بسم الله الرحمن الرحيم
حول مجلس الشورى العام واللائحة
مقال للأستاذ الدكتور محمود حسين
عضو مكتب الإرشاد
الحمد لله .. والصلاة والسلام علي رسول الله …
"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا” النساء
"ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم” البقرة
منذ الانقلاب على ثورات الربيع العربي ، امتلأت ساحات التواصل الاجتماعي والمنصات الألكترونية بانتقادات كثير من الكتاب للإسلاميين واتهامهم بكل نقيصة ، وهو أمر يمكن فهمه في ظل الخلفيات التي ينطلق منها هؤلاء وهي كراهيتهم للنموذج الإسلامي ، لكن ما يثير الدهشة والتساؤل أن يجاري هؤلاء بعض ممن يحسبون على الإسلاميين ، يقدمون أنفسهم على أنهم  باحثون في شئون الحركات الإسلامية ، فيكتبون ويحللون مواقف الحركات الإسلامية دون أن يتوفر لهم من المعلومات ما يسمح لهم بتحليل هذه المواقف وتوجيه نقد غير موضوعي، وهذا لا ينفي أن منهم من كان موضوعيا .
ولعل من المفيد أن نبين الفارق بين الباحث وصاحب الرأي أو النظرية ، فالباحث يلزمه أولا أن يلم بكل ما سبقه من أبحاث ومعلومات حول الموضوع الذي يبحثه حتى يتسنى له القدرة - في ضوء هذه المعلومات - تقديم تصوره واقتراحاته حول ما يراه من تطوير ، ولا يتم عرض ما ارتآه على عامة الناس وإنما يتم عرضه في مؤتمر تخصصي يحضره علماء وباحثون مثله في ذات الموضوع ، فيناقشونه ويوافقون أو يعترضون ، أما صاحب الرأي فيقول رأيه بناء على ما توفر لديه من معلومات ومعرفة ، لكن ما أصاب جماعة الإخوان المسلمين أن أصحاب الرأي وفيهم من لا تتوفر لديه معلومات كافية أو أنه يعيش في إطار نظري بعيدا عن الواقع ثم بحجة أن شأن الجماعة شأن عام فينبري ويبدي رأيه فيما هو شأن عام أو شأن خاص دون تفرقة فيحدث من البلبلة ما يحدثه ، لرمزية اسمه أو مكانته ، وواقع الحال أنه لم يتعرف من مصادر صحيحة عن مبررات أو أسباب هذا الموقف أو ذاك.
وقد انتشرت  في الفترة الأخيرة كتابات حول شورى الجماعة ولوائحها من بعض الإخوان وغيرهم - وأحسب أنهم من المخلصين أو المحبين للجماعة ولا نزكيهم على الله - وهذا أمر مطلوب إذا كان في إطاره الصحيح ومبني على معلومات دقيقة وليس على مجموعة أرقام ربما تحتاج للشرح أو التفصيل ، وقد شاب ما تم نشره على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي وأخص بالذكر ما تم نشره حول لوائح الجماعة وهيكلة مجلس الشورى العام لغط كثير ، ولي  في هذا الصدد كثير من الملاحظات أضعها أمام هؤلاء الإخوة لتوضيح بعضها ...
 • لا يختلف اثنان على أن لوائح الجماعة أو مؤسساتها الشورية أو التنفيذية أو وسائلها هي جهد بشري يعتريه النقص ويحتاج دوما إلى التطوير والتعديل بعد التجربة وحسب معطيات الواقع .
 • لا أظن أن أحدا يختلف في أن كل جماعة أو مؤسسة أو دولة لها قيم وأعراف وفلسفة تحكم تشكيلها وهياكلها ولوائحها ، ولابد لكل من يتعرض لهذه الأمور أن يكون ملما بها ، فلوائح الشركات التي تحقق ربحا تختلف عن لوائح الشركات التي لا تستهدف ربحا وهكذا دون إطالة ، ولوائح الجماعة بالتأكيد تحكمها قواعد حاكمة لها من قيم وأعراف وتقاليد والتزام شرعي.
 • عاشت جماعة الإخوان المسلمين في ظروف لا تسمح لها بالإعلان عن كثير من تفاصيلها التنظيمية عدا ما كان في الفترة الأولى للتأسيس قبل انقلاب 23 يوليو 1952م بقليل. وبعد منتصف سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لم تمر عليها فترة تتضح فيها هياكلها ولوائحها بشكل عام سوى فترة ثورة 2011 م ولمدة لم تتجاوز السنتين ، وليس هذا معناه أن هياكلها كانت سرية لكنها كانت في أضيق نطاق وإن كان معظمها معلوم لدى الأجهزة الأمنية ، وبالتالي فالجماعة تعيش فترات استثنائية معظم تاريخها إلا قليلا بل تم وضع لوائحها في هذه الفترات الاستثنائية.
 • لم يجتمع مجلس شورى الجماعة إلا مرات معدودة ، اجتماعات مجلس الشورى في الفترات الاستثنائية، فمنذ انقلاب يوليو 1952م  لم تجتمع الهيئة التأسيسية (كانت هي مجلس الشورى العام) حتى تم تشكيل أول مجلس شورى عام 1990 م ولم يجتمع  هذا المجلس حتى عام1995 م سوى مرات معدودة في ظل ملاحقات أمنية ، ثم توقفت الاجتماعات لفترة بعد سلسلة المحاكم العسكرية.
 • منذ 1995 م وحتى 2010 م لم يجتمع المجلس سوى في أواخر هذه الفترة وكان بالتمرير أو على مستوى القطاعات الجغرافية وفيها تم انتخاب تكميلي لمكتب الإرشاد وانتخاب المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد بالتمرير عام 2010 م ، واعتماد تعديلات محدودة في اللائحة.

• اجتمع مجلس الشورى العام عدة مرات بعد ثورة 2011 م وكان معظمها معلوما إعلاميا ، وهي الفترة التي تم فيها تشكيل حزب " الحرية والعدالة " وانتخاب الدكتور محمد مرسي - يرحمه الله - رئيسا  للجمهورية .
 • لا تسمح الظروف الإقليمية والدولية بأي حال من الأحوال بتواجد تنظيمات إخوانية في العديد من الدول بل إن بعضها يجعل ذلك مُجَرما ، فكيف تغيب هذه الحقيقة عمن يتحدث عن إعادة هيكلة في الخارج فضلا عمن يتحدث عن إعادة هيكلة في الداخل؟  في ظل ملاحقات يومية واعتقالات ونظام عسكري يقنن فصل من ينتمي للإخوان فكرا من وظيفته الحكومية .
 • يغيب عمن يطرح هذه الرؤى طبيعة المناخ الذي تعيشه الدعوة منذ نشأتها وممارساتها العملية والتي حافظت فيها على الكيان الإخواني رغم كل التضييق الذي تمت ممارسته ضدها.
 • أيضا يغيب عمن يضع تصورات نظرية أنه رغم الظروف التي يعيشها الإخوان إلا أنهم ظلوا حريصين على الالتزام بالانتخابات كأحد الوسائل المعتمدة في تداول المواقع التنظيمية.
 • ويغيب عن هؤلاء أيضا أن مواقع الجماعة ليست مغنما لأحد ، فمن يتولى فيها موقعا يقع عليه غُرم قد يحمِّله كل ما يملك بما فيه حياته نفسها ، وبالتالي فليس هناك أحد حريص على البقاء في موقعه اللهم إلا إنفاذاً للأمانة الملقاة على عاتقه.
 • حين تم وضع اللوائح كان في حس واضعيها الظروف التي تعيشها الجماعة ولذلك وضعت بعض النصوص التي تيسر العمل، ومنها : إذا تعذر اجتماع مجلس الشورى يتولى مكتب الإرشاد اختصاصاته ، ومنها أن المجالس والمكاتب تستمر لحين إجراء انتخابات جديدة ، ومنها أن الاعتقال أو الحبس لا يفقد المعتقل موقعه بسبب ذلك ، ومنها أن الانتخابات تتم من القاعدة للقمة ، ومنها أن مجلس الشورى يأتي ممثلوه بالانتخاب من بين أعضاء مجالس شورى المحافظات المنتخبين وفقا لحصص معتمدة ، ومنها أن مجلس الشورى العام محددة أعداده ولا يجوز تغييرها إلا بمعايير موضوعية وباعتماد من مكتب الإرشاد حسب نص اللائحة.
 • إن تعديل اللوائح بحجة الوضع الاستثنائي أمر مُقَدر ومتفق عليه بحيث يتم النظر في أي نص تحتاجه اللائحة ولم تعالجه أو تمت معالجته بطريقة خاطئة فيتم تعديله ، أما أن يقال كلام عام عن إجراء تعديلات كاملة وكأن الجماعة طوال تسعين عاما لم تكن في أوضاع استثنائية وأن وضعها اليوم وكأنه ليس امتدادا لذلك . كما أن التعديل ليس هدفا في حد ذاته وإنما لتحقيق أهداف منها : مراعاة الواقع أو بسبب التجربة وبيان خطئها أو لتحقيق الشورى ...إلخ. ولم يتقدم أحد بمقترح محدد يعالج شيئا غفلت عنه اللائحة أو لم تعالجه اللائحة بشكل صحيح إلا وتم قبوله عبر الآلية التي حددتها اللائحة للتعديل.
 • إن الجماعة وضعت آليات معتمدة لأسباب تغير المواقع من وفاة أو سفر أو اعتقال أو غير ذلك بنفس الفلسفة التي قامت عليها هياكلها ، وبالتالي فإن  استدعاء معلومات بناء على شكل قديم كأن يقال أن مجلس الشورى في 2010 م كان عدده كذا ومات منهم كذا ...إلخ ليستدل بها على فقد شورية المؤسسة ، فيه مغالطة كبيرة وخطأ وعدم معرفة بالواقع وخصوصا إذا ما صدر ممن ليس عضوا في مجلس الشوري أو ممن ليس في الهيكل التنظيمي . ثم إن عرض الأمر على بعض الأفراد لاكتساب موافقتهم ودعمهم يخرج عن إطار البحث الذي بدأنا به الحديث، فمثل هذه الأمور توضع أمام المختصين والعالمين بالأمر لمناقشته موضوعيا وبيان المصلحة واتباعها (ثم لمؤسسات الجماعة للنظر فيها وتبنيها إذا رأت فيها المصلحة)، ولا يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
 • أن يأتي الحديث عن انتفاء شرعية مجلس الشورى لأن بعضا من أعضائه توفاهم الله أو تم اعتقالهم ، أو أن دورة المجلس انتهت ويكون الحديث للأسف في بعض الأحيان من بعض الإخوة المعينين في مواقعهم لمدة تزيد عن المنتخبين لهو أمر عجيب ، ولم يتحدث أحد منهم عن ضرورة تركهم لمواقعهم المعينين بها وقد مضى علي بعضهم في موقعه أكثر من عشرة أو عشرين عاما.

◦ أن تكون هناك محاكاة لنظام الدولة القائم علي سلطات ثلاث : تشريعية وتنفيذية وقضائية ، فذلك بعيد تمام عن فهم الجماعة العام والأصول التي تقوم عليها ... نعم التشريع والتنفيذ والقضاء موجود في الجماعة ولكن بسمات وخصوصيات مختلفة.فمثلا : صحيح أن  المجالس الشورية  في الجماعة تقر اللوائح وتعدل فيها وتعد بنودا جديدة حسب الحاجة وهي إضافة لذلك تعد أقرب إلي الجهاز الرقابي ، لكنها  تختلف عن السلطة التشريعية في الدولة في :
 1. أن منهاجها الذي تسير عليه هو نفس المنهاج الذي تسير عليه الجماعة ككل ، والذي وضعه الإمام البنا وسار عليه قادتها عبر العصور ويحكمه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
 2.  هذا فضلا عن أن منهاج الجماعة يتيح لأي فرد أيا كان موقعه حتى لو كان خارج الجماعة أن ينصح بل ويوجه إذا ما كان هناك خطأ واضح حتى ولو كان من المرشد العام ، وعلى الجماعة ومؤسساتها وعلى رأسها المرشد العام الاستجابة والتعامل مع تلك النصيحة بجدية ودراستها ومراجعة الخطأ.  
 3. وبالطبع لا توجد عند الجماعة سلطة قضائية بأركانها وتشكيلاتها المعروفة في الدولة اللهم إلا إذا تم اعتبار لجان التحقيق ( صورة مصغرة من التقاضي  وليس الجهاز القضائي ) التي تحقق فقط في المخالفات لمنهج الإخوان مثل السلطة القضائية.
 • ثم إن حديث البعض عن مجالس لهيئات أوجماعات أو دول وإسقاطها من خلال منظور شخصي على الجماعة ، فإنه بذلك يقدم تقييمه الشخصي وكأنه حقيقة لا تقبل النقاش أو الحوار ، فيه مجافاة للواقع ، فلكل هيئة أو جماعة قواعدها الحاكمة التي تحدد آليات العمل والقرار فيها.
 • أما تقييم ما قامت به الجماعة من أعمال سلبا أو إيجابا فهو أمر ضروري لكنه يحتاج تقييما موضوعيا ، يتم فيه الاستماع لمن شارك في صنع الأحداث ومبرراته وما توفر له من معلومات . وعموما فإن القرارات المصيرية والعامة للجماعة كلها قد تمت عبر الشورى الواسعة (لم تكن قاصرة على مجلس الشورى فقط) وبالتالي فلا ينسب فضلها ولا خطؤها لأحد بعينه وإلا دل ذلك على عدم دراية بطريقة صنع القرار فيها حتى لو ادعى أنه من أبنائها ، اللهم إلا إذا كان له رأي شخصي مخالف فأراد أن يلقي بظلاله على الجماعة.
 • ثم يستطرد هؤلاء بالحديث عن أرقام ونسب أشهد - بصفتي - أنها مجافية للواقع وإن كان - كما قلت - يتم استخدام أرقام قديمة تم تعديلها بآليات معتمدة من مؤسسات الجماعة وليس من أفرادها وبالتالي لم تعد هذه الأرقام معبرة عن الواقع.
 • أما قضية استيعاب الأفراد وطاقاتهم وفقا للظروف التي تعيشها الجماعة فهو صحيح ويرجع فيه للإدارات التنفيذية في كل مكان لمعرفة ما لديها من معوقات في هذا المجال والنصح لها عبر حلول عملية - وليست نظرية - تتفق مع الواقع وخصوصا في بعض الأقطار التي هاجر إليها أعداد غفيرة ، وفي ظل ظروف عمل دعوية محدودة للغاية ولا تحمل الجماعة ككيان مثل هذه الأمور إذ ستختلف من مكان لآخر.
 • إن استخدام كلمات مثيرة للتسويق لأي مشروع ، والإلحاح علي احتكار الحقيقة باستخدام بعض الكلمات العاطفية لإقناع الآخرين بما يعتقده صاحب المشروع  صوابا ، مثل اعتباره  أن شرعية المجالس الشورية قد انتهت ، أو أن بقاء الجماعة مرهون بما يتصوره صوابا ، فيه حجر على آراء الآخرين ، وهو ينافي ما تعلمه أي منا في الجماعة : "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " فضلا عن أنها أمور اجتهادية تكون الشورى فيها عبر المؤسسات (آلية حاكمة حاسمة للاختيار) وهي ملزمة وليست معلمة.
والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
11 محرم 1443 – 19 أغسطس 2021