كثر الحديث مؤخرًا عن تأثير قنوات الأطفال الفضائية في إصابتهم بأمراض نفسية، ولم يخل طرح القضية من مبالغات لا تنبني على أساس علمي تجريبي، سواء من اتهم الفضائيات بالمسئولية المباشرة، أو برأها من ذلك، وسنحاول الخروج من تأثير كلا التفسيرين أملًا بطرح علمي غير متحيز لأيهما.

ثمة عناصر لا بد من توافرها لأي باحث يريد الوصول إلى الصواب في هذا الأمر:

أولًا: دراسة أثر المثول أمام الشاشة مثولًا مجردًا دون اتهامات مسبقة ودون تفعيل نظرية المؤامرة ودراسة التأثير الإيجابي والسلبي لهذه القنوات.

ثانيًا: دراسة الأثر المتفاوت على مختلف الأعمار في سن الطفولة المتقدمة وسن المراهقة.

ثالثًا: دراسة التأثير على المهارات الفردية والتحصيل الدراسي والانتباه والوعي الإدراكي.

ويرى الباحث د.طه حسنين، أن مثل هذه الدراسة وهذه المواصفات سالفة الذكر لم تتحقق في دراسة نفسية شاملة، برغم خطورة الأمر وتفشي الظواهر التي يُعتقد أنها من آثاره، وحتى يمن الله علينا بمن يقوم بهذه الدراسة الوافية، لا نملك سوى الاحتراز لأبنائنا بما توفر من بيانات مبدئية، ونماذج واضحة، فالعملية التربوية لن تتوقف إلى حين إجراء الدراسات المتعمقة.

على من تقع المسئولية؟

تتداخل ثلاث دوائر من المسئولية عما يتم تقديمه إعلاميًا لأبنائنا:

  • خط الدفاع الأول عن أطفالنا والرسالة الإعلامية الموجهة هو الحكومات التي تقع على عاتقها مسئوليات تطهير وتنقية وفلترة المواد الإعلامية وشبكات الإنترنت من المشاهد التي تفسد المجتمع، بمن فيه الأطفال.
  • خط الدفاع الثاني هو المجتمع الذي يسد خلل الحكومات ويطالب بما يراه صحيحًا ويتواصى أفراده بالحق والخير، وينبري من أفراده من يضع الحلول للأزمات.
  • خط الدفاع الأخير والمسئولية القريبة المباشرة هي مسئولية الأسرة التي تراقب سلوك الطفل وتحدد ما يناسبه وما لا يناسبه، والأسرة تملك سلطة المنع المباشر والفوري بمحاولة إيجاد البدائل المسلية للأطفال ولا يكون هذا مطلبًا مفروضًا على هذه الأسرة أو تلك ولكنه متعلق بالقدرة المادية لهذه الأسرة.

وفي هذا المقام نتحدث عن خط الدفاع الأخير، فهو ما نملك التحدث عنه لما له من فاعلية وتأثير، ومن الممكن أن يجبر كسر الخطين الأول والثاني. والطفل في مأمن من أي تغيرات سلوكية سيئة ما دام في أحضان أسرة تتمتع بغطاء عاطفي يستظل به جميع أفرادها، من خلال ذلك يمكننا الإشارة إلى إمكانية وجود هذا الغطاء بشكل فعلي في الموروث الثقافي والاجتماعي.

العاطفة مدخل الفضائيات إلى الطفل

في حالة عدم وجود الغطاء العاطفي الأسري واحتواء مشاعر الطفل المتقلبة تتجه حاجات الأطفال في سن التعلم (من عمر 18 شهرًا حتى 7 سنوات) للبحث عن إشباع عاطفي من نوع ما لتعويض هذا الذي تتسبب في فقده هذه الأنواع من الأسر المشار إليها.

والطفل في هذه الحالة لا ينتقي نوعًا محددًا من هذا الإشباع ولا يفرق بين غثه وثمينه بل يتجه إلى الاغتراف من بحر العواطف دون التمييز بين غثه وثمينه، ولا الإيجابي منه أو السلبي، وذلك لأنه ليس لديه مهارة الاختيار التي أفقده إياها بالفعل هذان النوعان من الأسر.

لا بد أن يحصل الطفل على الكفاية والإشباع العاطفي داخل الأسرة حتى لا يلتمس ذلك الإشباع خارج نطاق الأسرة، خاصة عندما يكون الطفل بنتًا، لأنها بحاجة إلى جرعة مضاعفة من العاطفة والمشاعر الحانية من الأب قبل الأم.

ونظرًا لأن الطفل يكون متعطشًا للعاطفة مقبلًا على ملء الفراغ العاطفي الناتج عن غفلة وانشغال الوالدين، مدفوعًا بالحاجات النفسية، فإنه يقبل بشغف على مشاهدة نوعية معينة من مسلسلات الكارتون.

المربون الجدد

الولاء العاطفي الذي يبديه الطفل لـ«المربين الجدد» يفسر عجز المربين أحيانًا عن مقاومة السلوكيات أو الألفاظ التي اكتسبها الطفل من التلفاز، فهذه المقاومة قد تدفعه إلى التمسك بالمكتسبات الجديدة، ما يشكل خرقًا أخلاقيًا في المنظومة التربوية، فثمة مربون آخرون دخلوا على خط المنافسة لينازعونا فلذات أكبادنا.

المربون الجدد يمتلكون من أدوات التأثير ما تعجز الأسرة عن ملاحقته (إثارة، مغامرة، تسلية) حتى إن الوالدين يجدان نفسيهما أمام الطفل في موقع المدافع عن نفسه بلا سلاح.

وحينئذٍ يتحول الطفل إلى فريسة سهلة لا يمكنها مجرد الرفض أو الانصراف، لأنها وقعت أسيرة لأدوات يفتقدها المربون الأساسيون.

من هنا يتوجب على الدولة وأصحاب القرار التدخل لجعل المربين الجدد على قدر المسئولية، فيقوم على وضع الخطط البرامجية لفضائيات الأطفال أساتذة وخبراء التربية، لتتحول تلك القنوات إلى أدوات لبناء الإنسان.

إشكالية الفرق بين الإيذاء والحماية

لا يمكن لعاقل أن يقبل الإيذاء لنفسه أو غيره، وكذلك رفض الحماية من الأذى، فهو أمر غير معقول مطلقًا والسؤال هو كيف يمكن قبول الإيذاء ومقاومة الحماية؟ لا يتأتى ذلك إلا في إطار المؤامرة والوقوع تحت طائلة الخداع البارع فهو الذي يسوغ الضار ويقاوم بالطبع سبل الحماية منه. ربما ينطبق ذلك على بعض القنوات التي تبث ساعات طويلة لأطفالنا كل يوم، لاسيما القنوات الأمريكية والغربية المعربة فالطفل قد يقبل كل ما فيها برغم منافاة كثير منها للآداب الإسلامية والتقاليد العربية (قبول الإيذاء).

وعندما تمنع الطفل من مشاهدة مثل هذه القنوات أو بعض حلقاتها يغضب وينفعل (رفض الحماية).

ودور الأسرة هو الحماية مع إقناع الطفل ومحاولة نزول المربي إلى مستوى تفكير الطفل ليدرك الأمر على الحقيقة.

ضوابط الحماية

لا شك أن هناك قنوات للأطفال تربي وتغرس في الطفل قيما نبيلة، برغم ملاحظات متعددة على أساليب العرض والتكرار المستمر، ومع افتراض وجود القنوات التربوية المهنية، لا بد من تقنين فترات جلوس الطفل أمامها.

فعلى سبيل المثال لا توجد حلقة تعليمية في العالم تزيد عن 45 دقيقة، وهذا أمر مدروس علميًا ومتفق عليه لأن طاقة التركيز والتلقي المتواصل لدى العقل البشري لا تستوعب أكثر من ذلك، وعليه فلا يمكن السماح للطفل بالجلوس لساعات أمام الشاشات بطريقة متواصلة، فيعتاد الكسل والخمول، ويصاب بالبدانة. والبديل هو ممارسة نوع من الألعاب الرياضية المحببة إليه، ولو تطلب الأمر اشتراكًا في نادٍ يكون له فيه صحبة طيبة نافعة.

نقلا عن المنتدى الإسلامي العالمي للتربية