بقلم: الشيخ أحمد جاد

معنى الأضحية:

الأضحية جمعها أضاحٍ، وضحية جمعها ضحايا، وأضحاة، والجمع أضحى، وبها سمي يوم الأضحى، وقيل سميت بذلك لأنها تذبح في الضحى، وهو ارتفاع النهار.

والأضحية شعيرة من شعائر الله، ونعمة من نعمه لإقامة ذكره وأداء شكره.

وقد سخَّرها الله لعباده، وفيها خير ومنافع، ومنها حمل الأثقال وركوبها وشرب ألبانها، وأكل لحومها والانتفاع بجلودها: ﴿وَمِنْ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)﴾ (الأنعام)، ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)﴾  (النحل)، ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)﴾ (النحل)، ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)﴾ (الحج).

مشروعيتها:

قال تعالى ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)﴾ (الكوثر)، وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون بعده.

حكمها:

قال النووي: اختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال الجمهور: هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وقال بعضهم: هي واجبة على الموسر، والمشهور عند أبي حنيفة أنها واجبة على مقيم يملك نصابًا، وقال ابن حزم: هي سنَّة حسنة وليست فرضًا، من تركها غير راغب فيها فلا حرج عليه، وفي الحديث "من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظافره شيئًا حتى يضحي" (أبو داود: 2791) وفي راوية "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي.." (مسلم: 1977).

فقوله عليه السلام "فأراد أن يضحي" برهان بأن الأضحية مردودة إلى إرادة المسلم، وما كان هكذا فليس فرضًا... (المحلى لابن حزم: 8/4).

فضلها:

إن أمر الأضحية عند الله عظيم، ففي الحديث: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهدار الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسًا" (الترمذي: 1493 وابن ماجه: 3126).

سنها:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنَّة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" (رواه مسلم وأبو داود والنسائي).. والمسنة إذا طلع سنها وتسمَّى الثنية، ومن الإبل ما بلغ خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما له سنتان ودخل في الثالثة، والجذع من الضأن ما له سنة، وقيل ستة أشهر، والجذع من المعز ما له سنتان وقيل سنة.

ما يستحب منها:

الإجماع على استحباب السمين الطيب، قال عليّ رضي الله عنه: "إذا اشتريت فاستسمن؛ فإن أكلت أكلت طيبًا، وإن أطعمت أطعمت طيبًا، واشتر ثنيًا فصاعدًا" (المحلى: 8/15)، وتستحب الأضحية بالإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز، وقيل يستحب الضان لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ما يكره منها:

عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بيِّن عورها، والمريضة بيِّن مرضها، والعرجاء بيِّن ظلعها، والكسير التي لا تنقي" (أبو داود: 2802 وغيره), وظلعها: عرجها الذي يمنعها المشي، والكسير المنكسرة الرجل، والتي لا تنقي: التي لا مخ لها وفي رواية: والعجفاء التي لا تنقي: أي ذهب سمنها ومخها، وفي الحديث دليل على أن العيب الخفيف معفو عنه، وذُكرت عيوب أخرى مختلف فيها، ونكتفي بما ذكرنا.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ركوب الجلالة وأكلها وشرب لبنها؛ ففي الحديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وركوبها وأكل لحمها" وفي رواية "نهى عن أكل الجلالة وألبانها" (أبو داود: 3811 والترمذي 1825، كلاهما في الأطعمة والنسائي: 4454)، والجلالة هي التي تأكل العذرة أو كان أكثر علفها النجاسة، سواءٌ في الإبل أو البقر والغنم وغيرها، واختلف الناس في أكل لحومها، فقال أكثرهم: يكره أكلها حتى تحبس أيامًا، وقال بعضهم ليس للحبس مدة، وعن آخرين: تحبس الإبل والبقر أربعين يومًا، والغنم سبعة أيام وفي الدجاج ثلاثة أيام، وقال غيرهم: يغسل لحمها غسلاً جيدًا، ولا بأس بأكلها، ويجوز الخصي منها؛ لحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين...." وموجآن: يعني خصيين، وتجوز الأضحية بالأنثى كالذكر سواء.

المشاركة فيها:

لا يجوز المشاركة في الواحد من الضأن والمضحي يذبح لأهل بيته وعنهم، ويجوز في البقر عن سبعة، وكذلك في الإبل، وقد وردت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز في البعير عن عشرة، وقد وردت السنة أيضًا بذلك، عن ابن عباس: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة عن سبعة، وفي البعير عن عشرة: (الترمذي 1501 والنسائي: 4399) وفي رواية له "وفي الجزور عن عشرة" (الترمذي: 905)، وفي رواية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل في قسم الغنائم عشرة من الشاة ببعير (النسائي ضحايا: 4398 وابن ماجه: 3131)، وقال في فتح الباري: واتفق من قال بالاشتراك على أنه لا يكون في أكثر من سبعة إلا إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب، فقال: تجزي عن عشرة.. وبه قال إسحاق وابن خزيمة في صحيحه وأحتج بحديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم "قسم فعدل عشرًا من الغنم ببعير" (الحديث وهو في الصحيحين)، وأجمعوا على أن الشاة لا يصح الاشتراك فيها (راجع فتح الباري في شرح حديث البخاري 1688).

وقت ذبحها:

قال النبي صلى الله عليه وسلم "من ضحَّى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نسكه وأصاب سنة المسلمين" (مسلم: 1961)، والذي ذبح قبل وقتها له ثواب العمل الصالح لا بسبب الأضحية بل بسبب أنه أخرجها في طاعة الله، وقصد بها الخير.

والإجماع على أنها تجزيه إذا ذبح بعد الصلاة مع الإمام، والإجماع أيضًا أنها لا تجوز قبل طلوع فجر يوم النحر. وقال الشافعي وداود وغيرهم: يجوز ذبحها بعد طلوع الشمس ومضيِّ قدر صلاة العيد والخطبة، وآخر وقتها في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ويجوز ذبحها ليلاً مع الكراهية.

ما يقول عند ذبحها:

في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذبح كبشين، فلما وجَّههما قال: "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض، على ملة إبراهيم حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر"، ثم ذبح: (رواه أبو داود: 2795 وغيره)، والتسمية مطلوبة في بداية أي عمل، وعند الذبح يحد الشفرة ويريح ذبيحته، ففي الحديث ".. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" (مسلم: الصيد: 1955).

كيف يذبحها؟

يستحب أن يذبح بنفسه ولا يوكل غيره إلا لعذر، وحينئذٍ يستحب له أن يشهد ذبحها، ويجوز للمرأة أن تذبح بنفسها (الفتح: 10/ 21)، وأن يضع رجله على صفحة عنق الشاة، ففي الحديث "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما" (مسلم: 1966 وأبو داود: 2794)، "وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له، وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه" (النووي ملزمة: 35/ 637). والنحر يكون للإبل (صواف) أي قيامًا على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى.. فإذا سقطت على جنبها بعد نحرها وسكنت جاز الأكل منها.

تقسيمها:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية ".... كلوا وأطعموا وادَّخروا..."  (البخاري 5569)، وقال ابن مسعود: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأكل منها ثلثًا، ونتصدق بثلثها، ونطعم الجيران ثلثها، "وهذا الحديث ضعَّفه ابن حزم (8/56)، وقال يأكل منها، ويتصدق بما شاء ويباح له أن يطعم منها الغني والكافر وأن يهدي منها إن شاء (السابق: 54)، وعن أبي سعيد أنه كان يقول لبنيه: إذا ذبحتم أضاحيكم فأطعموا وكلوا وتصدَّقوا، وصح عن سعيد بن المسيب وعروة: ليس لصاحب الأضحية إلا ربعها (السابق: 57)، وصفوة القول: أن يأكل منها ويهدي ويتصدق.

الأضحية عن الميت:

ففي الحديث: ضحَّى علي رضي الله عنه بكبشين وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحِّي عنه، فأنا أضحي عنه" (أبو داود 2790 وفي رواية للحاكم) وصححها: "أنه كان يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرني أن أضحي عنه أبدًا..." وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي عن أمته ومنهم الأحياء ومنهم الأموات.

ونسأل الله تعالى صاحب المن والفضل والعطاء أن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يوفقنا والمسلمين إلى ما فيه الخير والرشاد، وإلى ما يحبه ويرضاه، وأن تعود هذه الأيام على الأمة باليمن والإيمان والسلامة والنصر المبين، اللهم آمين.