أبو أحمد- مصر

ابني في الصف الثالث الابتدائي منذ أكثر من سنة لاحظت عليه أنه يأخذ أشياء لا تخصه والغريب أنه يحضر بها هدايا لإخوته، أو يشتري أقلامًا، أو أي أدوات، كلمته بهدوء وفهَّمته أن هذا خطأ، ووعدني بألا يفعل ذلك مرة أخرى، ولكني فوجئت أنه كرر الموقف نفسه؛ فعنَّفته بشدة، وقلت له: إنني مخاصمه، ولن أكلمه.. برجاء الرد السريع؛ لأنني أخاف أن أتصرف خطأ؟

يجيب عليه عكاشة عبَّاد- الاستشاري الاجتماعي في (إخوان اون لاين):

الأب الفاضل أبو أحمد..

أقول لك من خلال سؤالك- ولغيرك من الآباء والأمهات- تمهل واصبر على قراءة ما يأتي:

أولاً: السرقة عند الأطفال تمثل مشكلة كبرى عند الوالدين.

اعلم أن السرقة عند الأطفال تمثل مشكلة كبري عند الوالدين، وبمجرد أن يعلم الآباء أو الأمهات أن أحد الأطفال يسرق ينتابهم القلق والخوف والغضب. ولكن المهم في مشكلة السرقة عند الأطفال هو وقوف الوالدين على الأسباب والدوافع التي تقف وراء سلوك السرقة عند الأطفال والعمل على إكساب الطفل سلوكيات أخرى حسنة كالأمانة والصدق لعلاج مشكلة السرقة.

ثانيًا: الطفل لا يفهم معنى السرقة.

اعلم أنه من الطبيعي أن يأخذ الطفل الصغير شيئًا ما يريده، ولا ينبغي اعتبار أن هذه "سرقة" حتى يصبح الطفل في عمر أكبر نسبيًّا، عادة 5 سنوات، حين يفهم أن أخذ شيء يمتلكه شخص آخر من دون إذنه خطأ. وابنك فيما يبدو عمره قارب الثماني سنوات . والسرقة مفهوم واضح لدينا نحن الكبار نعرف أبعاده وأسبابه وأضراره، ونحكم على من يقوم به الحكم الصحيح، ونستطيع تحاشي أن نكون الضحية. أما الطفل فإنه لا يدرك تمامًا مفهوم السرقة وأضرارها على المجتمع ونظرة الدين والقانون والأخلاق إليها.

ثالثًا: لماذا يمكن أن يسرق الطفل؟

الأطفال في جميع الأعمار يمكن أن يلجئوا للسرقة لأسباب مختلفة، وهنا سرد لبعض منها:

** الطفل حتى سن الخامسة يكون أنانيًّا جدًا واهتمامه منصبًا حول نفسه، وليس لديه فهم بأن أخذ شيء من شخص ما خطأ. وهو عادة ما يكون ذاتيًّا جدًا في امتلاك وأخذ كل ما يريده.

** في سن المدرسة، قد يفهم الطفل أن السرقة خطأ، ولكنه يفعل ذلك لعدم قدرته على السيطرة على نفسه.

** يمكن أن يوجد لدى الطفل نقص ما في بعض الأشياء وبذلك يضطر للسرقة لتعويض ذلك النقص، والبعض من الأطفال تؤثر عليهم البيئة التي يعيشون فيها، خاصة إذا كان أحد الوالدين متوفيًا أو كان الوالد مدمنًا على الكحول أو أن تكون البيئة نفسها فقيرة، وهذه عناصر تساعد الطفل على أن يسرق لزيادة شعوره بالنقص في مثل هذه الظروف.

** بعض الأطفال يقومون بعملية السرقة لإثبات أنهم الأقوى خصوصًا أمام رفقاء السوء ولعلهم يتنافسون في ذلك وبعضهم يشعر بمتعة هذا العمل.

** قد يسرق الطفل رغبة في تقليد من هم أكبر منه سنًا، الوالد أو الأخ أو غيرهم ممن يؤثرون عليه حياته.

** غياب مفهوم الملكية الخاصة وعدم التدريب عليها.

** المعاناة من الحرمان المادي أو المعنوي: فالحاجة إلى تحقيق الرغبات غير المشبعة قد تدفع الشخص المحروم إلى العدوان لإشباع الرغبات. فقد يسرق الطفل اللعب أو الطعام أو الحلوى أو يسرق النقود لشرائها.

** تأثير عروض الأفلام ووسائل الإعلام التي تقدم مغامرات وممارسات تصور السارق على أنه بطل قوي، يحقق إنجازاتٍ، لا يقدر عليها الكثيرون، وهذا من ميادين القدوة السيئة التي تعزز هذا السلوك السيئ لدى بعض الأطفال.

** فقدان الحنان والرعاية: وبالتالي يسعي الطفل للسرقة رغبةً في الإثارةِ وجذب الاهتمام.

** شدة حرص الوالدين: السعي الدائم للاحتفاظ بالأشياء، وتغليق الأبواب، ووضع الأقفال، وإبعاد كل شيء عن متناول الطفل، فيندفع الطفل للسرقة من باب الاستطلاع ومحاولة اختراق الحجب المفروضة، خاصةً إذا نسيت الأم وتركت إحدى الخزائن مفتوحةً فتجد الطفل قد سارع لانتهاكها.

** التدليل الزائد.. الطفل الذي تعوَّد أن يدرك كل ما يتمناه ثم يُفاجأ بالمنع أو الرفض لطلبٍ من طلباته قد يلجأ إلى السرقة بسبب دوام تعوده على تلبية كل ما يريده.

** بعض الحالات المرضية التي تحتاج للطب النفسي مثل:

1- الرغبة المرضية في التملك: وهذه تحدث في بعض الأطفال المدللين الأنانيين الذين لا يشبعهم شيء، فبالرغم من سعي الوالدين لتوفير كل شيء لهم فإنه لا يملأ عيونهم شيء وتمتد أيديهم إلى كل ما تراه عيونهم.

2- هوس السرقة: وهو حالة مرضية يلجأ فيها الطفل لسرقة أشياء ليس لها قيمة حقيقية، وفي الوقت نفسه هو ليس في حاجةٍ إليها، وهذه الحالة تأتي في صورة نوبات، وكل نوبة تكون مسبوقة بتوتر شديد لا يخف إلا بعد السرقة، وهي نوع من الفعل القهري وقد يشعر الطفل بالندم بعدها.

أي أن السرقة عند الأطفال لها دوافع كثيرة ومختلفة ويجب لذلك أن نفهم الدوافع في كل حالة وأن نفهم الغاية التي تحققها السرقة في حياة كل طفل حتى نستطيع أن نجد الحل لتلك المشكلة.

رابعًا: لعلاج هذه المشكلة علينا عمل الآتي:

1. تعليم القيم: على الأب والأم أن يعلما الأطفال القيم والعادات الجيدة، والاهتمام بذلك، وتوعيتهم بأن الحياة للجميع وليس لفرد معين، وحثهم على المحافظة على ممتلكات الآخرين، حتى في حال عدم وجودهم، حتى ينشأ الطفل في جو يتسم بالأخلاق والقيم الحميدة يؤدي إلى تبني الطفل لهذه المعايير.

2. يجب أن يكون هناك مصروف ثابت للطفل يستطيع أن يشتري به ما يشعر أنه يحتاج إليه فعلاً، حتى لو كان هذا المصروف صغيرًا، ولو كان مقابل عمل يؤديه في المنزل بعد المدرسة، يجب أن يشعر الطفل بأنه سيحصل على النقود من والديه إذا احتاج لها فعلاً.

3. عدم ترك أشياء يمكن أن تغري الطفل وتشجعه للقيام بالسرقة مثل النقود وغيرها من الوسائل التي تسهم في تسهيل السرقة باعتراضهم.

4. تنمية وبناء علاقات وثيقة بين الأب والأم والأولاد، علاقات يسودها الحب والتفاهم وحرية التعبير حتى يستطيع الطفل أن يطلب ما يحتاج إليه من والديه دون تردد أو خوف.

5. ليكن الوالدان ومن يكبرون الطفل سناً هم المثل الأعلى للطفل بمعاملته بأمانه وإخلاص وصدق، مما يعلم الطفل المحافظة على أشيائه وأشياء الآخرين.

6. تعليم الأطفال حق الملكية حتى يشعرون بحقهم في ملكية الأشياء التي تخصهم فقط،، وتعليمهم كيف يردون الأشياء إلى أصحابها إذا استعاروها منهم وبإذنهم.

خامسًا: أخطاء يمارسها الآباء والأمهات في علاج مشكلة السرقة عند الطفل:

1 - معاقبة الطفل قبل التحقق من أسباب سرقته.

2 - التحقيق معه لحمله على الاعتراف بسرقته، وهذا التصرف يؤدي إلى سلوك آخر غير مرغوب فيه وهو سلوك الكذب للتخلص والدفاع عن النفس.

3 - التشهير به بين أصدقائه ومعارفه، مما يزيد الموقف سوءًا.

4 - إطلاق ألفاظ نابية عليه تهدد صحته النفسية، كأن يقال له يا لص يا حرامي، يا سارق.

سادسًا: في حالة حدوث السرقة من الطفل مطلوب منا أن عمل الآتي:

1. التصرف بحرفية عند حدوث سلوك السرقة، فيجب على الأهل البحث عن الخطأ والأسباب التي دعت إلى ذلك السلوك، سواء كان ذلك من داخل البيت أو من خارجه والتصرف بأقصى سرعة.

2. السلوك الصحيح: يجب أن يفعل الأهل ما يرونه في صالح أطفالهم وذلك بمعالجة الأمر بروية وتأنٍ، وذلك بأن يعيد ما سرقه إلى الشخص الذي أخذه منه مع الاعتذار له، ودفع ثمنه إذا كان الطفل قد صرف واستهلك ما سرقه.

3. مواجهة المشكلة: معالجة الأمر ومجابهته بجدية سيؤدي إلى الحل الصحيح، وذلك لخطورة الموقف أو السلوك، وذلك يتطلب معرفة السبب وراء سلوك الطفل هذا المسلك غير المناسب ووضعه في مكان الشخص الذي سرقه وسؤاله عن ردة فعله وشعوره إذا تعرض هو لذلك.

4. الفهم: يجب علينا أن نفهم لماذا قام الطفل بذلك؟ وما دوافعه؟ وذلك قد يكون مرجعه إلى الحرمان الاقتصادي بسبب نقص مادي يشعر به الطفل أو لمنافسة زملائه ممن يملكون النقود، وقد يكون السبب الحرمان العاطفي وذلك لشعور الطفل بالحرمان من الحنان والاهتمام ممن هم حوله، وقد يكون لعدم إدراك الطفل مفهوم السرقة وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وبالتالي الفهم الصحيح للسبب يترتب عليه استنتاج الحل المناسب، فإذا كان الدافع اقتصاديًّا يتم تزويد الطفل بما يحتاجه من نقود وإفهامه أن يطلب ما يحتاجه، أما إن كان الحرمان عاطفيًّا فيجب إظهار الاهتمام به وبحاجاته وقضاء الوقت الكافي معه، وقد يكون لعدم الإدراك، وهنا يجب توضيح معنى السرقة للطفل، وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وشرح القواعد التي تحكم الملكية له بأسلوب بسيط وتجنب العقاب حتى لا يترتب عليه الكذب.

5. عند حدوث السرقة يجب عدم التصرف بعصبية ويجب ألا تعتبر السرقة فشلاً لدى الطفل، ويجب ألا تعتبر مصيبة حلت بالأسرة، بل يجب اعتبارها حالة خاصة يجب التعامل معها ومعرفة أسبابها، وحلها وإحسان طريقة علاجها، ولكن دون المبالغة في العلاج وألا تكون هناك مبالغة في وصف السرقة، والمهم في هذه الحالة أن نخفف من الشعور السيئ لدي الطفل بحيث نجعله يشعر بأننا متفهمون لوضعه تمامًا وألا توجه تهمة السرقة للطفل مباشرة.

6. المراقبة: على الأهل مراقبة سلوكيات أطفالهم كالسرقة والغش ومراقبة أنفسهم لأنهم النموذج لأبنائهم وعليهم مراقبة سلوكياتهم وألفاظهم وخصوصًا الألفاظ التي يلقبون بها الطفل حين يسرق، كما يجب أن يشرح له أهمية التعبير، ومعرفة الأهل أن الأطفال حين يقعون في مشكلة فإنهم بحاجة إلى مساعدة وتفهم الكبار ومناقشتهم بهدوء.

7. يجب ألا يصاب الآباء بصدمة نتيجة سرقة ابنهم، وألا يأخذوا في الدفاع عنه؛ حتى لا يتطور الأمر، ويبدأ الطفل في الكذب توافقًا مع دفاع أهله عنه، بل الواجب أن يتعاونوا من أجل حل هذه المشكلة.

سابعًا: تحليل لرسالتك:

الأب أبو أحمد من رسالتك يتضح الآتي:

** عمر الابن حوالي 9 سنوات، يأخذ أموالاً ( لم تحدد المصدر كما لم تحدد منذ متى تم اكتشاف ذلك) هل هي منك ومن أمه- أي من المنزل- أو من غيركما؟، سنفترض أنها من المنزل، يشتري بتلك الأموال هدايا لأخوته أو غير ذلك.

** مثل هذا الأمر لا يكتفي بنصيحة واحدة فقط، بل لا بد من تخوله بالتربية والتنبيه، وقبل ذلك لا بد من معرفة الدافع إلى هذا الفعل وبخاصة أنه لا ينفق تلك الأموال على نفسه وإن كنت أشك في ذلك.

** معرفة الدافع للفعل يحتاج إلى حوار ومناقشة حتى لا يكذب في الإعلان عن الدافع، وبعد تحديد الدافع يتم اتخاذ الإجراء لتصحيح هذا الفعل الخاطئ، على أن يشارك هو في العلاج إن أمكن ذلك.

** مطلوب مراقبة حجرته وملابسه والأشياء الخاصة به بهدوء وبدون علمه، وعدم التعامل معه بغلظة أو عنف وإن كان لا بد أن يعلم أنه يمكن أن يفعل ذلك.

** على الأم أن تساعدك في العلاج، وكذلك بعض الإخوة الكبار أو الأعمام أو الإخوال إن كانوا على قدر كبير من المسئولية.

** تخير مما سبق عرضه ما يتناسب مع ابنك ومعك أثناء العلاج.

** لا تلق سلاحك وهو الدعاء.

يقول الفضيل بن عياض تعبت من تأديب ابني علي فقال: اللهم إني تعبت في تأديب ابني علي ، فأدبه أنت يقول عبد الله بن المبارك: أفضل الزاهدين بن الفضيل، وخير منه ابنه علي. في يوم كان الخليفة يطوف بالبيت وقد منع الحراس لذلك الناس فأراد الفضيل أن يستغل الموقف ويطوف مع الخليفة فقال له ابنه علي: لا تطوف فهذا موقف زور.

ونتمنى أن نتابع أخبارك في علاجك ابنك.