فتحي السيد 

(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) (البقرة: من الآية 165)،

﴿قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاۤؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَ ٰ⁠نُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰ⁠جُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ٰ⁠لٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ﴾ [التوبة ٢٤].

فالنجاة في أن الثمانية لا تكون أحب إلينا من الثلاثة، ولا نقدمها على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله.

 و"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"،

و"دعوتنا دعوة حب"،

 و"سنقاتل أعداءنا بالحب"..

والحب الحقيقي هو :

حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحب ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه، وحب كل ما يقربنا ويعيننا علي حب الله ورسوله صلى الله عليه"ولا يؤمن احدكم حتي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"

وأخوتنا في الله حب: أدناها سلامة الصدر، وأعلاها الإيثار.

على هذه المعاني تربينا، وبمثل هذه الكلمات تعلَّمنا ـ ونحن في بدايات الالتزام ـ أن دعوة الله هي دعوة الحب،

 وغرس فينا أساتذتنا ومربونا تلك القيمة، وتربينا على أيديهم؛ فاغترفنا منهم الحب وارتشفناه، صغارًا وكبارًا،

 ونشأنا، وترعرعنا على حب هذه الدعوة الذي ملك قلوبنا وجوارحنا، وتعلمنا في دعوة الإخوان أن العمل للإسلام بحاجةٍ إلى همة عالية تعلو فوق اليأس والإحباط، وأن ذلك لا يتأتَّى إلا بالحب،

وتعلمنا في دعوة الإخوان أن العمل لدين الله يحتاج إلى عزيمة تقهر التذبذب والاضطراب والتراجع النفسي، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالحب،

 وتعلمنا في دعوة الإخوان أنها بحاجةٍ إلى حافز قوي يُعين على الثبات والتضحية والجهاد في سبيلها، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالحب،

وتعلمنا في دعوة الإخوان أن حب الدعوة هو أجمل وأغلى وأحلى ما في الدنيا، وأن حب الدعوة هو نور حياتنا الذي يجعلنا نتحمل كل الصعاب،

 وتعلمنا في دعوة الإخوان أنه حينما يكون انتماؤك لها انتماء حب فإنك لا تتمنَّى مفارقتها ولا زوالها وتحب الإقبال عليها.

 وتعلمنا في دعوة الإخوان أن الحب هو أقوى وأخطر عاطفة تغيير هائلة تنقل صاحبها من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى.

الحب الحقيقي

إن حب الدعوة الحقيقي انتماء لا ادّعاء، ومظاهر عملية لا كلمات برَّاقة، وانتصار للدعوة بانضباط داخلها، لا خروج عليها، "فكدر الجماعة خير من صفو الفرد"،

 ولقد قالها المؤسس رحمه الله: "كم فينا وليس منا، وكم منا وليس فينا"؛

ولذلك فإن حب الدعوة الحقيقي هو الذي تتجسد فيه كل المعاني التالية:

- جنة يأوي المحبون إلى ظلها الظليل من لفح نار الدنيا

- وواحة يطيب لهم في شذاها البقاء .

- وأريج رائع ينبعث من القلوب المحبة فيجعل الانتماء لها بهجة الحياة.

- وبذرةً تنمو وتثمر في قلب المحبين، ومتى نضجت تعطي طعمًا رائعًا للحياة .

- وتدفع أصحاب الدعوات إلى التضحية والفداء من أجلها.

- حصن أمان يحول دون السباحة في مستنقع المتساقطين على طريق الدعوة، ويحول دون الخوض في عرض الدعوة أو قادتها بطعن أو تجريح، ويحول دون خرق سفينة الدعوة قولاً أو فعلاً.

- ارتفاع فوق سفاسف الأمور، وتسامٍ فوق الحياة الدنيا بكل ما فيها من تقلبات وتغيرات ومصاعب،

- وسُلَّم نرتقي به حتى نصل إلى أعلى درجات القرب "وجبت محبتي للمتحابين فيّ".

- بوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح الذي يجب أن نسلكه؛ تعصم من الخطأ فيه، أوالانحراف عنه، أو المساومة عليه، أو الخديعة بغيره.

 - وصحوة للقلب من سبات الوحدة؛ فلا انعزال أو انطواء أو تناجيَ دون الأحباب.

- فضاء كبير تتناثر فيه القلوب المشعة بنور الإيمان كالنجوم .

 - وجبل في قلب المحب، لا تستطيع زلازل الشبهات وبراكين الشهوات تدميره أو زعزعته، ونافذة يتسلل من خلالها نور الأمل إلى قلوب أبناء الدعوة، فيزيل كل أثر ليأس أو قنوط .

- ومدخل رائع من مداخل السعادة الكثيرة التي تقهر كل صور الانهزام النفسي أو الضعف البشري.

- قائد عظيم يقود القلوب نحو آفاق أوسع وأجمل في الحياة، فيراها المحبُّون رغم التضييق والتشريد والقتل والتعذيب جنةً، "ما يفعل أعدائي بي؟!.. إن جنتي في قلبي؛ إن حبسوني فحبسي خلوة، إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة".

- رنين باعث يوقظ القلوب النائمة بصداه العذب، ويرد الشاردين إلى الجادة، ويحيي الأمل في النفوس المتعبة، ويبعث الهمم في النفوس المحبَطة، ويعيد الأمن إلى القلوب الوَجِلة.

- استثمار لجميع المواقف (الإيجابية والسلبية)، وتحويلها إلى سلوك إيجابي جِدِّي نافع وخادم للدعوة، واستثمار لكل الطاقات، وتسخيرها في خدمة الدعوة.

ملامح المُحب

المُحبُّ لدعوته متجرد لها من كل هوى..

المحب لدعوته يشعر أن كل تكليف وافق هواه فهو محنة، وكل تكليف خالف هواه فهو منحة .

والمحب لدعوته يقدمها على ما سواها؛ بما في ذلك مصالحه الشخصية .

 والمحب لدعوته يحب ما تحب دعوتُه، ويكره ما تكره دعوتُه؛ ولذلك قالها الكريم يوسف عليه السلام (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (يوسف: من الآية 33)،

 والمحب لدعوته لا يسأل عن العمل ويقول: "هل هذا تكليف؟" .

فالمحب يستوي عنده العمل، سواءٌ أكان تكليفًا أم غير تكليف، ومن هنا كانت واجبات الأخ العامل، والتي هي في الغالب أمور مندوبة ومستحبة، ولكنها في حق محب الدعوة واجبات.

والله أشهده أني أحبكم فيه .