بقلم: ممدوح الولي

خلال زيارة الرئيس الراحل مبارك لمحافظة دمياط، الواقعة أقصى الشمال الجغرافي لمصر، تمنى أن تكون كل المحافظات مثل دمياط في "شطارة" أهلها وخلوها من البطالة، حيث أطلقت وسائل الإعلام عليها اسم يابان مصر، باعتبارها بلد القيمة المضافة مثل اليابان.

فهي لا تنتج الأخشاب لكنها تعد المحافظة الأولى بمصر في تصنيع وتصدير الأثاث، كذلك لا تنتج قصب السكر والجوز واللوز لكنها تعد الأولى في تصنيع مختلف أصناف الحلويات، كما أنها لا تنتج الجلود لكنها مشهورة بتصنيع الأحذية.. وهكذا تتحول الخامات إلى منتجات تامة الصنع على يد سكان دمياط، مما حقق لها مكاسب مادية انعكست على نموها العمراني، واتساع نشاط مصانعها.

لكن تلك المحافظة جاءت بصدارة معدلات البطالة على مستويات المحافظات المصرية السبع والعشرين خلال عام 2020، بنسبة 20.8 في المائة، تليها محافظة البحر الأحمر بنسبة 18.1 في المائة، وبورسعيد 16.5 في المائة، والأقصر 14.9 في المائة، والإسكندرية 14.8 في المائة. وكان تراجع القوى الشرائية نتيجة تبعات انتشار فيروس كورونا عاملا مشتركا كسبب لارتفاع معدلات البطالة.

فقد تراجعت معدلات السفر لدمياط لشراء الأثاث في ضوء انخفاض حالات الزواج، وهو النشاط الاقتصادي الرئيس الذي تتعدد داخله أنشطة اقتصادية متعددة، من نجارة ودهان ونقل وتجارة. كما تراجع النشاط التجاري والسياحي ببورسعيد، وتراجع النشاط السياحي الخارجي في البحر الأحمر والأقصر، كما تراجعت السياحة الداخلية في الإسكندرية.

معدلات أعلى للبطالة بين المتعلمين

وكشفت النشرة السنوية لبحث القوى العاملة الصادرة عن جهاز الإحصاء الرسمي، عن بلوغ نسبة بطالة الشباب ما بين 20 و24 سنة نحو 19.6 في المائة، كما زادت معدلات البطالة بين المتعلمين. فبينما كانت نسبة البطالة بين الأميين 2.8 في المائة، وبين من يقرأون ويكتبون فقط 4.4 في المائة، كان معدل البطالة 15.7 في المائة بين حاملي المؤهلات الجامعية وما فوقها من مؤهلات دراسية.

كما زادت معدلات البطالة في المدن عنها بالريف، حيث بلغت نسبتها في حضر محافظات الحدود 14.3 في المائة، وفي مدن المحافظات الحضرية 13.5 في المائة.

وكانت مؤشرات جودة العمل للمشتغلين قد شهدت بلوغ نسبة المشتركين من المشتغلين بأجر في التأمينات الاجتماعية 44.7 في المائة، وفي التأمين الصحى 39.1 في المائة، ونسبة العاملين بعقد قانوني 40.3 في المائة، ونسبة العاملين في عمل دائم 68.3 في المائة.

إلا أن تلك النسب عبارة عن متوسطات ساهم العمل في الحكومة وشركات القطاع العام في تحسنها، لكنها منخفضة بدرجة كبيرة لدى العاملين في القطاع الخاص، والذي يقوم بتشغيل 78 في المائة من العاملين في مصر، والذي بلغ عدد المشتغلين فيه 20.5 مليون شخص، مقابل 5.6 مليون شخص في الحكومة والقطاع العام.

ويتوزع العمل في القطاع الخاص ما بين: تسعة ملايين مشتغل يعملون داخل منشآت، أي داخل عنابر مصانع أو حجرات مكاتب، لكن العدد الأكبر للعاملين في القطاع الخاص والبالغ 11.5 مليون؛ يعمل خارج المنشآت، مثل الباعة الجائلين في الشوارع أو المزارعين أو الحرفيين على أرصفة الشوارع، وهؤلاء يعانون من ظروف عمل أصعب لا تقتصر على حر الصيف ومطر الشتاء.

فتبلغ نسبة العاملين بأجر منهم في الاشتراك في التأمينات الاجتماعية 10.8 في المائة فقط، ونسبة المشتركين في التأمين الصحي 3.2 في المائة، والرقم ليس به خطأ (ثلاثة واثنين من عشرة في المائة )، ونسبة العاملين بعقد قانوني تسعة بالألف، أي أقل من نسبة الواحد في المائة، ونسبة العاملين منهم في عمل دائم 27.2 في المائة.

بطالة حادة بقطاع التشييد والبناء

ورغم ظروف كورونا التي رفعت معدلات البطالة في أنحاء العالم، نجد أن جهاز الإحصاء المختص بقياس البطالة في مصر قد أشار إلى بلوغ نسبة البطالة عام 2020 نحو 7.9 في المائة، وهو نفس معدل البطالة عام 2019، في حين بلغ معدل البطالة في العام الماضي وحسب بيانات صندوق النقد الدولي 29.2 في المائة بجنوب أفريقيا، و16.4 في المائة باليونان و15.5، في المائة بإسبانيا، و13.2 في المائة بالبرازيل، و11.4 في المائة بالأرجنتين، و9.1 في المائة بإيطاليا، و8.2 في المائة بفرنسا.

وتوجد شواهد عديدة تدعو لعدم الثقة في بيانات البطالة الصادرة عن جهاز الإحصاء في مصر، فحتى أهالى دمياط يرون النسبة المذكورة عن محافظتهم متدنية عن الواقع الحقيقي، ويدللون بأن أية كاميرا تلفزيونية تسير بشواع المدينة يمكن أن ترصد عدد الورش المغلقة أو عدد معارض الأثاث التي تحولت إلى كافيهات، في دلالة مباشرة لمعدلات البطالة الحقيقية.

وإذا كان جهاز الإحصاء يرى أن عدد المشتغلين في قطاع البناء التشييد قد بلغ 3.5 مليون شخص في العام الماضي، فهذا العدد يمكن أن يغير المعدلات الحقيقية للبطالة، حيث يعاني غالبية هؤلاء من البطالة منذ صدور قرار وقف تراخيص البناء أو التعلية في مايو 2020، والوعد حينذاك بصدور اشتراطات جديدة للبناء خلال ستة أشهر. لكنها لم تصدر سوى في مايو من العام الحالي، على أن يتم تطبيقها على سبيل التجربة لمدة شهرين في 27 مدينة فقط، من بين أكثر من 220 مدينة مصرية.

لكنه ربما لأن تعريف المشتغل لدى جهاز الإحصاء بأنه الشخص الذي عمل ولو ساعة واحدة خلال الأسبوع، قد جعل جهاز الإحصاء يلحقهم بالمشتغلين.

كما أن عدد المشتغلين البالغ 26 مليونا و199 ألف شخص في العام الماضي، لا يقتصر فقط على من يقومون بعمل دائم والبالغ عددهم 18.8 مليون شخص، ولكنه يضم أيضا 5.6 مليون شخص يعملون عملا متقطعا، وكذلك 1.6 مليون شخص يعملون عملا مؤقتا، وكذلك 196 ألف شخص يعملون عملا موسميا.

انخفاض الثقة في معدلات البطالة

كذلك تأثر العاملين في السياحة سواء الخارجية أو الداخلية له أثره في زيادة البطالة، وحالة الركود المهيمنة على الأسواق التي أشار إليها مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الإمارات أبو ظبى، حتى أن مراكز الشباب في المدن وبعض الأندية قد أجلت تقاضي إيجار المحلات ومنافذ البيع فيها بسبب حالة الركود، والتي أدت لضعف مبيعات محلات السلع المعمرة.

أيضا تم توقيع الحجز الإداري على أموال عشرات الآلاف من عملاء البنوك لأسباب ضريبية، والزج في السجون لبعض رجال الأعمال دون توجيه تهم واضحة لهم، مما يخيف باقي رجال الأعمال ويدعوهم للتريث في توسيع النشاط، تحسبا لتغير المزاج العام للسلطات تجاههم، خاصة وأن من تم القبض عليهم قد قاموا بالتبرع بمبالغ سخية لصندوق تحيا مصر كما رغب الجنرال.

أيضا تراجعت قيمة الصادرات السلعية بنسبة 12 في المائة حسب بيانات المصرف المركزي، مع تراجع المتحصلات من الأنشطة الخدمية مع الخارج بنسبة 40 في المائة، وتراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل لمصر في العام الماضي بنسبة 22 في المائة بالمقارنة للعام الأسبق، إضافية إلى خروج استثمارات أجنبية مباشرة من مصر بقيمة سبعة مليارات و890 مليون دولار في العام الماضي.

ولقد لوحظ تراجع معدل البطالة تدريجيا منذ تولي الرئيس الحالي لجهاز الإحصاء، والقادم من المؤسسة العسكرية، في فبراير 2018، من نسبة 11.8 في المائة عام 2018 إلى 9.9 في المائة في العام الأول لتوليه، ثم إلى 7.9 في المائة بالعامين التاليين، حتى أنه خفض النسبة إلى 7.4 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي، خاصة أنه بلغ سن المعاش ويتم التجديد له بشكل سنوى.

وكانت صحف اقتصادية مصرية قد نشرت عن تدخل أجهزة سيادية لتحسين معدلات الفقر قبل إعلانها مرتين من قبل جهاز الإحصاء، وهو ما يمكن أن يتكرر مع مع معدلات البطالة اتساقا مع الحديث الرسمي عن الإنجازات.

وإذا كان جهاز الإحصاء يعلن عن بلوغ عدد العاطلين عن العمل خلال العام الماضي مليونين و166 ألف شخص، أي أقل من عدد العاملين في نشاط البناء والتشييد المتضررين من وقف تراخيص البناء، فإن هناك أكثر من ثلاث ملايين عربة توك توك، وهي وسيلة نقل أشخاص ذات ثلاث عجلات، والتي يعمل عليها أكثر من خمسة ملايين شاب، والتي تم منع سيرها في المدن ومنع ترخيصها والحد من حركتها، مما يعني إضافة أعداد أكبر من العاطلين عن العمل.

twitter.com/mamdouh_alwaly