مع مرور الأيام، يشعر مجتمع الأعمال بفتور شديد بسبب حظر السفر الذي فرضته حملة مكافحة الفساد التي أعلن عنها الرئيس التونسي.

وبات بعض المثقفين الذين صفقوا لسعيد يخشون الآن من الانجراف الاستبدادي في بلد عرف أكثر من نصف قرن من الدكتاتورية، في عهد الحبيب بورقيبة ثم في عهد بن علي.

وتساءل موقع "ميديابارت" الاستقصائي الفرنسي إن كانت تونس على أعتاب تغيير النظام السياسي، قائلا إنه بعد أكثر من شهر على "انقلابه"، لم يقم الرئيس التونسي قيس سعيد حتى الآن بتعيين رئيس للحكومة، ومدد إجراءات الطوارئ دون موعد نهائي، ولمح يوم السبت إلى أن دستور 2014 يمكن تعديله.

فمنذ أن تولى الرئيس قيس سعيد السلطة الكاملة في نهاية يوليو بإقالة الحكومة وتعليق عمل البرلمان، غرقت تونس في ضباب مؤسسي كبير، وتم الإعلان عن القليل من القرارات الملموسة.

 وقال الرئيس التونسي يوم السبت 11 سبتمبر خلال مسيرة ليلية في شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس "أخشى الله فقط وأنا هنا لأكون مع الشعب". وشكل ذلك فرصة لاختبار شعبيته التي ما زالت قائمة، وقبل كل شيء الوعد بتشكيل حكومة جديدة “في أسرع وقت ممكن".

كانت أيضا فرصة لانتقاد دستور 2014، الإرث التاريخي لثورة 2011: يتهمه بأنه كتب "مفصلا" لخدمة مصالح أولئك الذين صاغوه. وبينما يعد "قيس سعيد" بـ "احترامه"، فإنه يدعو إلى تعديله، مع مراعاة "سيادة الشعب".

وتابع "ميديابارت" القول إنه بعد نحو عامين من قلبه للمشهد السياسي التونسي بانتصاره في نهاية حملة بدون حزب أو وسائل، فإن قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، يظل لغزا، تماما مثل مشروعه السياسي.

كما أنه بات يقلق المراقبين شيئا فشيئا انطلاقا من قوة الخطاب الشعبوي الذي أكسبه دعم غالبية التونسيين المنهكين من الأزمات المتكررة.

فالنخب المعارضة لحركة النهضة، التي تمتلك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، أشادت بخطوة قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان وإقالته رئيس الحكومة.

وثمة عدة أحداث تغذي مخاوفهم هذه، مثل وضع رئيس الهيئة المسئولة عن مكافحة الفساد رهن الإقامة الجبرية أو تسليم المعارض الجزائري سليمان بوحفص، الذي كان لاجئا في تونس منذ 2018، إلى السلطات الجزائرية. ويبدو أن هذا الأخير استُخدم كورقة مساومة في قضية رجل الأعمال التونسي نبيل القروي، قطب الإعلام ورئيس الحزب المنافس السابق لقيس سعيد خلال الانتخابات الرئاسية، والذي انتهى به المطاف بأن تم توقفيه من قبل السلطات الجزائرية بعد أن تسلل إلى الأراضي الجزائرية.

وقال "ميديابارت" إن البطء في الإعلان عن خارطة طريق أو تعيين رئيس للحكومة يشوه سمعة قيس سعيد بشكل متزايد. ومن بين السيناريوهات المحتملة انطلاقا من تصريحات الرئيس الغامضة ومن تصريحاته حاشيته، هو تعديل الدستور، والذي من المحتمل أن يسمح لقيس سعيد بتغيير نظامه السياسي، وتعيين رئيس حكومة لتنظيم السلطات العامة، مؤقتا دون استئناف البرلمان لنشاطه، وإجراء استفتاء، على أن يكون دور رئيس الحكومة معنيا بالدرجة الأولى باستعادة الوضع الاقتصادي للبلاد بينما تتولى لجنة من الخبراء القانونيين مهمة مراجعة الدستور خلال هذه الفترة الانتقالية.

 بالنسبة للعديد من المتخصصين الذين قال "ميديابارت" إنه قابلهم، فإن التغيير الدستوري المحتمل وتعديل النظام السياسي المطبق يمثل تحديات، خاصة إذا أعقبها إنشاء المشروع السياسي الذي يدافع عنه قيس سعيد منذ عام 2011. إذ يدعو أستاذ القانون السابق إلى نوع من الديمقراطية الهجينة غير التمثيلية، المستوحاة من "المجلس"، وهو تيار ماركسي يُطلق عليه أيضا "شيوعية المجالس"، مع أعضاء المجالس المنتخبين محليا ومن ثم نظام سحب، من شأنه أن يجعل من الممكن في نهاية المطاف أن يكون هناك برلمان يضم ممثلين إقليميين.