وائل قنديل

تحدّث المخرج خالد يوسف (مخرج الثلاثين من يونيو 2013) في برنامج المذيع عمرو أديب (الذي قام رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ بالتوقيع معه على طريقة لاعبي الكرة) متقمصًا دور البطل العائد من الأسر إلى حضن الوطن.

على مدار أكثر من ساعة ونصف الساعة، تكلم المخرج العائد من غربة اختيارية قصيرة في فرنسا، كانت هروبًا من مطبّ قضائي عنيف، سجنت على إثره فتاتان تقطعان الخطوات الأولى على طريق التمثيل، ظهرتا معه في مقاطع فيديو مشينة، واعترفتا أمام جهات التحقيق بوقوعهما ضحية استغلال نفوذ وتسلّط.

استخدم خالد يوسف التعويذة التقليدية، لكي يفتح له الوطن بوابات الدخول واستوديوهات الوصول إلى أوسع شريحة من الجماهير، لكي يحاول إقناعها بأنه المناضل المجاهد الذي رفض إغراءات الإخوان المسلمين، وحفر لنفسه نفقًا طويلًا يحرّره من كهف الغربة الذي حاول "الإخوان" اصطياده فيه، لكي يخون وطنه ويعارض قيادته الحكيمة .. وألقى بنفسه فوق أول موجةٍ قادمةٍ من فرنسا إلى مصر، ومن ثم ينخرط في ملحمة نضالٍ سينمائي، عبر شركة "المتّحدون" التابعة لأجهزة النظام، إسهامًا منه في بناء النهضة الشاملة للوطن.

لم يحاول المذيع، بالطبع، أن يُرهقه بالأسئلة عن دوافعه الحقيقية للسفر إلى فرنسا، أو تفاصيل القضية المُخجلة التي هزّت مصر، وتناولتها وسائل الإعلام التابعة للنظام، بتوسّع شديدٍ واستفاضةٍ مبالغ فيها، حد التقزز، حيث لم يردّ المخرج سوى بعباراتٍ مطّاطية مبهمة عن أنه تعرّض لمؤامرة، من دون أن يحدّد أطراف هذه المؤامرة، أو أسبابها، وهل هذه الأطراف أجهزة النظام التي كانت بصدد تصنيع برلمانٍ جديد، لا مكان فيه للمخرج وأشباهه، ممن وصفتهم بالكائن المسخ الذي يمشي على ساقين منفرجتين، واحدة تزعم الانتساب لثورة 25 يناير، والأخرى تباهي بالانتماء للانقلاب على هذه الثورة، والذي هو في أفضل الأحوال يمكن وصفه بثورة مضادّة .. لم يبيّن خالد يوسف ملامح أطراف هذه المؤامرة التي أطاحته، حيث الشاطئ الأخر من المتوسط، فيما اكتفى المذيع بدور لاعب الأكروبات الذي يقفز فوق الأسئلة الأساسية برشاقة، تاركًا المسألة لاستنتاج المشاهد، في سياق حوارٍ يبدأ وينتهي بتعليق كل شيء على شمّاعة "الإخوان"، حتى تخيلت أنهما قد يعلنا أن مؤامرة المقاطع الملوّثة إخوانية.

لا مجال هنا، قانونيًا أو أخلاقيًا، لإدانة خالد يوسف أو تبرئته في قضية مقاطع الفضيحة، فهذا ليس من حق أو سلطة أحد، سوى القضاء الذي فتح القضية وأغلقها على رقبة فتاتين، هناك من مات كمدًا وحسرًة من أسرتيهما، بينما الطرف الأساس في الموضوع يناضل سينمائيًا في فرنسا، في حبّ مصر التي عاد إليها بمشروع سينمائي ملحمي تنتجه شركة المخابرات.

لكن، أزعم، وليس كل الزعم خطيئة، أننا أمام عملية غسيل سياسية وإعلامية لاسم بعينه، كان بالمصادفة مخرج مشاهد الانقلاب الذي جاء بالسلطة الحالية، وقبل ذلك كان جسرًا لعبور الثورة المضادّة إلى أراضي ثورة يناير وميادينها، كما اعترف الجنرال أحمد شفيق في ذلك الوقت، بأن خالد يوسف كان وسيط المفاوضات بينه وبين جبهة الإنقاذ.

عملية الغسيل، القومية هذه، تستدعي بالضرورة المقارنة بين ملابسات عودة المخرج السينمائي وأجوائها، ومآلاتها، بعد اغتراب طوعي فرارًا من ورطةٍ مشينة، وعودة رئيس حزب مصر القوية السياسي والطبيب المرموق، عبد المنعم أبو الفتوح، من رحلة سريعة إلى بريطانيا لإجراء حوار تلفزيوني أذيع على الهواء وشاهدته مصر كلها، أبدى فيه وجهات نظر في الحالة السياسية بوصفه رئيسًا لحزب سياسي.

عاد أبو الفتوح، ليدخل في دوامةٍ مجنونةٍ من قرارات الحبس الاحتياطي، تجاوزت الحد الأقصى الذي وضعه المشرّع، فتقرّر تأليف قضية جنائية وإخراجها له، يتم اتهامه فيه بالإرهاب المسلّح. المخجل أكثر في هذه الدراما الرسمية لإعادة إطلاق خالد يوسف، بعد عمليات ترميمه، مشاهد الاحتفالات القومية الناصرية اليسارية باستعادة خالد يوسف، تُشعرك وكأنه أسير محرّر، اجترح معجزةً لا تقل عن ملحمة انتصار الأسرى الفلسطينيين الستة على سجون الاحتلال الصهيوني