إن موضوع التربية –ابتداء- من الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في حياة الأمم؛ فالأمم لا ترقى إلا بالتربية على قاعدة صحيحة، والأمة إذا لم يُربَّ أبناؤها تربية صحيحة، اختلت فيها الموازين بجميع مجالاتها الاجتماعية والسياسية والإدارية، والاقتصادية وغيرها.

والتربية هي استثمار الإنسان، فإذا نجح المجتمع في استثمار الإنسان وتوجيه طاقاته وقدراته الإيجابية، نجح كل استثمار آخر في المجتمع نفسه وأثمر زرعه، والتربية لا تنفصل عن الروح التي سيرت الأمة التي انبثق منها منهج التربية، ومن ثم يجب أن يكون كل نموذج للتربية نابعاً من الروح المسيطرة على ثقافة المجتمع الذي ينتشر فيه، ليصوغ الفردَ صياغة ربانية هي نتاج التربية.

فنتاج العملية التربوية الإسلامية هو فرد مسلم على الصورة التالية:

  1. إيجابي، يواجه الحياة، ويأخذ نصيبه منها، فلا سلبية، ولا انزواء، ولا فرار من الواقع، ولا تسول، ولا تواكل، بل سعي في مناكب الأرض.
  2. قوي الإرادة، يتصدى، ويختار لنفسه، ويتحمل مسئوليته كاملة عن تصرفاته، بعد أن يكون قد علم مواضع الخير والحق.
  3. صاحب ضمير، يهديه إلى كل واجباته نحو نفسه، ونحو المجتمع.
  4. ذو ذكاء، بناء على خبرة وممارسة مواقف الحياة؛ فهو يتأمل ويدرك العلاقات، ويبحث عن الحقيقة، وذو حيل في الوصول إليها في أمور الدنيا والدين.
  5. متعطش إلى العلم دائماً، ولو في ميدان واحد، فلم يذم القرآن شيئاً كما ذم الجهل، ولم يعرض بأحد كما عرض بالجاهلين.
  6. واقعي، لا يتوقع خطأ في الحياة إلا بمقدار ما يعمل، ولا جزاء إلا بمقدار ما يحسن، ويتوكل على الله ولا يتواكل.
  7. قوي كريم؛ فلا يترخص في حقوقه، ولا يتخاذل أمام ظلم، أو عسف، ولا يترخص في واجباته أمام جسامة المسئوليات.
  8. مجاهد بالمفهوم الإسلامي للجهاد، وهو يبدأ بمجاهدة النفس، والجهاد في سبيل العلم، وفي سبيل العيش، وفي سبيل الله، ثم الوطن، وكل جهاد في الإسلام بهذا المعنى هو نوع من العبادة.
  9. أخلاقي، فهو يملك صفات منها: الصبر، والشجاعة، والعدل، والفقه، والحلم، والرحمة عند المقدرة، ومساعدة الغير، وإكرام الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء بالعهد، والتسامح، والتواضح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي، يقول كلمة الحق ويترفع عن السفاسف في الأمور، وكلها فضائل ذات قيمة اجتماعية، وقد تبدو هذه الصفات صعبة أو مثالية، والحقيقة أنها ليست كذلك متى التزمت التربية بها.

وهكذا تتحدد مَهمّة التربية إزاء الفرد في وضوح، وتظهر معالم التربية الإسلامية، كما يجب أن تكون عند المسلمين، بلا نقل، ولا اقتباس، ولا تطفل على أفكار الغربيين والشرقيين، وبلا خروج من جلودنا لنلهث وراء الآخرين.

ضوابط العملية التربوية:

  1. الواقعية العملية والتدرج في الخطوات: فمع شمول التصور، وثبات الغاية، وعدم تجزئتها، هناك المرحلية العملية في مواجهة الواقع بما يناسب الظروف المحيطة والإمكانات المتاحة، بما يضمن الوصول إلى الهدف في النهاية.
  2. تنبثق وترتبط كل حركة وعمل تربوي بالغاية الكبرى، وبالهدف المطلوب فغايتنا الأساسية هي: الله سبحانه وتعالى.

والهدف العملي هو إقامة دولة الإسلام، بتربية وتكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية في كل مظاهر حياتها.

وأن يعيش الفرد هذا الإحساس، ويستشعره في حركته الفردية والجماعية، وداخل هذا الإطار سيتحدد نوع الحركة المطلوبة، ومداها، وكيفيتها، وبالتالي أسلوب تربيتها.

  1. معرفة مرحلة الدعوة ليتحدد أسلوب التربية، ففي مكة كانت التربية بالشدة ابتلاء، وقيام الليل بناء، وفي المدينة كان للمسجد دوره المعروف تعريفاً وتربية وتعليماً وتطبيقاً، والأخوة تعميقاً وتكويناً وسلوكاً.
  2. أن تراعى القواعد الأصولية، فدفع الضرر مقدم على جلب المصلحة، وتفويت أدنى المصلحتين، واحتمال أخف الضررين، وهكذا يضغط الفرد حماسته وحركته؛ فلا يتقدم ولا يتأخر عن الصف، ويكون وقافاً لما يطلب منه، ويسمع ويطيع ويسعى لتحقيق رباط الوحدة الصادقة.
  3. وسيلة التغيير هي الفرد المسلم؛ فهو يصلح نفسه، ويدعو غيره ويقيم دولة الإسلام في نفسه.

ووسيلتهم ترتكز على:

أ- تغيير العرف العام، ونشر الفكرة وكسب الأنصار.

ب- تربية أنصار هذه الدعوة على هذه التعاليم، وتكوين الركائز التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي.

ويظهر الأثر والنتيجة حين تعم تعاليم الرسالة المجتمع، ويكثر الأنصار ويتماسك البناء بقوة العقيدة، وقوة الوحدة.

ويجب أن نتنبه إلى أن خطواتنا محددة، فهي سلم يبدؤه الأفراد بالإسلام وينتهي بالإحسان، مروراً بالإيمان والتقوى، وعلى المربين توجيه طاقاتهم، وشحذ همتهم، وتطهير روحهم، ودفعهم  دفعاً إلى التجاوز والاختراق من أجل الوصول إلى القمة التي يطمح إليها كل منتمٍ لهذا الدين ليصل إلى الإحسان، والإبداع التام والتقابل الذي لا يحجبه شيء بين الله والإنسان "أن تعبد الله كأنك تراه".

والناس في الأعم الأغلب يمشون إلى أهدافهم أو يهرولون إليها، ولكننا في الإسلام نجد أناساً يقطعون المسافات الطوال والقرآن يصفهم)أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون( [المؤمنون: 61] إنها المسارعة، والسبق.

فالانتماء إلى الإسلام يعني الموافقة على العمل المبرمج المرسوم، الإيمان بالله يعني التحقق بالقناعات الكافية بجدوى هذا العمل، والشعور في كل عمل بأن الله يراقبه وتلك هي التقوى.

أما الإحسان فهو الإبداع الكامل في كل ما يقدمه الإنسان، وهو يسمع توجيه رسول الله r "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وهذا كله يتطلب منهجاً تربوياً نلتزم به لنصل إلى الهدف المنشود بعد أن يضع الفرد المسلم بمجرد انتمائه لهذا الدين، نفسه وقدراته في سياق واحد، وتوجه واحد، ومجرى واحد مع خلائق الله كافة، وسننه، ونواميسه، فإذا به طاقة منتجة، محققة للآمال الكبار)يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه( [الانشقاق: 6].

إن الفرد المسلم هو اللبنة الأساسية في البناء، سواء في بناء البيت المسلم أو المجتمع المسلم أو الحكومة المسلمة، وبقدر ما ينال الفرد من قسط وافر من التربية بقدر ما يكون البناء متيناً، فأي تقصير في مجال التربية للأفراد يعتبر ضعفاً في الأساس يعرض البناء إلى الانهيار إن عاجلاً أو آجلاً.

فلابد من مرحلة يُركز فيها على التربية والبناء؛ لأن الجهود التربوية تضمن سلامة سير العمل بخطواته المحددة، والبعيد عن الانحراف، وتلافي الفتن والفتوة، والتهور والتسرع، لأنها ضوابط شرعية، وسنة عملية ربى عليها r أصحابه الذين أسسوا دولة الإسلام.

منقول بتصرف من كتاب – الثوابت والمتغيرات للأستاذ جمعة أمين عليه رحمه الله.