حلق شعر رأسه.. تدبر معي كيف غرس والد عمر أهمية الصلاة في نفس ولده عمر بان حلق الشعر الذي بسببه تأخر عن الصلاة ليبين له أن لا شيء ينبغي أن يؤخر المسلم عن الصلاة؛ فهل اقتديت بوالد عمر في ذلك فقلت لأولادك: لا تؤخركم المذاكرة، ولا الدراسة، ولا اللعب عن الصلاة، فإذا تأخرتم بسبب شيء من ذلك فتربصوا العقاب وانتظروه .
أخيرا حتى يطيعك أولادك، و ينفذوا أوامرك؛ لا بد أن يحبوك أولا ، لا بد أن تحسن علاقتك معهم، وأن تكون علاقتك معهم قوية، وأن يروك دائما جالسا معهم في البيت .
هذا جهدا المقل ولقد أمرنا بالعمل لا بالنتائج، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"